فيما أرى / عادل الباز

من بدوي إلى رئيس.. قراءة في سيرة كاكا (1)

عادل الباز


1
منذ رحيل دكتور عبد الله حمدنا إلى جنة عرضها السموات والأرض بإذن الله، ضعفت متابعتي للشأن التشادي إذ كان د.عبد الله الرجل الموسوعة في الشأن التشادي تاريخاً وحاضراً هو الذي كنا نستقي منه معلوماتنا حول تفاصيل الحياة التشادية الزاخرة بالصراعات والضاجة بالحياة المتنوعة. بعد اندلاع الحرب رأينا على وهجها كيف انقلبت تلك الدولة الشقيقة والجارة التي تربطنا بها وشائج عميقة لعدو يفتح أراضيه للمتآمرين على السودان ويتخذونها منطلقاً للعدوان عليه. أعادت تلك الحرب تركيزنا على تشاد ومايجري فيها.
بتاريخ الخميس 4 أبريل استوقفني حدث مهم وهو تدشين الرئيس التشادي كتاب بعنوان (من بدوي إلى رئيس) باللغة الفرنسية يتكون الكتاب من 153 صفحة تحدث فيه عن سيرته الذاتية ونشأته ومسيرته المهنية داخل القوات المسلحة التشادية وعلاقاته مع أسرته والصراعات داخل الأسرة الحاكمة بما فيهم والده نفسه، وتطرق كذلك لتحديات المرحلة الانتقالية.
حصلت على ترجمة للكتاب بعد جهد وخلال ساعة أكملت قراءة ملخص الكتاب ووجدت فيه متعة وفائدة وأضاء لي الكتاب جانباً من الأحداث التي شهدتها تشاد وجوانب من شخصية كاكا العجيبة خلفيات دعمه للجنجويد حالياً، وتأملت في أكاذيب الرئيس التي حشدها تجاه السودان لتبرير عمالته للإمارات.
سأبدأ استعراض الكتاب والتعليق عليه بحكاية ثلاثة قصص رواها كاكا في الكتاب.
2
القصة الأولى طريفة رواها الرئيس كاكا نفسه وتوضح الكيفية التي تتعامل بها الأنظمة الفاسدة مع الفساد وبطلها السكرتير الخاص للرئيس كاكا يوسف بوي الذي شغل مناصب رفيعة بالدولة منها مديراً لجهاز المخابرات العسكرية، منصب القنصل العام لتشاد في دوالا العاصمة الاقتصادية الكاميرونية وغيرها وتمت إقالته من قبل بسبب تهمة تهريب المخدرات ورغم ذلك عينه كاكا صديقه في منصب السكرتير الخاص فماذا فعل بوي؟
يروى الرئيس كاكا بنفسه قائلاً (لقد كثر الحديث عن قضية إدريس يوسف بوي. إنه صديق الطفولة الذي يرافقني في كل مكان، في الأوقات الصعبة وفي لحظات الفرح. لهذا السبب عينته سكرتيراً خاصاً للرئاسة بمجرد تولي منصبي، لأنني كنت أعلم أنه يمكنني الاعتماد عليه.
لسوء الحظ، ارتكب إدريس خطأ، واختلس مليارات الفرنكات من SHT2. علمت بالخبر أثناء زيارتي لشمال البلاد “كوري بقودي”. وقد صدمني فعلاً. وبعد العودة إلى أنجمينا طلبت إدريس إلى مكتبي وسألته:
“هل اختلست أموال الدولة من SHT2

وبعد صمت طويل “قال نعم”.

كان يعلم أنني أعرف الأمر، لذلك لم يحاول النفي واعترف سريعاً، وأكد أن المبلغ حوالي ثلاثة عشر مليارا، كما أفصح عن اسم شريكه ودوره في العملية.

هذا الأمر ليس خيانة شخصية أو طموحاً، بل مجرد إغراء جشع. ما يعني أن إدريس لا يحاول أن يؤذيني. تم القبض عليه متلبساً واعترف على الفور. هذا الفعل يؤثر علي بشكل كبير. لقد كان شخصاً كنت اعتمدت عليه كثيراً ووثقت به.

بناء على هذه الإفادة فالسيد بوي اعترف بأنه اختلس أموال الدولة ولأنه صديق الرئيس ولأنه بسرقته تلك لم يحاول أن يوذيه فلقد عفا عنه وعينه في عدة مناصب متنقلاً ثم مترقياً إلى منصب أهم رجل في الدولة الآن سكرتيره الخاص.. ومسموح في عرف كاكا أن تؤذي الدولة وليس الرئيس.!!. هكذا تسامح الرئيس كاكا مع يوسف بوي وأبقاه إلى جانبه مبرراً أن دوافع فساده ليس لها علاقة بخيانته بينما لم يتسامح مع الفساد الأخلاقي الشخصي لوزير الدفاع السابق داؤود يحي إبراهيم والذي يعتبر فساده شخصياً.
نواصل قصص كتاب كاكا

اترك رد

error: Content is protected !!