قضايا وتقارير وحوارات

مؤشرات التصعيد في البحر الأحمر وتداعياته الاقليمية  والدولية

بسم الله الرحمن الرحيم

مؤشرات  التصعيد في البحر الأحمر وتداعياته الاقليمية  والدولية

فريق حنفي عبد الله افنديمدير مركز السودان لدراسات مكافحة الارهاب

مدخل :

• يظل البحر الأحمر احد الممرات المائية الاستراتيجية , باعتباره أكثر طرق الملاحة البحرية الدولية حيوية , مما جعله  ملفا ساخنا لصراع  القوى الإقليمية، ولما يشكله  بموقعه الجغرافي وسط العالم , أهميةً كبيرة ذات  أبعاد  اقتصادية وأمنية وعسكرية ؛ الأمر الذي يجعل تولد أي صـراعٍ فيه بيئة مواتية للتوتر , تؤثر بشكل مباشر على الأمن والسلم الدوليين .وهذه  الأهمية الجيوسياسية والتاريخية للبحر الأحمر واطلالتها على منطقة القرن الإفريقي والجزيرة العربية ,ليست وليدة اليوم، مع دور تاريخي مؤثر بعدما كانت محطّ أنظار القوى والإمبراطوريات المهيمنة، لأهميتها الاستراتيجية وإطلالتها على طرق التجارة الدولية البرية والبحرية، ومنذ القرن الـ15 ازداد التنافس الغربي على النفوذ بهذه المنطقة، بل تحوَّلَ لصراع في الكثير من الأحيان

• اما “الواقع الراهن” فيحمل مؤشرات دالة على “أهمية وخطورة الأدوار الإقليمية والدولية على  البحر الأحمر كممرمائي استراتيجي , بفعل  كافة المؤشرات والمعطيات للمتغيرات الراهنة في المنطقة، في ظل وجود الفواعل الإقليمية والدولية والهيئات غير الحكومية، من جماعات متطرفة ومليشيات عسكرية، تتجه نحو تحفيز الصراع واستمراره بين الفواعل الرئيسية والثانوية”.وان “موازين القوة وما يرتبط بها من توازنات دولية وإقليمية تمثل أحد العوامل المهمة لإعادة الصياغة الجيوسياسية لأمن البحر الأحمر .

• منذ  أكتوبر 2023، ومع أحداث حرب غزة , بدأ البحر الأحمر يشهد تصاعدًا غير مسبوق في التوترات العسكرية. حين شنت قوات الحوثيين في اليمن سلسلة من الهجمات بطائرات مسيرة وصواريخ باتجاه إسرائيل كما استهدفت السفن التجارية والعسكرية في المنطقة، ردًا على الحرب الإسرائيلية المستمرة في غزة., لأنها تسمح للحوثيين بإعادة وضع أنفسهم بوصفهم داعما إقليميا رئيسا لحركة حماس ضد الحرب الإسرائيلية في غزة وجنوب لبنان, وكذلك انهذه الهجمات هي أيضًا جزء من الاستراتيجية السياسية للحوثيين للحفاظ على قوتهم وتوسيعها داخل اليمن.وقد ادت هجمات الحوثيين في البحر الأحمر إلى تصعيد الحرب في غزة إلى بُعد جديد، ما يعرض التجارة الدولية للخطر في واحد من أهم ممرات الشحن البحري في العالم. 

• مع تصاعد الهجمات الحوثية المتتالية على سفن شحن البضائع المتجهة نحو إسرائيل أو المملوكة لشركات تابعة أو داعمة لها من الدول الغربية ، و تزايد العمليات وتهديد أمن وسلامة الملاحة و الحركة التجارية في هذا الممر البحري الحساس، تمخض عن ذلك  إعلان الولايات المتحدة – في ديسمبر 2023م عن إطلاق تحالف دولي من قوة حماية بحرية متعددة الجنسيات , ورغم النداءات التي قدمت للاتحاد الاوربي ودول أخرى , الا أن التجاوب كان محدودا ولم يضم أكثر من 10 دول، لدعم حرية الملاحة في البحر الأحمر تحت اسم “حارس الازدهار”. وبدأ  بالفعل تفعيل خطة التحالف منذ 12 يناير 2024م ، نفذت الولايات المتحدة وبريطانيا ضربات ضد أهداف للحوثيين داخل اليمن.

