
للأحداث الكبرى فى حياة الأمم والشعوب أمارات تَدُّلُ عليها .. وحتى الساعة لاتقوم إلاَّ بعد أن تستوفى علاماتها وأشراطها التى بينتها السُنَّة النبوية المُطَّهَرة .. ومعركة الكرامة لم تَكُنْ بِدعَاّ فقد كان التجنيد الإجبارى لخوض المعركة الخطأ هو عملٌ مقصودٌ لذاته .. فرأينا نزيف الوعى المجتمعى قد أضحى هَشَّاً أمام التدفق المتواصل للإشارات الموجهة بأدوات أكثر دهاءً ومكراً وخُبثاً من المنصاتٍ الإعلامية وشبكات التواصل الإجتماعى لتقديم أفكار هدَّامة مُغلَّفة بأوراق برَّاقة ، وأجندات متدثِّرة بعباءات الحرية والإنفتاح .. رأيناه قد أضحى الخطر الذى ظل يتهدد بلادنا والذى كان يوجُبـ على حُكامنا وحكومتنا إستنفار الطاقات وحشد الجهود لِتَمُرُّ من بوابة الوعى المجتمعى بمهددات الأمن القومى والأمن الداخلى على السواء .. ولكنهم لم يفعلوا حتى كِدنا أن نخسر المعركة الخطأ دون أن نُدرِك جميعاً أنها كانت قائمة .. !! أمَّا وقد ربحنا أنفسنا الأمَّارة بالسوء وإنتصرنا عليها وعلى عدُّونَا وعدّوها فى معركة الكرامة فإنّه ينبغى علينا الإستعداد لمعركةً أخرى أعظم شأناً وأشدّّ خطراً تنتظرنا تتمثل فى معركة الوعى الحقيقى تمهيداً لبناء تنموى شامل أساسه دولة المؤسسات وسيادة القانون وترسيخ مفهوم المواطنة الحَقَّة القائم على العدل والمساواة وبناء جيلٍ جديد مُحصَّن من عدوى تراكمات إرث العمل السياسى البائس ..!! وبالتأكيد أن النُخَب المستنيرة تتحمل مسؤولية عظيمة فى قيادة معركة الوعى المأمولة ( ولا أعنى النُخب السياسية التى أضرَّت بنا وببلادنا بحثاً عن مصالحها وإن كانت بِذِلَّة نفس ..!! ) .. والمقال أدناه الذى كان تحت عنوان ( التجنيد الإجبارى للمعركة الخطأ ) كُتِبَ قبل الحرب بنحو ستة أشهر تقريباً كصيحة مخافة إلاَّ نقع فى الفخ ونخوض المعركة الخطأ ..!! ولكنها وقعت قدراً مقدوراً .. إلاّ أنها تحولت بحول الله وتوفيقه وأضحت المعركة الكاشفة لعوراتنا المجتمعية والسياسية والعسكرية والأمنية وضعف أجهزتنا التنفيذية وحتى العدلية .. وفى ذات الوقت أبانت لنا كم هم نبلاء وشجعان أبناء السودان الذين تصدّوا لآلة البطش بالأبرياء وكتبوا فصولاً باذخة الجمال والثراء القِيَمى فى سِفر البطولة والتضحية والفداء .. ولعل الذى حدث يكون فيه كل الخيرّ وتصحيحٌ للمسير ..!! ( عشان نضبح الكرامة ..!! ) وكل عام وبلادنا وجميع أهلها بألف خير .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لستُ من مُتابعى كُرةَ القدم ولا من عُشَّاقِها ..!! لماذا ..!؟ لستُ أدرى ..!! ولكن أجواؤها الساحرة ونقاشاتها الصاخبة وقفشاتها اللطيفة تأسِِرُنى ، فما لم تُحَقِّقَهُ الجامعة العربية من إتحادٍ وجَمعٍ للصَفِّ حققته الساحرة المستديرة ، فَتَعَالتْ الهتافات بالفرحة وهى ترى المنتخب الأخضر يقهر المنتخب الأرجنتينى فى فاتحة مشاركاته ويُحطِّم صنماً من أصنام كرة القدم كان يظن الناس أنه لايُهزَم .. وإصطفَّت الشعوب الحُرَّة مؤازرةً ومناصرةً للدولة المستضيفة ودوحتها الظليلة وهى تُقدِّم للعالم أجمع صورة مُشرِّفة عن الثقافة العربية والإسلامية رغم محاولات التشويش من بعض دول العالم المصبوغة بألوان الطيف والتى تَدَّعى التَحضُّر وتدعو للسلوك الذى يتنافى والفطرة السَوِيَّة ..!!
