الرواية الأولى

نروي لتعرف

ليمانيات / د. إدريس ليمان

هضرَبَة ..!!


إنَّ الذى أحدثته المليشيا الإرهابية ببلادنا ليس مجرد مأساة إنسانية فحسب بل كان إختباراً لوطنية أبنائه ومعرفة المصلح منهم والمفسد .. بل وإختبارٌ لمستقبل العلاقات بين دول القارة الإفريقية بأسرها ، فإمَّا أن تمتلك شجاعة المحاولة لصناعة مستقبلٍ زاهر وتتحرر وتتحمل آلام المخاض لولادة إتحاد حقيقى أكثر تأثيراً وفاعلية ، أو تظل أسيرةً لمنطق القوة الذى يصادر حقوق شعوبها وتكتفى بدور المتفرج بل والمفعول به وفيه ..!! وحسناً فعل برلماننا المنتخب لإستدعائى إلى قُبَّتِه للردِّ على إستفسارات أحد النواب ، فسأحمِلُ أوراقى غداً بمشيئةِ الله وأتوكأُ عصاى وأُيَمِّم وجهى شَطرَ البرلمان ..!! وأسألك بالله أن تُتابع البث المباشر للجلسة لأن رأيك يهمنى جداً ..!! هكذا ظَلَّ صديقى يُحَدِّثُنى بمنتهى الجِدِيَّة وأنا أُصغى إليه بمنتهى الإنتباه .. وفى اليوم الموعود للإنعقاد أخذت قُبَّة البرلمان زُخرُفها وإزِّيَنَتْ وأخذ النواب مواقعهم وبدأت الجلسة بتلاوة آياتٍ من الذِكر الحكيم ومن ثَمَّ وقف معاليه أمام منصة الإستجواب قائلاً :
السيد رئيس مجلس الشعب
السيدات والسادة أعضاء المجلس
يطيبُ لى أن أُحيى جمعكم الكريم فى هذا الصباح المبارك للإجابة على السؤال المقدم من العضو المحترم عن دائرة أم طَرقاً عُراض للإفادة عن ماهية الإجراءات التى إتخذتها الدولة للتعامل مع كل من شارك المليشيا الإرهابية قولاً وفعلاً وموقفاً فى إيذاء أهل السودان وإخراجهم من بيوتهم والعبث بأمنهم ومستقبل أبنائهم لاسيما اللاجئين الذين تأكدت مشاركة أعدادٌ منهم فى القتال المباشر وقتل الأبرياء ..!!
وفى البدء أتقدم بالشكر للعضو المحترم مقدم الإستجواب ويمتد شكرى وتقديرى لكافة أعضاء المجلس الموقر على إهتمامهم بترقية وتطوير الأداء وتسليط الضوء على مثل هذه القضايا الوطنية .
السيد الرئيس
السيدات والسادة
مَنْ جَرَّب الكَّى لا ينسى مواجعه ، وبلادنا لم تكتوى بنيران الغدر بل كادت أن تحترق بها لولا عناية الله ورحمته بنا ، فقد عاش أهل السودان خلال فترة الحرب أهوالاً وأحوالاً من الخوف والجوع وفقدان الأمل ولا يزالون فى بقاعٍ عزيزة من أرض الوطن تحت حصار الظلمة الإرهابيين يأكلون فى التكايا من أيدى الناس وينتظرون العطايا من رب الناس .. وظَنَّ الواهمون الجُدد بهيئتهم السُبحانية ..!! والعابدون لسيدهم القائد أن بوسعهم طمس معالم السودان وتذويب أهله فى أهوائهم ومطامعهم ، وإنشاء دولتهم المزعومة ..!! وظَلَّوا يفتلون حبال مقتلتهم ويَحِدُّون شفرات ذبحهم ويهيئون أنفسهم للفناء دون وعىٍ منهم فالمعركة الفاصلة التى ستقتلعهم من أرض السودان تنتظرهم فى أدنى الأرض عند مغرب الشمس بتوقيت دار أندوكة ..!!