• وقد صرح حينها وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن أن الهدف من التحالف هو التأكيد على التزام الولايات المتحدة وحلفائها بمواجهة التهديدات التي تدعمها إيران في المنطقة. وذلك بعد أن وصفت الولايات المتحدة وإسرائيل الهجمات الحوثية بأعمال القرصنة والتهديد لسلامة الملاحة العالمية، وهو ما رد عليه أحد المسؤولين اليمنيين بقوله: إن الهجمات “خطوة شرعية ضمن عملية عسكرية معلنة ومشروعة، من أجل تشكيل ضغط سياسي واستراتيجي وعسكري على إسرائيل لوقف الحرب ورفع الحصار”.

• وكانت جماعة انصار الله قد اعلنت مؤخرا القبض على عدد من “الجواسيس في اليمن كانوا يعملون لصالح جهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد)، ووكالة الاستخبارات المركزية الأميركيةCIA)”. و قالت الجماعة -في بيان نقلته قناة “المسيرة” التابعة لها- إن “الأجهزة الأمنية تمكنت خلال الأيام الماضية من القبض على عدد (لم تحدده) من الجواسيس، الذين تم استقطابهم وتجنيدهم عبر المطلوب للعدالة الجاسوس حميد حسين فايد مجلي”.

• و أوضحت أنه “أسند لهؤلاء الجواسيس عدة مهام، أبرزها رصد وجمع معلومات عن خبراء ومعامل ومنصات وعربات إطلاق الصواريخ والطيران المسير المستهدفة للعدو الصهيوني، وأماكن ومواقع القوات البحرية والمعسكرات ومخازن الأسلحة”.وأضافت أن “مهام هؤلاء الجواسيس شملت كذلك رصد وجمع معلومات عن أماكن تواجد زعيمها عبد الملك الحوثي، وبعض القيادات السياسية والعسكرية والأمنية للدولة، والشخصيات الاجتماعية المناهضة للعدو الإسرائيلي والأميركي”.

• و لفتت إلى أنه طُلب من هؤلاء “الجواسيس رفع إحداثيات تلك الأماكن والمواقع  للجاسوس حميد مجلي ، ليقوم بدوره برفعها لجهاز الموساد بغرض استهدافها من قبل طيران العدو الأميركي والإسرائيلي والبريطاني”، كما ورد في البيان. ووفق البيان، فإنه “تم تكليف هؤلاء الجواسيس بالعمل على محاولة اختراق وتجنيد وزرع عملاء في صفوف القوات المسلحة والأمن”.وأشارت الجماعة إلى أن “مخابرات الأعداء تريد من خلال الأنشطة التجسسية إعاقة موقف الشعب اليمني المساند لغزة باستهداف قواته العسكرية وقياداته”. وحذرت “من خطورة العمل لصالح أجهزة المخابرات الأميركية والإسرائيلية، والتي تصل عقوبة ذلك إلى حد الإعدام”.

• تصاعد الهجمات الحوثية رغم نشاط التحالف

• بعد أيام معدودة من شن إسرائيل هجومها على رفح.,  في 16 مايو 2024م،، حذّر زعيم الحوثيين قائلاً: “سنسعى إلى تعزيز المرحلة الرابعة من التصعيد من حيث [عدد الهجمات] وتأثير الضربات”، مؤكداً أن الغرض من الحملة هو دعم الفلسطينيين في غزة. ومنذ ذلك الحين، وسّعت الجماعة قائمة أهدافها: فإذا كان لدى شركة ما سفنٌ ترسو في الموانئ الإسرائيلية، فقد أصبحت جميع سفنها الآن عرضة للاستهداف، حتى تلك التي لا تبحر إلى إسرائيل. وفي “المراحل” الثلاث السابقة، ركز الحوثيون بشكل أساسي على السفن التي أبحرت إلى إسرائيل أو كانت لها صلات معروفة بالولايات المتحدة أو بريطانيا أو إسرائيل، مع أن الكثير من هجماتهم لم تكن تملك دوافع واضحة أو استندت إلى معلومات غير دقيقة.

