لعب الوقف علي مر تاريخ الحضارة الإسلامية دور فاعلا في بناء المرافق العامة مثل المدارس والمستشفيات وغيره من المنافع، خير مثال علي ذلك: الأزهر في مصر وجامعة قرطبة في الأندلس ومستشفي النور في دمشق وغيره من الأوقاف في العالم الإسلامي، واستمر نفع تلك الأعيان الوقفية لفترة طويلة لآلاف السنين، أما وقف النقود فقد بدأ في القرن الخامس عشر الميلادي في عهد الإمبراطورية العثمانية حيث لعب دورا مهما جدا في إحداث بعض أوجه التنمية الإقتصادية والاجتماعية. و في العصرالحديث زادت حاجيات المجتمع وتوسعت، لذا هنالك حاجة ماسة لتشجيع وقف النقود لتغطية تلك الحاجيات خاصة في ظل وجود العديد من التجارب الناجحة جدا لوقف النقود في دول مثل ماليزيا، إندونيسيا ،سنغافورة وبنغلاديش.
إنشأت هذه الدول مشاريع وقفية قائمة علي النقود تسهم في دعم الشرائح الفقيرة في المجتمع و إنشاء بعض المرافق الخدمية مثل المدارس والمستشفيات وغيره.
نحن في السودان في حاجة شديدة لتشجيع وقف النقود وتوعية المجتمع بأهميته ليسهم في توفير الحد الأدني من الحياة الكريمة او حتي حد الكفاف لقطاع كبير من فئات الشعب قصُرت بهم صروف الدهر عن مبلغ ذلك خاصة هنالك تجاربة سابقة للمجتمع في دعم أعمال الخيرات عن طريق وقف الأعيان وكذلك مبادرات مجتمعية مثل العون الذاني الذي اشتهر في السبعينات ومازال مستمرا في بعض المناطق ولكن هذا الأخير يتفقر لمسألة استمرارية الدعم أو ما يعرف حديثا ب“الديمومة” يمكن أن يمثل الوقف النقدي نوعا من هذه الاستمرارية دون الحاجة للسؤال من جهات خيرية.
التكييف الفقهي لوقف النقود:
وقف النقود يعني في الاصطلاح حبس النقود وتسبيل منفعتها المتمثلة في الأرباح الناتجة عن استثماره. هذا النوع من الوقف يتيح الفرصة لأكبر عدد من الأشخاص المساهمة فيه. هذا وقد جوز مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي المنعقد في دورته الخامسة عشرة بمسقط ( سلطنة عُمان ) 14 – 19 المحرم 1425هـ، الموافق 6 ( مارس ) 2004م. وقف النقود علي النحو التالي:
- وقف النقود جائز شرعاً، لأن المقصد الشرعي من الوقف وهو حبس الأصل وتسبيل المنفعة متحقق فيها؛ ولأن النقود لا تتعين بالتعيين وإنما تقوم أبدالها مقامها.
- يجوز وقف النقود للقرض الحسن، وللاستثمار إما بطريق مباشر، أو بمشاركة عدد من الواقفين في صندوق واحد، أو عن طريق إصدار أسهم نقدية وقفية تشجيعاً على الوقف، وتحقيقاً للمشاركة الجماعية فيه.
3.استثمر المال النقدي الموقوف في أعيان كأن يشتري الناظر به عقاراً أو يستصنع به مصنوعاً، فإن تلك الأصول والأعيان لا تكون وقفاً بعينها مكان النقد، بل يجوز بيعها لاستمرار الاستثمار، ويكون الوقف هو أصل المبلغ النقدي.
المزيد من التفاصيل علي الرابط: (قرار-مجمع-الفقه-الإسلامي-في-استثمار-ال (https://fiqh.islamonline.net
أهمية وقف النقود تنبع من سهولة مشاركة قطاع كبير من المجتمع عن طريق إحياء قيم العمل المجتمعي والتكافل في فعل الخيرات لمن يرغب في الوقف فتتاح الفرصة لمن يحبون الخير ولا يملكون ثروات لشراء أعيان ثابتة أو بناء عقارات مثل المساجد،المدارس والمستشفيات لوقفها لذلك تساعدهم المساهمة المالية حسب السعة في إنشاء مشروع وقفي يعود ريعه علي الفقراء أو المحتاجين بصورة عامة. فوقف النقود يقوم علي مبدأ المساهمة الجماعية أو وقف النقود الجماعي. فمثلا يمكن إنشاء صندوق وقفي يوفر موارد مالية ضخمة أو كافية لإقامة مشروع استثماري يُستفاد من عائداته في دعم التعليم،الصحة أو أي مشروعات خدمية تفيد المجتمع أو حتي دعم المرافق العامة القائمة مثل توفير الأدوية ودعم المدارس والخلاوي.
قف النقود في مجال الاستثمار
من أهم أوجه استثمار النقود الموقوفة تمويل المشروعات الاستثمارية القائمة على الصكوك الإسلامية مثل صيغ: المضاربة ، السلم ،المرابحة و الإجارة وغيره من الصيغ المباحة شرعا. أمثلة علي استثمار وقف النقود في المشاريع الاستثمارية:
(أ)تحديد دراسة جدوي لمشروع خدمي ما ووضع التكلفة وطرحها للإكتتاب العام في شكل صكوك للمضاربة لتوفير التمويل للمشروع المعني.
المكتتبون هم أرباب المال وهم الواقفون، وحصيلة الاكتتاب هي رأس مال المضاربة (المال الموقوف) وما ينتج من أرباح العملية يقسم إلى قسمين: قسم يوزع على الجهة التي تدير المشروع كأجر مقابل العمل، والقسم الثاني يصرف على المرافق التربوية والتعليمية كمنح دراسية للطلاب أو مرتبات للمحاضرين والمعلمين أو لبناء مدارس وجامعات وصيانتها وطباعة الكتب وغير ذلك من الأمور المتعلقة بالتعليم.
(ب) إنشاء شركة تصدر صكوك وقفية وطرحها للاكتتاب العام، فالمكتتبون هم الواقفون، وحصيلة الاكتتاب هي المال الموقوف الذي يُصرف في إنشاء وبناء المؤسسات التعليمية كالجامعات والمعاهد والمدارس،والمستشفيات علي أن تكون هذه المؤسسات معدة بصورة حديثة وكفاءات مقتدرة تمكنها من المنافسة في تقديم الخدمات بصورة تجارية للمقتدرين وجزء منها يقدم للمحاتجين بصورة مجانية أو مدعومة لضمان استمرار هذه المرافق.
هذه مجرد افكار تحتاج للمزيد من النقاش من أصحاب الاختصاص والمصلحة وهنالك ضرورة لتشجيع وتوعية المجتمع بأهمية وقف النقود ومساهمته في أوجه الخير واستمرار ثواب العمل الصالح في الحياة وبعد الممات، وفي تقديري ليس من الضروري أن يكون ذلك لأصحاب الثراء أو المال بل كل حسب استطاعته و كم من درهم سبق دراهم.
ليس من الضروري أن تقوم بذلك العمل الحكومة بل يمكن أن تتولاه الجهات الأهلية مثل النقابات، تجمعات للأهالي في ولايات السودان المختلفة و وفقا لحاجيات المجتمع المعنى ونوعية الاستثمارات المتاحة سواء أكانت خدمية،زراعية أو صناعية فهنالك العديد من الدراسات والتجارب في هذا المجال التي يمكن الاستفادة منها.