الرأي

هل أهل هلال هلال ؟

بقلم : مرتضى شطة
يظل الشيخ موسى هلال زعيم قبيلة المحاميد في شمال دارفور رقما لا يمكن تخطيه في خارطة المعادلات السياسية والاجتماعية ولا حتى العسكرية في دارفور في مختلف الحقب ؛

فالرجل ورث القيادة والزعامة عن والده الشيخ هلال وشب عن الطوق وهو قائد وزعيم ونال تعليما نظاميا مكنه من أن يكون له حضور في المجالس ورأي في المحافل وقول فصل في المنعطفات التاريخية .

من حسن الصدف أن أتيحت لي فرص نادرة للتعرف عليه في مواقف مشهودة ومتعددة عن كثب ومنذ مرحلة مبكرة من عمري .

فقد حل ضيفاً على والدي في منزلنا قبل ثلاثين عاما لأيام عديدة عندما كنت طالبا في المرحلة المتوسطة ؛كانت الحروبات بين الرزيقات والزغاوة قد هدأت لتوها ؛فالرجل كان يومها ممتطيا سيارة (كبدية اللون ) فارهة من ماركة جي إكس آر تقريبا لم يكن يمتطيها يومها ولا حتى والي الولاية ؛كان ذا مكانة رفيعة بين قومه ماض فيهم قراره ؛وأنا في ذلك العمر أقوم بواجب الضيافة في صالون والدي رحمه الله أتيح لي الاطلاع على كيفية تعامله مع زواره الذين كانوا من مشارب متعددة ومن قبائل ومستويات متباينة وكيف كان يتحدث عن الحرب والسلام والتعايش القبلي وأهميته رغم الظروف الماثلة ؛

ومن بين زواره بعض أهله من الرزيقات الذين كانوا في حركة دؤوبة بين ليبيا والسودان عبر مدينة مليط التي كانت الميناء البري الأول في السودان يومها وكانت الحركة التجارية منتعشة ؛

كنت مهتما بالتعرف إلى اللهجة ذات المخارج المختلفة في الضاد والظاء حيث يحسنون نطق الأخيرة ويقلبون كل ضاد إلى ظاء بعكس غالبية عامية أهل السودان التي تقلب كل ظاء إلى ضاد ؛ما يميز هلال في تعامله مع هؤلاء الضيوف المتعددين أنه يحدث كلا منهم بطريقة مختلفة تليق به وله لكل مقام مقال ولا يخوض في الحديث المهم مع من لا يرى أنه يستحق .ولا أستغرب أن يكون الرجل يقظا في تعامله مع المخاطر والتحسب لمحاولة الاغتيال التي قيل إنه تعرض لها في يناير الماضي في باديته ؛ ففي يوم ودع ضيوفه من أهله الرزيقات ورد على سؤالهم عن مواعيد سفره بأنه لم يحن بعد وما أن غادروا باب المنزل حتى إستأذن أبي في السفر بصورة مفاجئة وغادر في دقائق فهو عالي الحس الأمني .وبعد أكثر من عشر سنوات جمعتني معه المنابر عند بدايات حرب دارفور وعندما تحدثت في لقاء عاصف فيه قيادات دارفور من السياسيين في الخرطوم وطالبت بإتاحة الفرصة لآراء الشباب ومقترحاتهم لتجاوز الأزمات وعدم احتكار أجيال محددة أمر البت في مستقبل دارفور كان هو المتحدث الذي أعقبني وبدأ بالتعضيد على إيلاء الشباب فرصة مناصرا لي ؛وهو صاحب آراء جريئة منذ مؤتمر الصلح الأهلي الأول عشية وصول الإنقاذ إلى السلطة ورفضه لضغوط نائب رئيس مجلس قيادة الثورة يومها إلى مواقفه الرافضة لاستمرار ولاية عثمان كبر على شمال دارفور ورفضه القدوم الى الخرطوم لمقابلة الرئيس البشير ما لم يقوم بإعفاء كبر من منصب والي شمال دارفور . وقد أذيع سرا إذ علمت من مصدر واسع الاطلاع نقل لي عنه من أثق فيه أن البشير كان يريد أن يعهد إلى موسى هلال بتكوين قوات الدعم السريع لكن تأخر موسى عن الحضور الى الخرطوم إبان خلافه مع كبر هو الذي جعل الأمر يعهد به إلى حميدتي .ومعلوم أن موسى هلال لعب دورا في قوات حرس الحدود التي كان حميدتي ينتمي أيضا إليها وعندما تمرد ومعه بعض من أقربائه وقواته كان موسى هلال هو الوسيط الذي تدخل لاحتواء تمرده وطلب من قيادة الدولة الاستجابة يومها لمطالبه بترقيته إلى رتبة عميد وترقية شقيقه عبد الرحيم وبعض من حوله واعطائهم بعض الميزات في حرس الحدود .

والذين لا يعلمون حكمة موسى وتفادي الصراعات القبلية فقد مر الرجل بموقف عصيب بعد أن اعتقله حميدتي بسلطة الدعم السريع بطريقة لا تليق به وجيء به الى الخرطوم في أواخر عهد الإنقاذ ليكون عرضة لمحاكمات عسكرية لسنوات انتهت بمصالحة وسط فيها حميدتي قيادات قبيلة الرزيقات وناظرهم وهذا يعكس أهمية ومكانة الشيخ موسى ؛

وبعد أن خرج الرجل من معتقله كظم غيظه ولم يسع إلى إشعال الحرب أو الفتنة القبلية بالرغم من أن المعلومات المتاحة كانت تتحدث عن عدم الوفاء بالكثير من بنود الصلح ورد بعض ما أخذ منه من سيارات وأموال .

وقد زرت الرجل في منزله بالخرطوم عقب إطلاق سراحه في إطار التواصل الاجتماعي وقد طالت السنوات ولم يعد يذكرني الا بالتعريف بوالدي ومن عجب أن مقابلته وهو خارج السلطة وبهارجها كانت صعبة جدا من كثرة الزوار ووفود القبائل ما يدلل على مكانة وأهمية الرجل .

إذن تظل شخصية موسى هلال محورية في الأحداث ؛فما أن يعلن موقفا حتى يتحرك فيه ؛وقد كان له مجهود في التطواف على معظم قبائل شمال دارفور وحث قياداتها على نبذ الاحتراب القبلي والعمل على المحافظة على الاستقرار والتعايش السلمي فيما سبق.لذا فإن إنحيازه للقوات المسلحة سيكون من الأهمية بمكان بحيث لا يمكن تجاوز الحديث عنه وسيسهم في إعادة هندسة مسارات الحرب والسلام .ولنا عودة إن شاء الله .

اترك رد

error: Content is protected !!