• وفي الوقت نفسه، تتخذ السفن التجارية التي تواصل الإبحار عبر البحر الأحمر خطوات غير عادية لتقليل خطر تعرضها للهجوم. وقد استخدم بعضها نظام التعرف الآلي الخاص بها للإشارة إلى أنه “ليس لديها أي صلة بإسرائيل”، في حين بثت أخرى رسائل مثل “كل أفراد الطاقم مسلمون” أو “جميع الطاقم سوري” أو “طاقم السفينة صيني”. وبثت إحدى السفن رسالة “نفط خام روسي” بدلاً من الإشارة إلى ميناء توقفها التالي. ومع ذلك، فحتى الناقلات المحملة بالنفط الروسي تعرضت أحياناً للاستهداف، ويعود ذلك عادة إلى معلومات غير دقيقة أو قديمة حول ملكية السفينة. على سبيل المثال، تعرضت الناقلة “ويند” (رقم “المنظمة البحرية الدولية” 9252967) للاستهداف في 18 مايو بينما كانت تحمل زيت الوقود الروسي متجهة إلى الصين، كما هو مفصل في متتبع الهجمات التابع للمعهد.

• ووفقاً لما توعدت به الحركة، كانت الموجة التي بدأت في مايو 2024م أكثر عدوانية أيضاً. فقد اعترضت القوات الغربية الكثير من محاولات الاستهداف، لكن العدد الإجمالي للهجمات لم يتوقف تقريباً منذ 23 مايو، عندما أطلق الحوثيون صاروخاً على ناقلة البضائع السائبة “يانيس” (رقم “المنظمة البحرية الدولية” 9401910) التي ترفع علم مالطا. وعلى غرار الموجات السابقة، وقعت غالبية هذه الهجمات في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن (حيث شهد كل من المحيط الهندي وبحر العرب هجوماً واحداً مؤكداً على الأقل خلال حملة الحوثيين).

• وكانت العديد من الأهداف في تلك الموجة تابعة لشركات مقرها اليونان، ومن بينها “شركة شرق المتوسط البحرية المحدودة” (“إيست ميد”) و”إيفالند” و”غريهيل”. وتمتلك “إيفالند” سفينة “تيوتر” (رقم “المنظمة البحرية الدولية” 9942627)، وهي السفينة التي غرقت بعد تعرضها لضربات متكررة من سفينة سطحية غير مأهولة وأسلحة أخرى ,كما أصدر الحوثيون إعلانات مشكوك فيها وغير مؤكدة بتبنّي هجمات في المحيط الهندي والبحر الأبيض المتوسط وميناء حيفا الإسرائيلي، وقد انطوت في بعض الحالات على تعاون مزعوم مع الميليشيات العراقية المدعومة من إيران.

• ذكرت وزارة الدفاع الأمريكية أن الحوثيين شنوا حوالي 200هجوماً منذ 19 نوفمبر 2023م ، لكن “حفنة قليلة فقط” نجحت في إصابة الهدف بسبب “فعالية قوات التحالف في وقف الهجمات”. وفي حين تتفاوت التقييمات التي تقيس تأثير عمليات التحالف، إلا أنه لا يمكن إنكار النتائج السلبية للتصعيد الحوثي، إذ يتم استهداف المزيد من السفن، وتواصل الكثير من شركات الشحن تجنب الممرات المائية في المنطقة، ويبدو أن الحوثيين يشعرون بالقوة بدلاً من الضعف. فبعد أشهر من ضربات التحالف، ما زالوا يحددون الشروط التي يمكن للشركات بموجبها إرسال السفن إلى المنطقة وعبرها، منتهكين المبادئ الأساسية لحرية الملاحة.

• وفي مايو 2023، وقبل بضعة أشهر فقط من شن الحوثيين حملتهم الهجومية، أعلنت “ميرسك” عن خدمة بحرية جديدة تربط أسواق الشرق الأوسط بأوروبا وتدور بين الموانئ الرئيسية مثل جدة. ولكن بحلول ديسمبر 2023م، دفعت هجمات الحوثيين شركة “ميرسك” إلى الإعلان عن تعليق حركة المرور في البحر الأحمر وإعادة توجيه السفن حول رأس الرجاء الصالح “في المستقبل المنظور”. وفي الشهر الماضي، أصدرت الشركة توقعات أكثر سوداوية: “توسعت منطقة الخطر، والهجمات تصل إلى مسافات أبعد في البحر. وقد أجبر هذا سفننا على إطالة رحلتها، مما أدى إلى هدر المزيد من الوقت وزيادة التكاليف… وإلى الاختناقات وازدحام السفن، فضلاً عن التأخير ونقص المعدات والقدرات. ونقدّر نسبة الخسارة في الطاقة على مستوى القطاع بما يتراوح بين 15 و20 في المائة في الشرق الأقصى وصولاً إلى شمال أوروبا وسوق البحر الأبيض المتوسط خلال الربع الثالث”من عام 2024م.

