لقد قضى اللهُ جَلَّ وعلا على خَلْقِه بالفناء ، ولايبقى أحدٌ سِوَى وجههِ الكريم ، وجعل الموتَ حقٌّ على كلِّ حَيٍّ لا محيدَ عنه .. فقد حملت إلينا الوسائط نبأ وفاة أستاذنا وأستاذ الأجيال المربى الجليل والعالم النحرير والسياسى الضليع الزين حامد نسأل الله أن يتقبله فى عليين مع أمواتنا وأموات المسلمين .. إنَّ الشعور بالمرارة والفجيعة وفداحة الخطب ’ يزداد عمقاً وإتساعاً وامتداداً كلما كانت شخصية الفقيد عميقة الإلتصاق بالمجتمع واسعة الاتصال بأفاق الحياة ممتدة الجنبات في رحاب التربية والتعليم ، والفقيد الراحل من هذا الطراز الإنساني الرفيع .. فقد كِنَّا نهابه ونُحبه .. نبتعد عنه ونرجوا قربه .. ونحن نتلمس خُطانا ونظن كل الظن أننا بلغنا مبتغانا بالإنتساب إلى مدرسة كسلا الثانوية التى كُنَّا نراها الجميلة الغير مستحيلة .. وزاد فخرنا بمدرستنا أن وجدنا الزين الرجل الزين عميق النظرة قوي الإحاطة والشمول متعدد الجوانب متشعب المواهب رائداً فى التعليم وفى التربية قبل أن يصبح رائداً للجمعية التأسيسية .. فقد وجدناه ربانها الماهر وقائدها الهمام .. ومن ثم إفترقنا وتشعبت بنا السُبل منَّا السابق بالتفوق ومنَّا المقتصد ومِنَّا الضائع والمخدوع بالأمانى .. أمَّا هو فقد حمل بزنده راية الهم الوطنى ردحاً طويلاً من الزمن ، فلم يضعف الساعد وبقيت راية الغيرة الوطنية خفاقة تُزاحم النجوم ، وكان في ذلك كله عَزمةٌ لا تسعها قُدرة وشعاعاً لا يحصره أفق وحيوية مؤمنة دافقة صمدت في وجه الشدة حتي خجلت الشدة ذاتها من الصمود ، وجزى الله أستاذنا أحمد الجبراوى خير الجزاء فقد كان يحرص أن يجمعنا به وبأعلامنا ومعلمينا وقادتنا وقدوتنا فى الإفطار السنوى ليلة ١٧ رمضان من كل عام و الذى كان يُقيمه لمعلمى وخريجى مدرسة كسلا الثانوية من كل الأجيال .. وها هو الفقيد الكبير قد رحل كما يرحل الفارس من قلب المعركة ، كبرياء النصر في عينيه بأن غرسه الذى غرسه فى أولئك الصبية قد أثمر علماء وأطباء ومهندسين وقانونين وقادة عسكريين وأمنيين وسياسيين ورحل عنَا ووهج العقيدة المؤمنة يُعمر في جنبيه .. نسأل الله له الرحمة والمغفرة فقد كان يسير حيث المسالك الوعرة وما لوي عنان جواده يمنة ولا يسرة و لا أرتد منهوكاً من المقدمة الي المؤخرة بل ظَّل طيلة حياته ضميراً حراً وجبيناً عالياً وعاش كريماً ورحل كريماً .