محمد عبدالقادر يكتب: ابوهريرة حسين .. الذنب لا يُنسى.. والديان لا يموت
ربما جاز لي ان اسمي الراحل الصديق ابوهريرة حسين (مظلوم العهدين)، فقد سجنه بعض اخوانه علي ايام حكم الانقاذ، واعتقله المجلس العسكري بعد الثورة، جميعهم ظلموه بلا ذنب، واذاقوه من علقم الصلف والجبروت كؤوسا مرة كان يتجرعها والابتسامة لا تفارق وجهه البسام الوضاء الذي يشبه ( صبح العيد في الدار الحفية).
قصة ابوهريرة الذي رحل عن دنيانا امس الاول تحكي عن ظلم الانسان لاخيه في اقسي تجلياته، وتفتح في الخاطر جرحا عصيا علي النسيان لشاب منح الوطن والناس كل شئ ولم يحصد سوى اغلال واعتقال اصابه بامراص قادته الي حتفه راضيا مستسلما لقناعة تسكنه بان امر المؤمن كله خير مثلما كان يردد دوما..
عقب التغيير كان المجلس العسكري سباقا لاعتقاله وهو عريس لم يكمل اسبوعه الاول ، دخل سجن كوبر مخضبا بالحناء بينما الايادي الملطخة بالدماء حرة طليقة تتجني علي الحريات وتحاول تكرار ظلمها في كل يوم لابرياء جدد لاحول لهم ولاقوة ، زفته الأقدار من (الصالة الذهبية) مباشرة الي المعتقل دون ذنب جناه، بينما مضت عروسه (ارملته حاليا) قانعة بالمصير في انتظار عودة لم تتحقق الا بعد عامين من الاعتقال وبالصدفة .
بح صوتنا وفشلت مناشداتنا لقيادات المجلس العسكري وحكومة التغيير انذاك ، بصر ابوهريرة يتراجع ، وكليتاه تعانيان الوهن وتقاومان ارتفاع السكر في الجسد النحيل، جرح الساق يشتعل الما ومخاطر علي صحته في كل يوم ، الي ان بعث الله له بالراحلة نجوى قدح الدم والتي راته وهو يتمشي في مستشفي علياء وقد جاءتها مستشفية كذلك، خاطبت نجوي -تقبلها الله- الفريق اول عبدالفتاح البرهان بعد ان استمعت من ابوهريرة لقصته وما حاق به من ظلم ووقفت علي وضعه الصحي المتردي فوجه باطلاق سراحه.
امضي ابوهريرة عامين في (سجن كوبر) دون ان توجه له تهمة او يقدم لمحاكمة، فقد خلال تلكم الفترة ضوء عينه الذي كان يخبو مع مرور الايام فقد رفض السجان سفره لمتابعة علاج بداه في موسكو رغم المناشدات العديدة ، توالت عليه بسبب الاقامة السيئة مضاعفات السكر ، هدت جسده النحيل بعد ان اصيب بجرح غائر في الساق وهو يرتطم ب(منهول) لم يسعفه (النظر الشحيح) لتجاوزه، ومن هنا بدات رحلة المعاناة التي انتهت بالفشل الكلوى.
مازلت اذكر لحظة تسللي خلسة الي الطابق الثالث في مستشفي علياء بام درمان رفقة الزميل رحمة عبد المنعم لحظة سماعي بنقل ابوهريرة حسين لتلقي العلاج في حالة صحية حرجة.
يومها روى لي ابوهريرة ما يشيب له الولدان من حكايات الظلم التي تعرض لها، قال لي كل شئ في سرد حزين لماساة انسانية جعلتني اتساءل من اين يستمد الاشرار كل هذه الطاقة التي تعينهم علي الحاق الاذي بالآخرين، ياله من ظلم لحق بالشاب الودود صاحب السبق في مضمار الاداء الوطني بانجازات سبقت عمره بكثير.
كان اشطر الكوادر الشابة واكثرها قدرة علي العطاء والاختراق والاقناع، خرج من الدنيا بمحبة الناس وقد كان محل اجماع للسودانيين واهل الفن والرياضة الذين لايتفقون علي شئ، كان ابوهريرة ذو همة في التفاني لخدمة الشباب، ومثل ايقونة لانتصارات وطنية كان فيها فارسا واميرا وحكيما وقائدا فذا لايخطئ الهدف ولايعرف المستحيل.
كنت اراه طارئا علي هذه الحياة التي عاشها بقلب طفل، وبضمير حليب، وعلي ما حاق به من ظلم كان يجزل في العفو والصفح علي من ظلموه و لا يحمل الكيد ولا الحقد علي احد.
عاش انسانا نبيلا وعطوفا وفيا وكريما لاتجد منه سوى الكلمة الطيبة والابتسامة والملامح التي تشع ذكاء وحضورا ومودة واطمئنانا..
وليعلم من ظلم ابوهريرة حسين..
ان البِر لا يَبلى, والذنب لا يُنسى, والديان لا يموت, فكُن كما شئت, فكما تَدين تُدان.