• وفي ضوء تزايد المخاطر، اقتنعت الكثير من شركات الشحن بالابتعاد عن المنطقة، مما تسبب بانخفاض حاد في عمليات العبور الإجمالية عبر مضيق باب المندب، أحد أهم ممرات الشحن في العالم. حيث انخفضت حركة المرور عبر المضيقلعام 2024م بأكثر من 50 في المائة مقارنة بالعام الماضي. ومن المتوقع أن تزداد الهجمات بشكل أكبر إذا استمرت حرب غزة أو إذا صعّدت إسرائيل و”حزب الله” صراعهما في لبنان.

• لكن على الرغم من التركيز المفهوم على التبعات البحرية والتجارية المباشرة لهذه الهجمات، ينبغي إيلاء المزيد من الاهتمام لمدى ترسخ التهديد الحوثي، وكيف يمكن أن يستخدم الحوثيون نفوذهم المكتشف حديثاً لخدمة أجندات سياسية مختلفة في المستقبل. فمع أن التهديد البحري قد يتلاشى تدريجياً إذا تم التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة، فهو لن يختفي، بل إن فعاليته في تعطيل التجارة العالمية لن تؤدي إلا إلى تشجيع الحوثيين.

• هنالك من يرى أن التحالف الدولي الذي أطلقته وقادته الولايات المتحدة بهذا الزخم رغم نأي كثير من الحلفاء عن المشاركة فيه , يوحي بكون هذه المبادرة لانشائه  وفق مؤشرات ذات بعد معنوي واستراتيجي أكثر من كونها تهدف لحماية الملاحة البحرية في البحر الأحمر، لأن هناك قوة دولية موجودة بالفعل بالمنطقة وتعمل لنفس الغرض، وهي قوة ” المهام المشتركة 153″ التي شكلت في أبريل 2022، وضمت حتى اليوم 39 دولة، ومنها الولايات المتحدة والسعودية ومصر والأردن والإمارات وإسرائيل وغيرها، وذلك بهدف مكافحة “الأنشطة الإرهابية والتهريب” في البحر الأحمر وخليج عدن وفق ما تم الإعلان عنه رسمياً، وهذا يدل على أن تحالف “حارس الازدهار” جاء كرد فعل وإثبات وجود أمريكي في خضم الصراع الحاصل، واستجابةً لضغوط الحليف الإسرائيلي الذي يرى ضرورة القيام بتحركات عسكرية تؤكد الحضور الأمريكي والإسرائيلي وتحقيق الردع المطلوب أمام تهديدات اليمن، ومن دلالات هذه الغاية إرسال إسرائيل لأحدث بوارجها الحربية – ساعر 6 – إلى الممر المائي بالبحر الأحمر.

• تصاعد التوترات في الجبهة الحوثية مع اسرائيل

• تتصاعد التوترات في اليمن بشكل دراماتيكي مع تكثيف الضربات الجوية الأميركية ضد مواقع الحوثيين في صنعاء.بينما تبرر واشنطن هذه الهجمات بأنها تهدف إلى إضعاف الجماعة التي تهدد الملاحة في البحر الأحمر وتستهدف المواقع الإسرائيلية، تبرز عدة أبعاد وتحالفات تتشابك فيها الأجندات الأميركية، الإسرائيلية، والإيرانية. وتعكس هذه  التطورات تحولا في الاستراتيجيات الإقليمية ومحاولة فرض واقع جديد على الأرض.

• في أعقاب الضربات الأميركية التي استهدفت مؤخرا منشآت حوثية في صنعاء، وصفت الجماعة هذا التحرك بأنه “انتهاك سافر لسيادة اليمن”، متهمة واشنطن بتوفير الغطاء السياسي والعسكري لإسرائيل.  فيما استمرت الجماعة في تأكيدها على “مواصلة نهج المقاومة”، كما قامت بتنفيذ هجمات ضد مواقع إسرائيلية في منطقة يافا وجنوب القدس، بالإضافة إلى استهداف حاملة طائرات أميركية. هذا  التصعيد يعكس استراتيجية حوثية تعتمد على التحالف مع إيران، حيث يتم استخدام اليمن كمنصة لتهديد المصالح الإقليمية والدولية.ويرى  مدير التحالف الأميركي الشرق الأوسطي للديمقراطية، توم حرب، خلال حديثه لـ”سكاي نيوز عربية” أن هذه التحركات جزء من خطة أوسع تقودها طهران لتوسيع نفوذها الإقليمي عبر وكلائها مثل الحوثيين.

