الرواية الأولى

نروي لتعرف

ليمانيات / د. إدريس ليمان

من الأمس القريب ..!!

من المعلوم بداهةً أن هيبة الدولة لا تُنتقص فجأة على حين غِرَّة بل تكون لأفعال وسلوكيات تراكمية .. فبعد التغيير الذى حدث فى أبريل ٢٠١٩م وأطاح بنظام الإنقاذ بدأ الشباب فى ظل حالة الهياج الثورى التى إستمرت طويلاً بتجاوز كل الخطوط الحمراء تخريباً للمنشآت العامة وإتلافاً لأعمدة الإنارة وإعتداءً على أقسام الشرطة بالمولوتوف وتتريساً للطرقات بعد إتلافها ، ومنع الناس من الذهاب إلى أعمالهم ومدارسهم أو العودة إلى منازلهم .. فكم من إمرأة وضعت مولودها فى الطريق وكم من مريض مات وهو الطريق بعد أن تعذر عليهم الوصول إلى المستشفيات ، وكم من مسافر لم يلحق برحلته وكم من مقيم سقطت إقامته ( بأمر الثوار ) .. حقاً كانت أيام تعيسة وضِعتْ فيها الشرطة أمام تلك المواجهات الدامية ودفعت أثماناً غالية دماءً وإعاقات كثيرة .. !! وأمام تلك الفوضى فقد أهل السودان الشعور بهيبة دولتهم وهم يرونها تترنح أمام الصغار من الصبية الذين تجرأوا عليها بتحريض ممن يفترض فيهم أنهم من الكبار .. وفقدوا الأمل وهم يرون قادة البلاد يُعالجون تلك الفوضى بالمهدئات السياسية التى كانت سبباً لضياع هيبتها وكادت أن تكون سبباً لضياع الدولة نفسها ..!! وإختلطت الأوراق فى أذهان الشباب الذى لم يستوعب ذهاب الإنقاذ بهذه السهولة وكان يظن أن إسقاطها دونه بَحرٌ من الدماء .. وأضحى الوطن ممزقاً حينها بين عدم التصديق والإستمرار فى رقصات الهياج .. وبين عجز القادم الجديد إلى أروقة السلطة والحكم عن كيفية إدارة الدولة بإتباع سلوك مدنى يضمن إستقرار البلد ويؤسس للعدالة الإجتماعية ويوفر مظلة الديموقراطية لدوام الدولة ..
ومنذ ذلك التأريخ ( ٣٠ يونيو ٢٠٢٠م ) وما قبله بأشهر حدثت تغييرات مفصلية فى جسد الدولة والمجتمع على السواء ولم تتوقف الفوضى الأمنية والسياسية إلى أن أفضت بنا إلى الحرب المدمرة التى إنتصرت فيها الدولة بفضل الله ومن ثم ببسالة وبطولة المؤسسة العسكرية والأمنية وبدعم جميع أهل السودان .. ولاشك أن الجميع قد إستوعب تلك الدروس القاسية والمريرة خلال الست سنوات التى شكلت المرحلة الإبتدائية من عمر الفترة الإنتقالية .. وأهم ما تعلمه أهل السودان أن هيبة الدولة لايمكن أن تقوم أو ترسخ إلاّ فى ظل فاعلية القانون المطلقة بإحترام جزئياته وكُلُيَّاته ، ومن ثم تكون قادرة على توفير العدالة بوثوق وجرأة وفعالية بعيداً عن منطق إزدواجية المعايير .. ولابد لدولة القانون أن تكون حازمة تجاه كل من يتجاوز القواعد المنظمة لشؤونها ، وكل من يتجاوز الخطوط الحمراء للأمن الداخلى والأمن القومى على السواء ..

وبهذه المناسبة أعيد المقال أدناه والذى نُشِر بتأريخ الخميس ٢٥ يونيو ٢٠٢٠م وكُنتُ حينها بالخدمة .

المشهد العام عشية ٣٠ يونيو فى غاية الإرباك للمراقب العادى . فلا أحد يدرى من ضد من ..!!؟ .. ومن مع من ..!!؟ والذى يخافه ويخشاه كل وطنى غيور حادبٌ على مصلحة الوطن ومُشفِقٌ عليه هو تلك البرطعة الدبلوماسية لممثلى بعض الدول دون مراعاةٍ للأعراف الدبلوماسية أو إحترام لسيادة الدولة .. ودونكم إعتصام القيادة قبل عامٍ من الآن والكل يعلم دور بعض السفارات وأجهزتها الإستخبارية وهو أمرٌ ينبغى علينا أن نتنبه له جيداً فالخطب عظيم والأمر جلل .. كما أن المتابع الحاذق للمشهد المختل لايحتاح إلى حدة بَصَر زرقاء اليمامة بل تكفيه البصيرة ولو ( أم حمد ) ليرى الأجسام والحركات المختلفة التى تحمل السلاح والتى تَدَّعى تحرير السودان .. ممن ..!!؟ لا أحد يدرى ..!! وهى تتمنع وتناور دون مسوغ مقنع للرأى العام ودونما سببٍ وجيه وتتهرب من الجنوح للسلام .. وأخشى أن يكون هنالك تنسقياً تحت الطاولة بين تلك الحركات المسلحة وبين تجمع المهنيين ( ذلك الجسم الهلامى ) في الداخل لأجل أن تُحَدَّد ساعة الصفر لإقتحام المدن والعواصم في الولايات الكبرى في دار فور وكردفان وشرق السودان والنيل الأزرق تمهيدا لإعلان إنفصالها وتفكيك البلاد ..!! وأخشى أن يتم كل ذلك تحت المَظَلَّة الدولية وفي تناغم تام وتنسيق متكامل معها .. فالخطب أعظم مما نتصور .. وأجزم أن قادة المؤسسات العسكرية والأمنية يدركون تماماً حجم المؤامرة ومتنبهون لها فالقوى الخارجية التي ترى في السودان وفي شعبه كياناً موحداً بالطبع لاتريده هكذا ، وستسعى لتمزيقه وتقطيع أوصاله حتى يسهل تمرير المخطط الذى تسعى له والذى سيبدأ بالخرطوم حيث الزخم السكاني الكبير وحيث الحِراك الفكري والثقافي والسياسي والأمني وذلك من واقع قراءتى الأمنية للمشهد .. فلوحة الوطن فى مَرسَم الأحداث لم يُستخدم فيها سوى اللون الرمادي إنْ عُدَّ من الألوان ..!! فحدسى يحدثنى أن هنالك ترتيباً يجرى لتغيير الهوية السودانية وترسيماً جديداً للخريطة المستقبلية للسودان يُعَدُّ فى الخفاء ..!! فإن لم ننتبه ونستعد لما نخاف ونحذر فإن الثمن الذى سيُدفع سيكون باهظاً جداً .
( إنتهى المقال القديم )
حفظ الله بلادنا وأهلها من كل سوء .
✍🏼 لواء شرطة (م) :
د . إدريس عبدالله ليمان
الإثنين ٣٠ يونيو ٢٠٢٥م

اترك رد

error: Content is protected !!