السيد الرئيس
السيدات والسادة أعضاء المجلس
نعم إن هذه الحرب أخرجت أضغان من كُنَّا نَظُنَّهم إخوةٌ لنا فى الإنسانية فآويناهم من الضياع وأطعمناهم من الجوع وأمَّناهم من الخوف فإستبدلوا الذى هو أدنى بالذي هو خير ، فنسجوا خيوط التآمر التى هى أهون من خيط العنكبوت وجعلوا من المجتمع الذى آواهم سلعة تُعرض فى سوق المليشيا الرخيصة والكاسدة حينما خبت عين الرقابة وإرتخت حبال الأمن فما أبأس البائع وما أتعس المشتري ..!! ورغم كل ذلك سادتى النواب إن الدولة كانت واعية لما يُحاك لها فى الخفاءِ وفى العلن ، وكانت واقفة على كل التدبير فى دهاليز التضليل ، ولم تَغُضُّ الطرف أو تتواطأ بالصمت على من شارك فى إذلال أهل السودان فبادرت إلى إتخاذ ما يوجبه الواجب من إخضاعٍ لمحاكمات قانونية أمام القضاء ، ومن حملاتٍ لتفريغ العاصمة من كافة أشكال الوجود الأجنبى المخالف للقانون إمَّا بالإبعاد لمن تنطبق عليه شروط الإبعاد ، وإما بالترحيل لمعسكرات اللجوء فى حالة اللاجئين الذين لم تثبت مشاركتهم المليشيا فى القتال وذلك ليتلقوا الرعاية والحماية القانونية بموجب الإتفاقيات الدولية وليس طرداً لهم كما هو رائج فى الوسائط الإعلامية .. فالسودان دولة تحترم تعهداتها الدولية وتلتزم بما وافقت وصادقت عليه من إتفاقيات ومواثيق دولية ، وهذا بالطبع لا يمنعها من إتخاذ التدابير اللازمة لدرء أى خطر على أمنها القومى ولحماية هويتها الوطنية التى لم تكن تكن يوماً قابلة للتمييع أو المساومة من الإختراق .
سيِّدى الرئيس
السيدات والسادة أعضاء المجلس
أريد أن أطمئن العضو المحترم صاحب الإستحواب أن صوت الوطن سيظل أعلى من نقيق الضفادع ، وأنَّ صرامة الدولة ستظل أمضى من السيف ، وأن أمنها خطاً أحمر لن نسمح بتجاوزه ، وأن سيادتها لا تحتمل أنصاف المواقف ، وأنّ هويتها لن تُعلَّق على أبواب الريبة .. !! وفى ذات الوقت سنظل أوفياء لتعهداتنا الدولية ولن نقع فى دائرة الخطأ الجسيم مهما كانت محاولات إستدراجنا إليه ، ومهما كتبت الأقلام المأجورة بأن السودان لا يرعى حقوق اللاجئين كذباً منهم وبهتاناً .. وأسمحوا لى سيِّدى الرئيس وسادتى النواب تبيان بعض الحقائق فى هذا الأمر لتصل للرأى العام ( الداخلى والعالمى ) على السواء :