• كانت القيادة  الأميركية الوسطى قد أعلنت عن تنفيذ ضربات دقيقة استهدفت مواقع قيادة وسيطرة للحوثيين، بالإضافة إلى مرافق لإنتاج وتخزين أسلحة متقدمة تشمل الصواريخ والطائرات المسيّرة.و هذه  الضربات تمثل، وفقا لتوم حرب، استجابة متأخرة لكنها حاسمة، في إطار محاولات التحالف الدولي بقيادة واشنطن حماية الملاحة البحرية في البحر الأحمر. ومع ذلك وجود انتقادات حادة للسياسة الأميركية، حيث  أن الإدارة الحالية تتردد في اتخاذ موقف صارم تجاه الحوثيين، ويفترض أن هذه المهمة قد تُترك للرئيس القادم.وهناك مخاوف بشأن التأثير المحتمل لهذه السياسة على دول المنطقة، مثل مصر، التي تعتمد بشكل كبير على تأمين الملاحة في قناة السويس.

• تشهد المنطقة تصعيدا لافتا بين إسرائيل وجماعة الحوثيين، بعد سلسلة هجمات بالستية وطائرات مسيّرة أطلقها الحوثيون على إسرائيل، تزامنا مع العمليات العسكرية الإسرائيلية التي استهدفت مواقع استراتيجية في اليمن، شملت مطار صنعاء الدولي وميناء الحديدة. هذه  التطورات تضع المشهد الإقليمي أمام اختبار جديد في خضم الصراع بين تل أبيب ومحور إيران… الغارات  الإسرائيلية ركزت على بنى تحتية تستخدم عسكريا ومدنيا، وفق الجيش الإسرائيلي، واستهدفت مواقع مثل مطار صنعاء وقاعدة الديلمي العسكرية، حيث دمرت مرافق حيوية منها برج المراقبة والمدرج، بالإضافة إلى منشآت للطاقة والموانئ في الحديدة.

• التحركات  الإسرائيلية تأتي في إطار أوسع من التعاون الدولي، حيث تسعى تل أبيب إلى إشراك واشنطن ودول أخرى في عمليات عسكرية مشتركة. في هذا الصدد، يرى الأنسي أن “الدعم الدولي لصنعاء، والضغوط المستمرة على مواقع الحوثيين، تعكس تداخل الأبعاد العسكرية والسياسية للصراع”. و أن “الوضع العسكري والسياسي في اليمن أصبح نقطة توتر تؤثر على التحالفات الدولية، خاصة في ظل فشل الحملة العسكرية الأميركية في اليمن“. وتشير التقييمات إلى أن الحملة الإسرائيلية ضد الحوثيين قد تستمر لأسابيع، لكنها قد تواجه عقبات كبيرة. الباحث عبد الكريم الأنسي توقع أن “إسرائيل ستكافح لتحقيق أهدافها، في ظل التطورات التكنولوجية والعسكرية للحوثيين، والضغوط الداخلية التي تواجهها الحكومة الإسرائيلية”. وان النجاح الإسرائيلي في لبنان وسوريا لا يغير من الواقع المعقد في اليمن، حيث تمتلك الجماعة الحوثية قدرة على الصمود والمناورة”.

• وزير الدفاع  يسرائيل كاتس، أكد أن العمليات تهدف إلى “قطع أذرع محور الشر الإيراني”، مشددا على أن إسرائيل لن تتوانى عن استهداف قادة الحوثيين كما فعلت مع قادة حماس وحزب الله. اما  رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فقد تعهد بمواصلة “تحييد التهديدات الحوثية”، معتبرا أن هذه الخطوات جزء من استراتيجية إسرائيلية أوسع لمواجهة إيران. فيما أطلق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، سلسلة من التحذيرات لجماعة الحوثي، مهددا بدفع “ثمن باهظ”. وهذه التصريحات تتزامن مع تزايد المخاوف داخل إسرائيل من صعوبة استهداف الحوثيين، خاصة بالنظر إلى البعد الجغرافي وتعقيدات المشهد اليمني. وفي هذا السياق، يعتبر محللون إسرائيليون أن الحل يكمن في استهداف إيران بشكل مباشر بدلا من وكلائها، وهو ما قد يفسر تصاعد الخطاب الإسرائيلي تجاه طهران. كما يرى  مراقبون أن هذا التصعيد يمثل حلقة جديدة في الصراع الإقليمي بين إيران وحلفائها من جهة، والولايات المتحدة وإسرائيل من جهة أخرى.

