للخريف مكانة خاصة فى جميع ربوع السودان من أهله ودَوَابِّه وعصافيره التى تُهاجِر إليه فى ( موسم الشوق الحِلو ) ، ولكنه فى كسلا الوريفة مُلهِمة الشعراء ( قديماً طبعاً ) له إحساسٌ مُختلف ، فأهلها يَتَنَّسمون أريجَهُ وعَبيرَه وزهرَ ريحانه ويترنمون مع ابن زيدون :
وللنّسيم إعتلال فى أصائله كأنّه رقّ لي فأعتلّ إشفاقاً
نلهو بما يَسْتَمِيلُ العين من زَهَرٍ جَالَ النّدى فيه حتى مَالَ أعناقاً *
هكذا كُنَّا وكان السودان ، يسودنا قانون الإيثار الموجِبْ للإيمان ،
وهكذا دأبت الأجيال المتعاقبة على غرس فسائل مكارم الأخلاق وتعهدها بالسقاية والرعاية والحماية ، وهكذا ظلَّ مجتمعنا السودانى يحرص على غرس تعاليم ديننا الحنيف وقيمنا الموروثة والراسخة فى ذاكرة بنيه حتى تلبسوا بها وتدثروا بأخلاقها ، وكانت بمثابة المضادات الحيوية التى تحصنهم وتحميهم .. فماذا جرى للأرضِ حتى تَبَدَّلت بحيثُ إستَوَتْ وديانُها وشِعَافُها ؟ كما يتسائل الشاعر العراقى الكبير عبدالرزاق عبدالواحد ..!!؟ وماذا جرى للأرضِ حتى تلَوّثَتْ إلى حَدِّ فى الأرحام ضَجَّتْ نِطافُها ..!!؟ وماذا جرى للأرضِ كانت عزيزةً فهانَتْ غَواليها ودانَتْ طِرافُها..!!؟ وماذا فعلنا حتى تَظهر لنا دَابَّةَ الأرض المسماة بالدعم السريع والتى هى من نائبات الزمن الردئ .. لِتَعُّضَ الوئام والسلم المُجتمعى بنابَ سوءٍ وتَبُثَّ فيه سمومها القاتلة للأخلاق والمروءة لتأكُلَ منسأة السودان وإسقاط أوتاده المشدودة بالمحبة والمودة ليَخِرَّ جاثياً ( خَابَتْ وخَسِرتْ ) ، فلم يسقط الوطن بل سقطت فى إمتحان الوطنية والديمقراطية التى تَدَّعيها ونجحت بإمتياز فى أعمال الخيانة الوطنية والدقلوقراطية ..!!
وأمام مشهد النصر القادم بإذن الله تعالى ذى الأبعاد المختلفة ، نأمل ونحلم بسودانٍ أفضل يقوده رجالٌ بِيضْ الصحائف لا مَغمَز ولا مطعن فى تأريخهم ووطنيتهم ، كُلُّ ولاءاتهم للوطن .. بقدرات قيادية حقيقية يُعيدون للساحة السياسية بريقها ويمهدّون للإنتخابات والديموقراطية الحَقَّة التى تخلوا من كلاب الحِراسة ، والتى ينتظر الشرطة السودانية أعانها الله بتوفيقٍ منه عمل كبير خلال الفترة القادمة ، فخلايا التمرد ستظل في تربص قائم عبر وكلائهم من المجرمين الهاربين من السجون والخارجين على القانون ولن تنتهى بزوال أولئك البُغاة الأمر الذى يستوجب من الشرطة تعزيز جهودها الأمنية و التأكد من أن إداراتها المختلفة في كامل جاهزيتها اللازمة و الضرورية لتحقيق النجاح في المهام الأمنية التى يأملها المواطن الذى عليه أن يُدرك ان مواجهة الجريمة ليست مسؤولية الأجهزة الامنية فقط بقدر ما هي مسؤولية المجتمع بأسره ، فعليه التحلي بالوعي و الحذر و التبليغ عن أىِّ نشاطٍ يثير الشكوك حفاظاً علي أمن و إستقرار و سلامة الوطن الذى هو أمانة في أعناقنا جميعاً حكاماً ومحكومين .
حفظ الله بلادنا وأهلها من كُلِّ سوء .