  • إن السودان من أوائل الدول على مستوى العالم التى أصدرت تشريعات وطنية تتوائم مع إتفاقية جنيڤ لسنة ١٩٥١م وبروتوكولها لسنة ١٩٦٧م .. ( قانون تنظيم اللجوء السودانى فى العام ١٩٧٤م – وتم تعديله فى العام ٢٠١٤م ) فى الوقت الذى أصدرت فيه بعض الدول فى محيطنا الإقليمى قانونها الوطنى بعد نصف قرنٍ من توقيعها ومصادقتها على إتفاقية جنيڤ .
  • لم يُسجل قانون تنظيم اللجوء فى نسختيه الأولى والثانية أى إنحراف ٍ عن الإلتزامات الدولية ، ولم يضع مطلقاً عبء إثبات أعلى على اللاجئين بل كان ولايزال سهلاً ومتوازناً ، ولم يُقوِّض أبداً المبادئ والضمانات الأساسية التى يكفلها القانون الدولى للاجئين .
  • كما أنَّ قانون تنظيم اللجوء السودانى يوافق تماماً كل ما جاء فى العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية ولم يكن يوماً أداةً للإقصاء أو الإبعاد بل كان أداة للحماية والرعاية ، ولم يتعامل مع قضايا اللجوء بإعتبارها ملفاً سياسياً بل أمراً إنسانياً يستحق الإهتمام بإعتبار الحياة الآمنة والكرامة الإنسانية المرجوَّة والمبتغاة .
    سيِّدى الرئيس
    السيدات والسادة
    لا شك أنَّ الخيانة أمرٌ قبيح وتزداد قُبحاً وفجوراً عندما تأتى من أُناسٍ ليسوا من بنى جلدتنا آويناهم عندما أُخرِجوا من ديارهم ، وأمنَّاهم عندما أخافتهم الأحداث فى بلادهم فقابلوا الإحسان بالإساءة والجميل بالنكران وعضَّوا الأيادى التى إمتَدَّتْ إليهم بأنياب الغدر والخيانة وتمادوا فى ذلك أشد التمادى ، فرأيناهم يعملون كأطقم لمدفعية المليشيا الإرهابية يقصفون الأحياء السكنية والأعيان المدنية ، ورأينا قناصتهم يصطادون أبطالنا بكل الجُبن والخِسَّة .. فهؤلاء الخونة الذين ثبتت خيانتهم وتعاملهم مع الإرهابيين وتحالفهم مع القَتَلة لن تغفر لهم الدولة ذلك وستحاسبهم عليه وفق القانون ، ولن ينسى لهم الإنسان السودانى تلك الخيانة .. أمَّا من لم يثبت ضلوعهم ومشاركتهم القتال فمعسكرات اللاجئين أولى بهم وهى موطنهم وموئلهم لحين ميسرة ، وهكذا تفعل الدول المحترمة دون أن يُعدُّ ذلك مساساً بالإلتزامات والتعهدات .
    السيد الرئيس
    السيدات والسادة
    لقد أخذت الدولة السودانية على نفسها عهداً بأن لا تستسلم لمرارة الأحداث وإجترار تفاصيلها المؤلمة والتأسف على ما مضى ، وأن تعمل للإنعتاق والتحرر من آثارها والعمل على إصلاح ما أفسدته المليشيا الأرهابية واللحاق بركب المستقبل .
    فى الختام لا يسعنا إلاّ أن نجدد لكم الشكر سيدى الرئيس ولمجلسكم الموقر وللعضو المحترم الذى أتاح لنا هذه الفرصة للتواصل معكم وإحاطة مجلسكم حول موضوع الإستجواب آملين أن نكون قد أجبنا على سؤاله ونثق بأنكم ستكونون خير عونٍ لنا لما بدأناه من إصلاح .. وفقنا الله وإياكم لما فيه خير البلاد والعباد والسلام عليكم ورحمة الله .
    وعندما مددت يدى لأقفل التلفاز صحوت على صوت الممرضة وهى تتلقف يدى بحثاً عن وريد تغرس فيه إبرتها وتقول : ( الدكتور كتب ليك مسكن للألم وزاد جرعة محلول البنادول عشان ترتاح شوية لأنه ليك ساعة قاعد تهضرب ..!! )
    حفظ الله بلادنا وأهلها من كل سوء ومن الضَنَك معيشةً وحُمَّى ..!!
    ✍🏼 لواء شرطة (م) :
    د . إدريس عبدالله ليمان
    السبت ٤ أكتوبر ٢٠٢٥م

اترك رد

error: Content is protected !!