• ونقلت هيئة البث الاسرائيلية عن مصادر عسكرية أن الحملة المرتقبة ضد الحوثيين تهدف إلى إلحاق ضرر بمنظومة الجماعة العسكرية والتكنولوجية. بينما أفادت صحيفة “يديعوت أحرونوت” بإصابة شخص في إسرائيل إثر صاروخ أطلقه الحوثيون، مما يعكس تصاعدًا في القدرة العملياتية للجماعة. وفي  هذا السياق، تشير تحليلات  إلى أن “الاستخبارات والجيش الإسرائيليين يواجهان تحديات متزايدة بسبب تطور القدرات العسكرية اليمنية”.و أن “هناك جهودا كبيرة في التصنيع العسكري اليمني، مع استخدام تقنيات حديثة مثل الذكاء الاصطناعي، مما يشير إلى مرحلة جديدة من تطوير الأسلحة النوعية”.

• ووفقا  لتقارير نقلتها صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية، فإن الطائرات المسيرة والصواريخ الحوثية باتت تمثل تحديًا كبيرًا لأنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية. أحد المسؤولين الإسرائيليين صرح بأن الحوثيين أكثر تقدما من الناحية التكنولوجية مما كان متوقعا، مشيرا إلى أن إيران تلعب دورا رئيسا في دعمهم. وان “الحوثيين ليسوا جيشا تقليديا، بل يعتمدون على تكتيكات خاصة اكتسبوها على مدى سنواتماضية”. وأكد أن هذه التطورات تمثل “تهديدا متزايدا للكيان الإسرائيلي، خاصة مع تكرار الهجمات الإسرائيلية .

•  إسرائيل قد تجد نفسها في مواجهة حرب استنزاف طويلة الأمد مع الحوثيين، خصوصًا في ظل قدرتهم على توجيه ضربات مؤثرة. وفي هذا الصدد يشير الباحث عبد الكريم الأنسي لفت إلى أن “قدرة الحوثيين على الاستمرار في حرب الاستنزاف تشير إلى مرونة تكتيكية وتنظيم عسكري متماسك”، مما يجعل أي حملة إسرائيلية عرضة للفشل إذا لم تحقق أهدافها سريعا. و أن “التحدي الإسرائيلي ينصب على جمع مزيد من المعلومات الاستخباراتية بشأن الحوثيين لتوسيع بنك الأهداف”، وهو ما قد يطيل أمد العمليات ويزيد من تكلفة المواجهة.

• الوضع الحالي يختلف عن المواجهات السابقة مع حماس وحزب الله، حيث يبدو أن هناك تراجعا في هيبة إسرائيل، ما يعكس تغيرا في موازين القوى الإقليمية. وهناك تأثير السياسات الأميركية المتغيرة، حيث قامت إدارة جو بايدن برفع الحوثيين من قائمة الإرهاب، وهو ما اعتبره البعض إشارة ضعف تجاه إيران. و أن العمليات العسكرية ضد الحوثيين لها أهمية استراتيجية أكبر من تلك الموجهة ضد حماس وحزب الله، نظرا لتهديد الحوثيين المباشر للملاحة البحرية الدولية.

• وعلى الرغم  من التركيز على الأبعاد العسكرية والسياسية، لا يمكن تجاهل الكارثة الإنسانية التي يعاني منها اليمن. فإن أكثر من 20 مليون شخص يعانون من تبعات الحرب، مع تفاقم الأزمات الإنسانية بسبب سيطرة الحوثيين على أجزاء من البلاد.وهذا البعد الإنساني يضيف ضغطا دوليا لإيجاد حل للصراع، لكنه في الوقت ذاته يُستغل كأداة في لعبة المصالح الإقليمية.ومما لا شك فيه ,ان  الضربات الجوية الأميركية الأخيرة في صنعاء تمثل تصعيدا خطيرا في النزاع اليمني، مع استمرار الحوثيين في تبني استراتيجية “الهجوم للدفاع”، واعتبار إسرائيل والولايات المتحدة خصوما مباشرين. ، فإن غياب قرار سياسي واضح في واشنطن قد يؤدي إلى تصعيد أكبر في المستقبل القريب.وفي ظل هذه التطورات، تبقى الأسئلة مفتوحة حول إمكانية احتواء هذا التصعيد، وهل ستتحول المواجهة مع الحوثيين إلى صراع إقليمي أوسع يشمل إيران؟

