تصاعدت بصورة واسعة جداً الحملة ضد وزير المالية والاقتصاد الوطني الدكتور جبريل إبراهيم على ضوء معاناة المواطنين من ارتفاع أسعار السلع والخدمات، وتفاقم مستويات الفقر والعوز، وعجز المرتبات والأجور عن تغطية الحاجات الأساسية للمواطن السوداني.
ينعى الكثيرون على وزير المالية عدم تدخله وشركة توزيع الكهرباء تزيد قيمة استهلاك الكهرباء، وشركات توزيع المواد البترولية تزيد أسعار المحروقات، والمطاحن تزيد أسعار الدقيق، ووزارة الصحة تفرض رسوماً على العديد من خدماتها، وخطوط الطيران والحافلات تزيد من أسعارها وغير ذلك من زيادات في مختلف السلع والخدمات.
لقد كانت نتيجة كل هذه الزيادات معاناة كبيرة من غالبية المواطنين في الحصول على هذه السلع والخدمات المهمة. ولكن يبرز هنا السؤال المنطقي؛ هل أسعار هذه السلع والخدمات تمثل القيمة الحقيقية لها؟ وبأي معيار يمكننا قياس ذلك؟ الإجابة واضحة وسهلة بالنسبة لسلع الاستهلاك المباشر مثل سعر دقيق المطاحن، أو سعر ليتر البنزين أو الجازولين. حيث نحسب قيمة السلعة من المنبع، ونضيف لها رسوم الشحن والتأمين وأرباح الموزِع. في حين أن الإجابة أكثر تعقيداً فيما يلي أسعار الخدمات مثل الكهرباء ورسوم المستشفيات، حيث يدخل في الحساب بالإضافة للأسعار الأولية للمدخلات كفاءة التشغيل. مثلاً في الكهرباء أهم مدخل هو الفيرنس أو المازوت المشغل لماكينات التوليد الحراري، لكن هناك فاقد في الشبكة القومية قد يبلغ 20% أو أكثر هنا تدخل كفاءة الأداء كعنصر مؤثر.
وبما أن غالب المدخلات للسلع والخدمات، التي نستخدمها كسودانيين، هي مدخلات مستوردة فلا بد أن يتم احتساب التكاليف على أساس العملة التي يتم بها الاستيراد وهي الدولار أو اليورو. وبما أن القيمة المقابلة للدولار أو اليورو آخذة في الارتفاع باستمرار، لأسباب هيكلية في اقتصادنا، فإن التكلفة بالتالي ستكون في زيادة مستمرة بسبب هذا العنصر. علماً بأن تحديد قيمة العملة الأجنبية مقابل المحلية هي مسئولية بنك السودان المركزي.
أما معيار المقارنة لقياس معقولية السعر للسلعة أو الخدمة فلا بد من النظر فيه لخارج حدودنا، كم يبلغ سعر ليتر البنزين في مصر أو اثيوبيا أو السعودية، هاهنا تكون المقارنة عادلة، وليس المقارنة المحلية بسعر السلعة قبل سنة أو شهر وسعرها الآن.
بناءً على هذا التحليل، هل نعتبر زيادة الأسعار قدراً مقدوراً لا سبيل لمعالجته، ويموت المواطن بغيظه؟ بالطبع لا، هناك معالجات. وهذه المعالجات هي ما يجب مسائلة وزير المالية حوله، وإعانته عليه بالمقترحات والعمل الدؤوب. أول هذه المعالجات ما تم الاتفاق عليه في مذكرة المشاركة مع البنك الدولي CEN الموقعة في أكتوبر 2020 والمتضمنة منح كل مواطن 5 دولارات شهرياً لمواجهة مترتبات رفع الدعم عن السلع والخدمات من خلال برنامج (ثمرات). بما أن هذا البرنامج قد توقف، لأسباب سياسية، فعلى وزير المالية العمل على إيجاد البديل من خلال عون خارجي آخر من الدول الشقيقة مثل السعودية والامارات.
وثاني المعالجات دعم الإنتاج والإنتاجية، وتحريك جمود الاقتصاد، لزيادة دخول الناس وبالتالي تمكينهم من دفع القيمة الحقيقية للسلع والخدمات. وهذا لعمري ليس شأناً اقتصادياً فحسب، إنه برنامج دولة ومجتمع، تمثل فيه الأحزاب السياسية رأس الرمح بحث الشباب على العمل والإنتاج، والتوجه للحقول والمصانع عوضاً عن تتريس الشوارع. والله الموفق.