د.ابراهيم الصديق على
(1)
أحتفى السيد ياسر عرمان بميلاده ، وركز على ثلاث محطات ، يوم مولده وحين أنضم للحزب الشيوعي في عمر 16 عاما ، وحين ألتحق بالحركة الشعبية بقيادة قرنق بعمر 24 عاما ، ولكن عرمان تجاوز محطات أكثر أهمية في نظري وهو شخصية عامة ، ومنها إتفاق السلام الشامل 2005م ، وإنفصال الجنوب 2011م ، وقبلهما إنتفاضة ابريل 1985م ، وبالتأكيد لم تغب عن مخيلته ، ولكنها فيما يبدو ليست من خياراته المحببة.. وسأفصل قليلا..
(2)
أبرز ما يميز شخصية عرمان العامة هو النزوع إلى الصدام والصراع ، وهذا فيما يبدو بعض ما غرسه اليسار والفلسفة الشيوعية ، فقد ألتحق عرمان بالحركة الشعبية المسلحة والمتمردة عام 1986م والبلاد كلها تتجه لمرحلة ديمقراطية بعد إجراء إنتخابات شفافة وفوز حزب الأمة القومي بالأغلبية وتشكيل حكومة مدنية ، فلماذا غادر عرمان البلاد واختار العمل المسلح وأمامه أبواب العمل السلمى..
هل هذا خيار الحزب الشيوعي بتعزيز منفستو الحركة المتمردة بكوادر يسارية ، وإحكام القبضة عليها؟ ام فتح نوافذ وخيارات جديدة بعد فشل الحزب في الماراثون الإنتخابي؟ ، ام هذا خيار شخصي دون ان يحدثنا عرمان متى ترك الحزب أو تركه الحزب؟..
وفي كل الحالات فإن الميول الداخلية شكلت دافعا لهذا الخيار ، اي العنف..
(2)
بعد إتفاق السلام وتقرير المصير وفي إنتخابات 2011م ، وبعد فشل عبدالعزيز الحلو في الانتخابات الولائية ضد أحمد هارون ، أشتعلت النيران فجأة في كادوقلي ودوت المدافع ، بعد دقائق من مغادرة وفد عرمان للمدينة لتنقية الاجواء وإزالة حالة الإحتقان ، مما عرف بالكتمة ، ورغم كل فرص العمل السياسي السلمي عاد عرمان للغابة وترك مكتبه كرئيس للجنة الإعلام بالمجلس الوطنى وأنضم لحركة الحلو ، واختار العنف..
لم تكن خسارة الانتخابات تستلزم هذا الخيار العنيف وخاصة بعد سنوات السلام وعودة النازحين وافتتاح المدارس ورصف الطرق وبدء الخدمات والاسواق ، ولكن الطبع يغلب على التطبع ، فلم يجن اهل المنطقة غير مزيد من النزوح وشظف العيش وضيق الحياة.. إنهم دعاة الحرب.. ومع ذلك يظن لهم عرمان دون خجل أنه يمثل قضاياهم..
ولأهل الشرق غبينة شديدة ضد عرمان حين كان مساهما في قيادة التمرد بأريتريا ، وزيادة على الضحايا من المدنيين الذين فقدوا حياتهم ، فإن الآلاف اقدامهم مبتورة بسبب ألغام حركة قرنق ، وأحد عرابيها عرمان ونداءاته المتكررة وتأجيج الأوضاع وزيادة التوتر ، ومثل هذه الشخصية لا تصلح للحديث عن المستضعفين وأهل الهامش واطراف السودان ، وما زال في جرابه بعض مخططات ومآرب..