• تداعيات اقتصادية وأمنية متزايدة

• وتطرح اجابات على ذلك بأن هجمات الحوثيين كانت أكثر تأثيرا على الملاحة , مقارنة  بتأثير الضربات المحدودة والتي كانت بمثابة رسائل  الى إسرائيل , باعتبار  أن  الهجمات سواء على السفن الغربية  لم تؤثر على عملياتها العسكرية في غزة، مما يقوي فكرة أن الدوافع الرئيسية والحقيقية لدلالات تشكيل تحالف “حارس الازدهار! يتجه  للقول بأن الجانب الاقتصادي هو الأكثر تضرراً لدى الجانب الإسرائيلي نتيجة للتهديد اليمني في البحر الأحمر.

• فقد نقلت وسائل إعلام إسرائيلية: أن حركة السفن تراجعت في ميناء إيلات الجنوبي بنسبة 80%، وذلك بعد إعلان عدة شركات شحن تغيير مسار سفنها لتجنب المرور عبر مضيق باب المندب، واختيار الدوران حول القارة الأفريقية عبر مضيق رأس الرجاء الصالح للوصول إلى الموانئ الإسرائيلية على البحر المتوسط، وهو ما يزيد من الكلفة الاقتصادية والزمنية، مما انعكس سلباً على الاقتصاد الإسرائيلي المنهك أصلاً خلال الحرب.مع اعتبار أن جميع الواردات لاسرائيل من آسيا وتحديداً الصين والهند وكوريا الجنوبية .

• وهذه الواردات لا يمكن الاستهانة بها أبداً، فالولايات المتحدة  معظم صناعاتها  في آسيا وتعتمد عليها في كل شيء ولذا تبقى التأثيرات الاقتصادية هي الابرز  نتيجة استمرار التهديد الحوثي ,  ويندرج ذلك ذلك على اسرائيل و الدول الغربية  كذلك ,ولذا يمكن الجزم بالتأثير السلبي الهام للهجمات الحوثية , ويمكن اعتبارها واحدة من ادوات الضغط على إسرائيل على جميع الأصعدة لا سيما الاقتصادية والدولية، لأن التجارة التي سوف تتأخر والتكاليف التي سوف ترفع وتجبر الدول التي تتعاون معها في آسيا على الضغط عليها, وفي حالة التهديد المستمر ، قد تشهد المنطقة توسعٍا لرقعة الصـراع. ويميل اقتصاديون إلى أن استمرار الهجمات ستسهم في زيادة تأثر وتردي التجارة الدولية ، بل وستضعها في مأزقٍ كبير، فضلا عن ارتفاع  فئات التأمين بشكل كبير , وقد بدأت شـركات الشحن في زيادة النولون ، ما سيوثر سلباً على الاقتصاد العالمي، بل وسيحدث اذا تفاقم الوضع الى  صدمةً جديدة وشيكة على شاكلة الصدمة التي شهدها هذا القطاع الحيوي إبان وباء كوفيد-19.

• اتجاه لمعاقبة ايران 

• وفقا لصحيفة “هآرتس”، تم نقاش خيار ضرب إيران خلال سلسلة من الحوارات حول “عدم وجود نتائج من 3 جولات سابقة من الضربات على معاقل الحوثيين في اليمن”. وذكر التقرير أن رئيس الموساد بارنيا يعتقد أن “ملاحقة إيران، التي تمول وتسلح الجماعة اليمنية، ستكون أكثر فعالية”.وقال بارنيا للمسؤولين الأمنيين، وفقا للقناة 13: “نحن بحاجة إلى الذهاب وجها لوجه ضد إيران. إذا هاجمنا الحوثيين فقط فليس من المؤكد أننا سنكون قادرين على إيقافهم”..و وفقا للقناة 13، اختلف نتنياهو مع تقييم بارنيا، وبدلا من ذلك افترض أن إيران “قضية مختلفة، وسيتم التعامل معها في الوقت المناسب و أن “تقدير نتنياهو شاركه فيه كبار أعضاء المؤسسة الأمنية.

