فيما أرى / عادل الباز

هل أتاك حديث جبريل…؟!

عادل الباز

في زحمة الانشغال بالأعمال الحربية وانتصارات الجيش مرَّ المؤتمر الصحفي الذي عقده وزير المالية -على أهميته- مرور الكرام، ولم يقف أحدٌ عنده، وهنا الأزمة الكبرى لأن الحرب لا تدور فقط في أزقة المدن وميادين الحرب بين “بل وجغم”.. إنما ميدانها الحقيقي هو الاقتصاد.

والذين يتابعون مجريات الحرب واقتصادياتها يدركون أن حرباً حقيقية تدور في فضاءات الاقتصاد، وهناك رجال دولة اقتصاديون محاربون حقيقيون، وهناك رجال اقتصاد كبار سيكتب التاريخ أسمائهم بأحرف من نور ونسأل الله أن يُكتبوا عند الله مع الصديقين والشهداء.

2

قال السيد وزير المالية جبريل في المؤتمر الصحفي المذكور أعلاه إن ميزانية العام ميزانية حرب سيعاد النظر فيها كل ثلاثة أشهر، وأعلن عن انخفاض الإيرادات بنسبة (٨٠٪)، يواجه وزير المالية بهكذا وضع حالة غير مسبوقة إذ لم يواجه وزير مالية في تاريخ السودان الحديث ما يواجهه السيد جبريل الآن.

ولا أعتقد أن أي اقتصاد أفريقي قد واجه ما نواجهه الآن، مصروفات حرب مهولة يومياً مع انهيار شامل في الإيرادات.

كيف واجه السيد جبريل تلك المحنة؟ وكيف يدور دولاب الدولة الآن على ضعفها وتوقف أي مصروفات أخرى سوى الصرف على الحرب.؟ 3 وضع السيد جبريل والدولة كلها كافة مواردها للصرف على بند واحد وهو بند الصرف على الحرب، ولا صوت أو صرف يعلو على صرف المعركة. ولم يكن أصلاً متاحاً الصرف على أي أوجه أخرى. لقد كان المورد الوحيد للصرف هو (الذهب). تقريباً ٩٠٪ من دخل الدولة الآن يأتي من عائدات الذهب والبقية من إيرادات الجمارك في ظل توقف القطاع التجاري والصناعي وضعف عائدات الجمارك، ولحق توقف إيرادات قطاع الاتصالات باحتلال المليشيا للمقسمات التابعة للشركات التي تعتبر مصدر إيرادي مهم. المصدر الوحيد الذهب عليه أن يُسيِّر الدولة في أدنى مستويات صرفها وعليه أيضاً تغطية تكاليف الحرب من سلاح وتشوين ومرتبات للجنود وصرف على كل مفردات تشغيل الآلة الحربية. السياسة الأخرى التي سار عليها وزير المالية هو تحميل الولايات مسؤولية إدارة شؤونها الاقتصادية بعيداً عن دعم الدولة التي لا تملك أصلاً مالاً تدعم به، ولذا نرى أن كثير من الولايات نشطت أخيراً في تعظيم إيراداتها وخفض مصروفاتها بل إن بعضها ساهم في دعم حملات الاستنفار، وهنا لابد من الإشارة إلى أن الدعم الشعبي للمجهود الحربي خفف كثيراً على وزارة المالية في بند مصروفات الحرب.

فكثير من التشوين لمعسكرات الجيش في العاصمة والأقاليم تم تمويلها من رجال أعمال وناس عاديين وقبائل تولت معظم الصرف على معسكرات الجيش والفرق المرتكزة قرب أماكنها. 4 الطريق الثالث الذي اتخذه جبريل هو استنهاضه للقطاع الخاص للإسهام في المجهود الحربي وقد تقدم كثيرون من رجال الأعمال بتقديم دعم مالي عيني مباشر بمئات الملايين من الدولارات وآخرين ساهموا في إيجاد تسهيلات بنكية خارجية وآخرين باستيراد المواد البترولية بآجال سداد بعيدة.

في ذات المؤتمر الذي كشف فيه وزير المالية عن سرقة المليشيا لطن، و٧٠٠ كيلو ذهب من مصفاة الذهب بالخرطوم كشف عن جهود الوزارة الهادفة لإجراء مسح جيولوجي تقوم به ألمانيا لمعرفة مخزون المعادن وخاصة اليورانيوم بالبلاد ليتمكن السودانيون من الحصول على قروض بموجبها.. وهذا اتجاه حميد لمواصلة الصرف المتزايد على المجهود الحربي في ظل عدم وجود أي دعم خارجي من أي جهة، وفي ظل استمرار الحرب بلا أفق للحل ولا الحسم العسكري. يمكن تطبيق ذات الفكرة في رهن إنتاج الذهب أو بيع مربعات ذات إنتاجية عالية.

نحتاج الآن لكثير من الأفكار المبدعة التي يمكن أن تعين وزير المالية في معركة الحرب الاقتصادية التي يديرها حتى الآن بكفاءة عالية.

اترك رد

error: Content is protected !!