(3)
في أمسية 15 أبريل 2023م ، وبينما الوفود تترى لإيقاف الإنزلاق للهاوية ، كان عرمان وآخرين ، آخر من ألتقوا عبدالرحيم دقلو قائد ثاني ميلشيا الدعم السريع في حافلة صغيرة (شريحة) ، ولو أن مقتضى الأمر بحث عن السلام والتهدئة لما أقتضى تمويه وغموض وتكتم وأسرار ، فلم تكن المواقف خفية على احد ولا المعلومات بعيدة عن المتابعين ، فلماذا اختاروا الصعود للشريحة لو أن الحديث حول شأن عام ، وهذا مثار شك كبير ؟..
لماذا حرص وفد الحرية والتغيير قحت ومنهم عرمان أن تكون محادثاتهم بعيدة عن اعين الناس ، ما العيب في لقاء كهذا سوى محتواه ، الحرب والعنف ، وتلك تجارة عرمان الرابحة.. ولذلك يعمدون الآن لتبنى رؤية التمرد وإقالة عثراته وكتابة بياناته وتعزيز مواقفه ، لم يتحدثوا عن الضحايا والابادة والنهب وجلب المرتزقة وتدمير البنيات ، وبعد كل ذلك ما زال فيهم بعض ماء وجه..
هذه اللحظة التى غيرت وجه الخرطوم ، وشردت أهل السودان ، وقتلت ، وهتكت الأعراض منسية في سجل عرمان ، وإن ظن انها احدثت تغييرا لصالح فأقترح عليه زيارة معسكرات اللجوء ومدن النزوح لمعرفة ذلك ، أو على الأقل التجول في عواصم الولايات السودانية.. !!! يا للخيبة
(4)
لم يكن اتفاق جوبا (2020م) محل إعجاب لدى عرمان وبعض أطراف العملية السياسية ، ولذلك اصبحت المواقف بينه ورئيسه مالك عقار (تحالف ما بعد مفارقة الحلو)، متباعدة ، فقد اختار عقار المضي قدما في تنفيذ إتفاق السلام وتحقق ذلك في بند الترتيبات الامنية ، ومن غرائب الصدف أن قرار عقار المضى في السلام لم يكن محل رضاء حميدتى – أيضا- مع أنه عراب الإتفاق حين قال لى عقار حسب مناوى في آخر لقاء وساطة (ليه سلمت قواتك للجلابة)..
وهنا ألتقت رؤية حميدتى وعرمان في المسار والموقف ، كما ألتقت في مصطلحات بيانات حميدتى الأخيرة.. ويبدو أن المستقبل واحد..
(5)
في أمسية سقوط طائرة جون قرنق عام 2005م ، بينما كان الرئيس البشير ونائبه على عثمان ووزير الاعلام عبدالباسط سبدرات ونيال دينق (إن لم تخن الذاكرة) ، كانوا يستمعون لتفاصيل سقوط الطائرة وتناثر الاجزاء ، و كان ياسر عرمان يدلي بتصريحات لوسائل الإعلام من نيروبى عن نجاة القائد وقد هبطت طائرته بسلام وسط قواته بشرق الإستوائية ، وحين كان عمال الإغاثة يروون تفاصيل مشهد سقوط الطائرة كان عرمان يكذب ذلك ، وكانت المفاجأة حين أصبحت الخرطوم على هجوم مجموعات مسلحة بالبنادق والملتوف والسواطير تفتك بالآمنين من أطراف العاصمة إلى وسطها ، محملين بالوقود ووفق حركة مرتبة ودقيقة من منطقة أخري ، فمن وراء إشعال الحريق والعنف ؟ من وراء ذلك الإرباك في المعلومات والوقائع ؟.. تلك بعض حقائق لم يتم تعقبها.. ولكنها ذات العقلية وإستخدام الشعارات البراقة ودس السم في الدسم..
ترى ما سر تعلق عرمان بالمواقف المجهولة وهو يبعث قرنق من حطام طائرته ؟ وهو يتبنى شعارات ومواقف حميدتى في غيابه العجيب ؟..
كل عام وبلادنا بخير من محطات عرمان..