الرواية الأولى

نروي لتعرف

الرواية الأولى / مجدي عبدالعزيز

ميلاد مدني في الخرطوم المحررة

مجدي عبدالعزيز

▪️اليوم ليس يومًا عاديًا في تاريخ هذه التحولات الكبري التي تحدث الان في بلادنا . اليوم عاد قلب الوطن، الخرطوم، ليخفق من جديد وهي تحتضن أول اجتماع لمجلس وزراء حكومة الأمل برئاسة د. كامل إدريس بعد إكتمالها ، لم يكن المشهد مجرد جلسة وزارية خلف أبواب مغلقة، بل كان إعلانًا صريحًا بأن الخرطوم التي حاول الأعداء إسكاتها، عادت لتتكلم باسم الوطن كله، وعاد نبضها ليقول للعالم: السودان باقٍ، والسودان أقوى.

▪️إنّ انعقاد المجلس الوزاري وسط الخرطوم المحررة يرمز إلى انتصار الإرادة الشعبية والعسكرية معًا. فهو دليل على أن المعركة لم تكن فقط معركة بنادق ودبابات، بل كانت أيضًا معركة وعي وإرادة، معركة حياة أو موت. وحين يجلس الوزراء المدنيون – من خيرة الكفاءات الوطنية المستقلة – حول طاولة واحدة ليضعوا خطط إعادة البناء، فإنهم يفتحون نافذة أمل في قلب الخراب، ويزرعون غدًا جديدًا في تربةٍ سقتها دماء الشهداء وتضحيات الجيش والشعب.

▪️لقد أراد الأعداء – من مليشيا مأجورة وداعميها من الطامعين – أن يكون السودان جثة هامدة تُدار من الخارج، لكن جيشنا القومي بقيادته الواعية أبى إلا أن يعيد صياغة المشهد. فأمسك بالبندقية ليحمي الأرض والعرض، وفي الوقت ذاته مهّد الطريق لحكومة مدنية حقيقية تقود التنمية وتبني المؤسسات. هذه ليست معادلة مستحيلة، بل هي جوهر فكرة الدولة السودانية الجديدة: جيش يحمي، ومدنيون يبنون.

▪️والأمل لا يتوقف عند مجلس الوزراء. فالغد القريب سيشهد خطوة نوعية بإضافة أعضاء مدنيين إلى مجلس السيادة الانتقالي، لتكتمل الصورة أكثر فأكثر، ويترسخ مبدأ أن السودان يسير بخطى ثابتة نحو مدنية الدولة، لا كشعار للاستهلاك، بل كحقيقة تُصاغ على أرض الواقع وسط المعركة ذاتها.

▪️هذه هي عظمة اللحظة: أن يكون الوطن في حرب بقاء، ومع ذلك يزرع بذور دولة مدنية حديثة. أن تتصدى القوات المسلحة لأطماع الخارج، بينما يشرع الوزراء في إعادة فتح المدارس والمستشفيات والكهرباء والمياه. وان يتحقق الهدف الاسمي في المصالحات الأهلية وتقوية نسيج المجتمع .. حتي يصير الاتجاه واحد – نحو الكرامة والاستقرار والنهضة.

▪️وهذه المرحلة التي نعيشها اليوم ستقود – بحتمية التاريخ – إلى بناء ديمقراطي حقيقي يقوم على التداول السلمي للسلطة بين القوى السياسية الوطنية. فالحرب لم تترك مجالًا للأوهام ولا للانتماءات الزائفة التي كانت أسيرة الذاتية الحزبية أو الشخصية، أو التي ارتبطت ببعض النخب العميلة للخارج. لقد جاء قدر زلزال الحرب ليهدم كل البُنى الواهية، وليدفع الأحزاب والقوى الوطنية إلى مراجعات عميقة ومستحقة، حتى تنهض من جديد على أساس القضية الوطنية وحدها، لا غيرها.

▪️السودان اليوم يقول للعالم: لسنا ضعفاء ولا مكسورين. نحن نصنع مستقبلنا بدماء شهدائنا، وبإرادة جيشنا، وبوعي مدنيينا. ولسوف يخرج السودان من هذه الحرب أكثر قوة، وأكثر مدنية حقيقية ، وأكثر قدرة على أن يكون وطنًا بالفعل لكل أبنائه، ورسول سلام وتعاون لجيرانه والعالم.

رئيس تحرير “الرواية الأولى”

اترك رد

error: Content is protected !!