ليمانيات / د. إدريس ليمان

مِنْ أجلِ بلادى ..!!

هل سَنُقطِع القضايا المصيرية الكُبرى حيِّزَاً مناسباً من إهتماماتنا أم سَنغرَق فى تفاصيل الأحداث اليومية التى نعيشها همَّاً ومكابدة ويوميَّات معركة الكرامة ..!!؟ هكذا تساءل مُحدِّثى ونحن نُناقش الشأن العام ببلادنا .. فرددتُ عليه بسؤال : هل سنتمكَّنْ من النظر فى الأُفق الفسيح لنستشرف الخطر القادم ونحتاط له أم سنكون كمن يمشى مُكبَّاً على وجهه لاقدَّر والقوَادم كُثر..!!؟ فالحكومة الضِرار التى تنوى بعض القوى السياسية تكوينها خطرٌ قادم .. !! وما يُحيكه بعض القادة الأفارقة ضد بلادنا برعاية الكفيل خطرٌ قادم .. !! وغيرها وغيرها من الإخطار التى تحدق بنا وتُحيط بمعاصمنا .. !! أم سنظل أسرى معركتنا الوجودية ونؤجل معاركنا المصيرية الأخرى التى لاتقل كرامة عن معركة الكرامة ..!!؟ فسيادتنا الوطنية التى تُعد خط الدفاع الأول أمام محاولات الإختراق الخارجى على المحك الآن .. فهى ليست مجرد مفهوم نظرى بل تمثل إلتزاماً وطنياً جماعياً على إستقلالية القرار السياسى وحماية المصالح الوطنية .. فلاشئ الآن يستحق مِنَّا التأييد المطلق إلاَّها ، ولا شئ يستحق التنديد المطلق إلاَّ المساس بها ..!! ومن أجل ذلك تحتاج بلادنا لعقد ٍ سياسى جديد يُعَزُّز دولة المؤسسات ويوسع دائرة المشتركات ، ويُنهى محاولات الإحتكار أو التَغَوُّل السياسى الذى أطلّ برأسه بكل إنتهازيَّة وإعادة تشكيل الدولة بعد النجاح فى إمتحان الأهلية السياسية بمعايير الأمانة والثقة والكفاءة والمصداقية ، والتفوق فى إمتحان الوطنية بكل معاييرها الأخلاقية .. فبلادنا عالية الخصوبة السياسية ولاتعانى عُقماً سياسياً على الإطلاق فأرحام نسائه الطاهرات ظَلَّت تدفع بمن يستطيع أن يواصل المسار ويقود السفينة إلى بر الأمان ولكنها لم تُحسن تأديبهم وتربيتهم فكان العقوق الوطنى الذى رأيناه من كثيرين ..!! فرد علىَّ مُحدِّثى قائلاً أوافقك الرأى وأزيدك قولاً بأنَّ نسيجنا الإجتماعى فى حقيقته بالغ الهشاشة رغم ظاهره المتماسك ، وأنَّ بلادنا مسكونة بأوجاع داخلية مزمنة ومحفوفة بأخطار إقليمية ودولية .. وأنَّنى أخشى أن يقع حكامنا فى الفخاخ التى يُستَدرجوا إليها ..!! فما هو الخروج من هذا الوضع المأزموم فى تقديرك ..!!؟ فقلتُ له إن بلادنا قد ولغت فيها كلاب المليشيا وأحالت نهار أهلها ليلاً مُظلماً حالك السواد ، وأنَّ الملعب السياسى والأمنى قد علقت به الطفيليات والأدران ( والحسكنيت ) وإمتلأ بالأفاعى الجنيدية المُجلجُلة وتلك التى تَمُجُّ سُمَّها آناء الليل وأطراف النهار .. والحمدلله أن قيَّض لنا رجالاً أبطالاً من قواتنا المسلحة وأجهزتنا الأمنية ومن معهما لتنظيفه وتطهيره من تلك ( العوالق ) وأولئك ( العواليق ) .. وبعد تهيأة الملعب فليتنافس المتنافسون فى مضمار السباق السياسى النظيف دون