عندما تُصبِح الأوطان مهددة بالفتن والأخطار يظَّل شبح الخوفِ يُطارِدها ، وتفقِدُ قيمتها ومعناها فى نفس الإنسان ، ولا يُقتصر إنقاذها حينئذٍ على نُخبها وقادتها وزعمائها بل يكون لغمار الناس ومن عامَّتِهم .. فعندما كان الخطر مُحدِقاً والكارثة وشيكة بمملكة النمل قالت ( نملة ) … !! هكذا جائت بصفة التنكير ، وكان لقولها على ضعفها وهوانها وقلة حيلتها دوراً إيجابياً فى إنقاذ جنسها ، حيث لم تدعو لعقد إجتماعٍ طارئ أو إستثنائي لمجلس النمل ولجنته الأمنية لمناقشة كيفية مواجهة الكارثة المحدقة فالمقام مقام أفعالٍ لا أقوال فصدر القرار ( النَّملى ) الحكيم والشجاع بالدخول إلى المساكن مخافة الهلاك تحت أقدام جيش سيدنا سليمان .. ولو لم تكن تلك النملة تعلم أن لمملكتها خططاً أمنية متكاملة ، وأنظمةً للحماية وغُرفاً لإدارة الأزمة لما قامت بواجبها وإتخذت قرارها نيابة عن مجتمعها ( النملى ) فكتبت على صفحة الواقع بل وفى صفحات التأريخ ما خُلِّدَتْ به .. فكيف لعقلاء بلادى أن يتغيبوا عن الكتابة الصادقة على الصفحات البائسة لواقعنا القبلى والمجتمعى المأزوم ..!!؟ فكلمةٌ واحدة يكتبونها على أرض ( الواقع ) كما فعلت تلك النملة خيرٌ من مئات الكلمات التى يخُطونها على صفحات ( المواقع ) .. فما يحدث الآن فى النيل الأزرق ومن قبل فى أماكن كثيرةٍ فى السودان يُعد نقطة سوداء فى جبين المجتمع السودانى .. فهذا ( الڤيتو ) الذى يستخدمه البعض تجاه البعض الآخر هو الذى يقتل ويدَّمِر المروءة والقيم السودانية الموروثة ، وهو الذى يقتل ويدمر كل المشاريع الوطنية الجادة والمسؤولة الآنية والمستقبلية ويحل محلها أحكاماً فاسدة وديكتاتوريات قبلية ظالمة وصراعاتٍ عبثية مدمرة .. فلئن فشل بعض أهل السودان فى ترجمة خلافاتهم وإختلافهم حول الرؤى والمشاريع السياسية والفكرية إلى ممارسات ناضجة وسليمة .. ولئن عجز معظم أهل السودان التعايش فى الفضاء الإفتراضى .. فلم هذه ( المَحَقة ) من عقلاء بلادى وعجزهم على سياسة الناس ..!! فحتى الراعى الحاذق يُتقن لغة الحِداء ويحفظ أنعامه من السير فى طريق الهلاك ..!! فهذه الأحداث المتتالية وتلك الأحاديث التى تُرسى دعائم العنصرية يجب أن يتنبه إليها الناس جميعاً فمصلحة الوطن فى إستتباب الأمن والإستقرار .. وأن هيبة الدولة التى نُنشدها جميعاً لايمكن أن تقوم وترسخ إلاَّ فى ظل فاعلية القانون القادرة على توفير العدالة بوثوق وجرأة .. فلا بد لدولة القانون أن تكون حازمة فى مواجهة كُل من يتجاوز قواعدها المُنظِمة لعملها ، وكل من يتجاوز الخطوط الحمراء المتعلقة بأمان وإستقرار وحياة الناس .. وإلاَّ سيكون حريقاً فى حطبٍ لا يزال مُبَّللاً لكنه قابل للإشتعال