بخاري بشير
كنت اتمني أن لا تغيب ابدا رؤية ونظرة (الوفد المفاوض) الذي يجلس الآن في جدة، عن الموقف السوداني العام.. وقد بدأ الوفد بالفعل في تفحص المواقف التفاوضية ووزنها وتقييمها، مع وفد المليشيا المتمردة المرتزقة.
والموقف السوداني العام الذي أعنيه ، هو الرأي السالب جدا، والغالب جدا لدي كل السودانيين، والذي تشكل تجاه المليشيا خلال الستة شهور ونصف من عمر هذه الحرب.. الدعم السريع منذ اسبوع الحرب الاول وجه أسلحته تجاه المواطن السوداني، ومارس معه ابشع (حملة إذلال) تشهدها حرب في كل العالم.. لدرجة أنني أشك أن هذه الحملة من الفظاعات والانتهاكات تجاوزت ما يفعله جيش الاحتلال الصهيوني المغتصب نفسه لأبناء فلسطين.. وما يتعجب له المرء أن هؤلاء يدعون أنهم سودانيون، والسودان منهم براء، والاكثر غرابة أن أي واحد منهم عند تصويره لاي فيديو ، يقول بملء فيه أننا مع الشعب السوداني وجئنا لحمايته وحفظ عرضه وماله وممتلكاته، ولا استثني في ذلك أحد من المليشيا، هذا خطابهم من اصغر جندي حتي خطاب عبدالرحيم دقلو بالأمس في نيالا، انتهاء بخطابات عراب المليشيا المختفي لما يقارب الستة أشهر حميدتي.. كلهم يدعي أنه جاء لحماية الشعب، وهم أكثر بطشا بالشعب، ومارسوا في اذلاله كل ما تعلموه من فنون القتال والفظاعة والجرائم.
اقول للوفد السوداني المفاوض، لا تساوموا في حق المواطن البرئ، هذا الشعب الذي نهبت منازله وتم احتلالها، ودمرت مكتسباته، واغتصبت ماجداته، وقد مارست المليشيا علي (كرام السودانيين) ابشع ما يمكن أن يوصف من جرائم.. لا فرق بين احد، كل الشعب في نظر المليشيا سواء.. وأكاد أجزم أنه لم يعد هناك بيت في الخرطوم، أو دكان، أو مصنع، أو مزرعة، أو سوق، أو مدرسة أو جامعة أو بنك او مشفي او نادي أو مجمع تجاري أو محطة وقود أو .. أو .. وكل ما يقع في ناظريك من مظاهر الحياة إلا وقد تدمر تماما بايدي هؤلاء المجرمين القتلة.
بعض لقطات الفيديو ، التي تجود بها الميديا، والتي تم تصويرها بجوالات مواطنين، أو عناصر المليشيا ذاتها، والتي صورت ما حاق بالخرطوم، في احيائها ومتاجرها وأسواقها (العربي منها والافرنجي)، هذه الفيديوهات تظل اكبر (شاهد اتهام) لما قامت به المليشيا، في ولاية الخرطوم، تدمير ممنهج وسرقة لكل الموجودات والمنقولات، لدرجة أنك تجزم أن الخرطوم تحتاج لسنوات لتتعافي من هذا الدمار والخراب.. ولن يصدق أحد أن توقف الحرب وحده سيعيد مواطني الخرطوم الي بيوتهم، لان واقع الحال يقول إن الخرطوم تحتاج لتصبح صالحة للحياة ربما لستة شهور او لعام كامل.. وذلك بعد توقف آخر رصاصة في هذه الحرب.. والسبب ما فعلته فيها المليشيا، وما آل إليها حالها بعد خراب ودمار مدروس .. أيضا ما أصابها في بيئتها من تناثر الجثث، ودفنها بلا قوانين، وأخري تركت بالعراء، وما أصاب كلابها الضالة من أوبئة لأنها شبعت من كل هذه الدماء..
هذه هي الخرطوم التي نريدها حاضرة في مفاوضات جدة، ونريدها حاضرة في ذهن مفاوضي الجيش السوداني.. دون إغفال لما فعلته المليشيا لأهلنا في دارفور، منذ أن بدأ القتال في نيالا، ثم انتقاله للجنينة والفاشر، وعودته ثانية الي نيالا، وما اقترفته ايدي (عربان الشتات) من قتل وسحل في المدن والقري والفرقان.
كل ذلك نريده حاضرا في دفاتر الوفد المفاوض، الذي يجب أن يركز في كيف يكون تعويض هؤلاء الأبرياء وجبر ضررهم، وان لا يكون هناك مجرد تفكير يعيد المليشيا ومجرميها الي المشهد السوداني.. لا نريدهم من جديد في هذا السودان الذي دمروه وأذاقوا شعبه اذلالا لم يره حتي من المستعمر الانجليزي في سنوات الظلام من التأريخ.
فهل يفهم وفدنا المفاوض هذه الأحاسيس والمشاعر، وهل يستحضر موقف السودانيين.؟؟؟