عادل الباز
1
هب أن الإطاري لم يَطِر رغم عواره وكل شيء قيل عنه، ولنفترض أن أطراف مايُسمى بالعملية السياسية قد سارعت بالتوقيع عليه وتكونت بناءا على ذلك هياكل السلطة الجديدة، وبدأت الحكومة المنبثقة عن الإتفاق في مزاولة أعمالها فوراً. معلوم أن الإتفاق هو مجموعة من البنود والإلتزامات جرى التوافق عليها وتنتظر التنفيذ، ومعلوم أيضاً أنه بموجب الإتفاق فإن العسكر الطرف الثاني سيعودون إلى الثكنات ويتركون أمر تنفيذ ماتم الإتفاق عليه للحكومة المدنية التي ستشكلها الأطراف الموقعة على الإتفاق النهائي. في هذه الحالة مَن يضمن تنفيذ الإتفاق كما أتفق عليه نصاً وروحاً ؟.
2
بإمكان الحكومة القادمة تنفيذ ما تشاء أو أن تمتنع عن تنفيذ أي بند من بنود الإتفاق أو تعدله بحسب ما تقرره المؤسسات التي تنشئها السلطة الجديدة (المجلس التشريعي) فماهي الضمانات التى تمنع الحكومة من خرق الاتفاق او العصف به تماما، مثلاً إذا قررت الحكومة عبر برلمانها الجديد تمديد الفترة الانتقالية إلى عشر سنوات والإتفاق الإطاري قد حدد سنتان فماذا سيحدث وقتها، مَن الذى سيُلزم الحكومة بالإلتزام بما اتفق عليه؟…أو أن يرفض المجلس التشريعي الملاحق السرية للإتفاق والمخبأة في الأدراج بحسب نائب الرئيس، من جانب آخر إذا رفض المجلس التشريعي القادم موضوع الحصانة القانونية التي منحتها قوى الحرية والتغيير للعساكر. ماذا سيحدث؟ .
العسكر أو الجيش يفترض أنهم انسحبوا ففي حالة عدم التزام الحكومة المدنية بنصوص الإتفاق هل يحتمل أن يمارسوا ضغوطا لإجبار الحكومة بالإلتزام بنصوص الإتفاق، وإذا لم تفعل فما هو الموقف ؟ سيكون أمام العسكر خيارين إما أن يرضوا بالأمر الواقع ويقبلوا انتهاك الإتفاقية أو أن يسعوا لإجبار الحكومة بالقوة بالإلتزام بها.. عبر انقلاب ثانٍ وهي خيارات مُرة قد تفجر الساحة وتخلق أزمات جديدة.
في زاوية أخرى، قوى الحرية والتغيير، 3 طويلة، وباقي الموقعين إذا حدث خلاف داخلي ورأت فئة أو أحزاب موقعة على الإتفاق تغيير رأيها في بنوده أو الإطاحة به كلياً بواسطة المجلس التشريعي، فما هي السلطة العليا التي ستحسم الجدل حول الإلتزام بالنصوص المتفق عليها بشكل جماعي، بمعنى هل للموقعين مجلس أو مطبخ معتمد لإصدار القرارات، وقراراته ملزمة لكافة الأطراف الموقعة أم القصة ستكون جبانة هياصة وما أن يتم الاستيلاء على السلطة عبر الإتفاق سيسعى كل حزب لتنفيذ أجندته دون الإلتزام بما تم الاتفاق عليه؟.
3
يطرح السؤال نفسه حول موقف العسكر، ماذا إذا لم يلتزم العسكر بما وقعوا عليه في الإتفاقية النهائية… مثلاً إذا رفض العسكر الإلتزام بحدودهم بعدم التدخل في الشأن المدني وواصلوا خرمجتهم في السياسة الخارجية وظلت وفودهم تجوب العالم من إسرائيل حتى انجمينا وروسيا وبالعكس، أو أنهم رفضوا تسليم شركاتهم للحكومة المدنية… ماذا سيحدث وقتها؟ كيف ستستطيع الحكومة المدنية إجبار العسكر على الإلتزام…. هل ستلجأ إلى الشارع؟ أم للمجتمع الدولي؟ لا أعرف ماذا ستفعل. أخشى أن يخرج أحد المتنطعين ليقول ستلجأ للشعب، وهذا إتفاق (يحرسه الشعب)،والشعب الان اغلبه ضده.. ماعدا 3 طويلة و3 من أحزاب الفلول!. لا أحد مستعد أن يحرس جثة.!!.
4
طيب من سيضمن تنفيذ الإتفاق.. لننظر فى قائمة الضامنين المحتملين:
المجتمع الدولي يفترض أن يكون ضامناً للإتفاقية، ولكن وبما أن المجتمع الدولي نفسه منحاز للحكومة المدنية فلن يكون نزيهاً في إلزام الحكومة بالتقيد بما نص عليه الإتفاق ولنا في اتفاقية نيفاشا أسوة سيئة، إذ وقع على الإتفاقية أكثر من ثلاثة عشر وزير خارجية وكل الأمم المتحدة وكل المجتمع الدولي ولكن ماذا حدث في سنوات التنفيذ؟، عبث الجميع بالإتفاقية ولم يلتزم طرفاها بما تم التوقيع عليه وظل المجتمع الدولي المنحاز للحركة الشعبية متفرجاً حتى حدث ما حدث وانفصل الجنوب وبقيت الجيوش التي يفترض أن تدمج كما هي وتحولت لاحقاً لعصابات تمرد جديدة في النيل الأزرق وجبال النوبة. لا أحد يثق في ضمانات المجتمع الدولي فهو عاجز عن فعل أي شيئ.
5
عموماً صعب أن نتحدث عن ضمانات مطلقة في السياسة ولكن يمكن الحديث عن الإلتزام الأخلاقي، وهذه صعبة في ظل تجربة الوثيقة الدستورية التي زوروها وانتهكوها قبل أن يجف حبرها، ومعلوم قصص الإلتزام بالعهود والمواثيق في تاريخ السودان الحديث، متع الله أبيل ألير بالصحة والعافية.
يمكن أيضاً أن يكون المجتمع الدولي ضامناً معتمداً كما كان في إتفاقية دايتون الخاصة بيوغسلافيا ولكن التجربة التاريخية عندنا أثبتت عكس ذلك لا فائدة من تجربة المجرب. خلاصة القول أن هذا إتفاق بلا ضمانات وليس لديّ أمل أن تلتزم الأطراف بما أتفق عليه لأن مصالحها تتناقض جوهرياً وهي نفسها داخلياً منقسمة ومضطربة، ولذا ستستمر حالة الشد والجذب في الفترة الانتقالية القادمة مما يجعل الحلم بالاستقرار بعيدا وبلا أساس موضوعي.