مشاكسة أو تخوين .. فالأهداف النبيلة تحتاج لوسائل نبيلة ولوعى حقيقى لضرورة الإختلاف على أسس حضارية تقى الجميع من عمى الألوان الذى يُحوِّل الإختلاف فى الرؤى والمواقف إلى صراعات شخصية مزمنة ، وأن يَدخُلَ كل الفرقاء إلى مضمار العمل العام من أبوابٍ متفرقة وهم يحملون نفس الهَمَّ كما دخل إخوة يوسف عليه السلام وأن يتجهوا إلى نفس الهدف من أجل مصلحة السودان والأجيال القادمة .. وعلى حكامنا أن يكونوا أكثر حزماً ولايغتروا بطعم العسل كالنملةُ التى إستمرأته فوقعت فيه ولم تجد من فكاكاً ..!! ولابدفء الماء الذى إستكانت له الضفدعة وحين إشتدَّت حرارته كانت قواها قد خارت فلم تستطيع منه خلاصاً .. !! وعليهم أن يكونوا أكثر وعياً للإستعانة بالصادقين المخلصين وما أكثرهم ..!! فحتى الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم تم تأييدهم بنصر الله وبالمؤمنين .. !! نعم أنّ حُكَّامنا لايملكون خَاتمَ المُنَى ولكنهم يملكون اليَّد التى تبنى إن كانوا صادقين فى نيَّتِهم لايستبدُّون برأيهم .. فالعقد الإجتماعى بينهم وبين أهل السودان هو عقد خدمة لا عقد تَسَلُّط فعليهم العمل وفق قِيَم الوطنية ومقتضيات العقد الإجتماعى لا بما تُمليه عليهم هواجس الرغبة والرهبة .. فهنالك مجتمعاتٍ ودول إستطاعت أن تحقق معجزات تنموية ونحن فى حاجة إلى أن نتعلم منها فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها .. !! فلابد إذن من معركةٍ أخرى للتغيير المجتمعى الحقيقى ( وهى أُمَّ المعارك وأصعبها على الإطلاق التى يمكن أن تخوضها أُمَّة تُريد للذهاب ببلدها نحو المستقبل المشرق ) وإعادة تشكيل المواقف الذهنية بعيداً عن منصات التواصل الإجتماعى التى تعِجُّ بالمحللين الذين يفتقدون فى كثيرٍ من الأحيان للخبرة السياسية والتجارب اللازمة لتقييم أداء الدولة المُختَّل فى بعض جوانبه ، وأصبحت فضاءات رحبة للناس للتفاعل والنقاش .. للدرجة التى أصبحت فيه الدولة تتراجع عن بعض القرارات مما يُشى بالإرتباك والرضوخ لأسراب الحسان من ( اللايكات ) والتعليقات غير المنضبطة .. فالإنسياق وراء التريندات يتنافى مع جدول أعمال الدولة المزدحم بالتحديات والمسئوليات أو هكذا يُخَيَّلُ إلىَّ .. !!
إن حكامنا اليوم أمام إمتحان عسير يتمثل فى كيفية تقليص الهوَّة بين الوعد والإنجاز ..!! فكل المطلوب من أهل السودان إعانتهم على مانُريد ونبتغى ، ومؤازرتهم فيما هو صواب بصدقٍ وأمانة دون أن نؤلههم ، ومواجهتهم بما هو خطأ بصدقٍ وموضوعية دون أن نُشيطنهم .. وأن نحكم عليهم بمواقفهم ونحاسبهم عليها إن لم تخضع لميزان المصلحة أو لم تستضئ بنور العقل .. وكل ذلك من أجل السودان الذى نُريد .
وحفظ الله بلادنا وأهلها من كل سوء .
✍🏼 لواء شرطة (م) :
د . إدريس عبدالله ليمان
السبت ١٥ فبراير ٢٠٢٥م

اترك رد

error: Content is protected !!