وفى الوقت الذى تتبارى دول العالم فيه لتُرِينَا حُسنَها الذى يَأمُرنَا بالتَبَسُّمِ فى غيرِ ما أمرٍ.. !! نتبارى نحن فى أن نُرِيَهُم سوءاتنا وعاصمتنا التى تدثَّرت بالقُبحِ والأذى وفى عينها القَذَى .. والنيلُ يَطرُقُ على أبوابها متوسلاً الاَّ تُبقى من درنها شئ وهى تتمنَّع ولاتفعل ..!!
ليس هذا فحسب بل أنَّ بعض قيمنا المجتمعية أصابها ما أصاب مدينتنا .. حتى القونات أصبحن بديلاً للفخامة والجزالة وفصاحة أهل البادية ولين أهل الحضر بكل رِقّتِها وقيمتها الإنسانية ..!! وقد تنبأ لى ذات مرة أحد البسطاء الذين أُجالسهم دوماً من كبار السن ممن تجرى على ألسنتهم النبوءات أنّ هذا السودان سيظل مستعصياً على التَقَدُّم طالما أن أهله يَحرِقَهم الشوق إلى العَدلِ ويؤرقهم الخوف من العدل ، ويُسعِدهم هذا التصالح مع القُبح القِيَمى .. !! كحال ( المعذبون فى الأرض ) الذين عناهم عميد الأدب العربى ..!! فقلتُ له وما السبيلُ إلى السبيلْ ..!!؟ فقال بأن نُقدِّم ذواتَنا فداءً لمعركة بناء الوطن بدلاً عن هذا التجنيد الإجبارى لهدمه ..!! فمن يخطُبُ الحسناء لم يُغله المَهرُ ..!!
- فما نراه ونسمعه فى الأسافير عن كل ما يدور فى الفضاء العام من عَرضٍ للآلة والقُوَّة العسكرية وحَشدٍ لِلقُوَى البشرية فى مشهدٍ يبعثُ على الإرتياع هو تجنيدٌ إجبارى للمعركة الخطأ .
- وعندما لا يكون لأحدٍ منَّا الإستعداد لأن يرفع لَبِنَةً من أجل الجميع وينتظر أن يخدمه الجميع فإنه تجنيدٌ إجبارى للمعركة الخطأ .
- وعندما يتحلّى المجتمع بثقافة التملق ليجد تيسيراً لأموره أويستجدى حقوقه أيَّاً كانت ويتوسل من أجل أن يحصل عليها فإنه التجنيد الإجبارى للمعركة الخطأ .
- وعندما يُشهِر صاحب الفكر والعلم قلمه لغير مصلحة البلد فهو التجنيد الإجبارى للمعركة الخطأ .
- وعندما نُسئُ لمؤسساتنا العسكرية والأمنية ونصفهم بالوصف غير اللائق وبأقذع العبارات الدِّسيسمانية فأنه التجنيد الإجبارى للمعركة الخطأ .
إنها الحرب التى لا مفر منها يا صديقى والمعركة الخطأ التى تنتظرنا ولستُ أدرى لِمَ لا نتأسى برسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ولنا فيه أسوةً حسنة ونموذجاً قيادياً عظيماً فهو المبعوث رحمةً للعالمين والمبعوث لإتمام مكارم الأخلاق والدين ، فقد زَرَعَ المُثُلَ والأخلاق فى مُجتمعٍ جاهل يفتقر لكل مقومات الحضارة والمدنية .. بل كان يأكل ربَّه حينما يجوع ..!! فأخرجهم من الظلماتِ إلى النور .
حفظ الله بلادنا وأهلها من كل سوء وأدام عليهم نعمة الأمن والأمان .
✍🏼 لواء شرطة (م) :
د . إدريس عبدالله ليمان
الأربعاء ٢٨ مايو ٢٠٢٥م