• ومنذ ديسمبر الماضي وحتى اليوم ، أطلق الحوثيون 8صواريخ بالستية و7 طائرات مسيّرة على الأقل على إسرائيل، في ما تقول الجماعة إنها حملة لدعم غزة وسط الحرب المدمرة المستمرة هناك منذ أكثر من 14 شهرا.ومساء الأربعاء، تعهد نتنياهو بأن “يعاني الحوثيون نفس مصير أعداء إسرائيل الآخرين في المنطقة”، وفق تعبيره.و توعد نتنياهو قائلا: “سيتعلم الحوثيون أيضا ما تعلمته حماس وحزب الله ونظام الأسد وغيرهم، وحتى لو استغرق الأمر وقتا فسيتم تعلم هذا الدرس في أنحاء الشرق الأوسط

• و”.في وقت سابق، هدد كاتس بأن إسرائيل ستبدأ في استهداف قادة الحوثيين. كما  أشار قائد القوات الجوية الإسرائيلية تومر بار، إلى “زيادة العمل ضد الحوثيين في المستقبل القريب”، حيث قال إن القوات الجوية “ستتصرف بقوة”. وفي  حين يبدو أن عددا متزايدا من المسؤولين يستعدون لتوجيه ضربة قوية للحوثيين، أفادت صحيفة “يديعوت أحرونوت”، أن هناك اعتقادا في أن يوقف أي هجوم إسرائيلي على اليمن ضربات الحوثيين على إسرائيل بالصواريخ والمسيّرات.و كانت إسرائيل نفذت  4 جولات سابقة من الضربات ضد الحوثيين وتعهدت بمواصلة قصفهم، لكن هذا لم يوقف الهجمات القادمة من اليمن.ويرى  محللون أن المسافة الطويلة نسبيا بين إسرائيل واليمن تشكل تحديا عمليا، لكن يمكن التغلب عليه بدعم من الولايات المتحدة أو القوى الغربية الأخرى

• فيما نشرت “يديعوت أحرونوت” أن مسؤولين إسرائيليين ناقشوا بالفعل مع نظرائهم الأميركيين، خطط تصعيد الضربات على الحوثيين. ومع ذلك، نقلت الصحيفة عن مصادر لم تسمها، قولها إن إسرائيل لن تكون قادرة على تكثيف هجماتها إلى المستوى اللازم لصد الحوثيين إلا بعد تولي الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب منصبه في 20 يناير المقبل. و “الحوثيون سيدفعون ثمنا باهظا، وسوف تتصاعد الهجمات الإسرائيلية، لكن هذا لا يقارن بما سيحدث بمجرد تولي ترامب منصبه. يخطط الأميركيون لفرض حظر وعقوبات عليهم”.

• و تشن “أنصار الله” من حين إلى آخر هجمات بصواريخ ومسيّرات على إسرائيل، بعضها يستهدف تل أبيب، مما يدفع ملايين الإسرائيليين إلى الاحتماء بالملاجئ، وتشترط الجماعة لوقف هجماتها إنهاء حرب الإبادة الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني في غزة.وأعلن  الجيش الإسرائيلي، في وقت مبكر من الجمعة، اعتراض صاروخ بالستي أطلق من اليمن قبل دخوله إلى وسط البلاد. وأفاد  الإسعاف الإسرائيلي عن إصابة 18 شخصا خلال التدافع وهم في طريقهم إلى المنطقة المحمية.

• قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في مقابلة شملت موضوعات واسعة مع القناة 14 الإسرائيلية اليمينية، إن إسرائيل بدأت للتو ضرباتها للحوثيين في اليمن، وفقا لما ذكرته صحيفة تايمز أوف إسرائيل وأوضح نتنياهو: “لقد بدأنا للتو في التعامل معهم، ولن نسمح لهم (بمهاجمة إسرائيل) هذه الأيام، سواء اليوم أو في أي يوم خر. سنضربهم حتى النهاية المؤلمة حتى يتعلموا. وكما قلت، تعلمت حماس، وتعلم حزب الله، وتعلمت سوريا. وسوف يتعلم الحوثيون أيضا.” و ناقش نتنياهو، أيضا، الجهود الجارية للتوصل لصفقة لإطلاق سراح الرهائن، وندد بالتعليقات غير الرسمية من جانب مسؤولين لم يذكر اسمائهم زعموا أن مثل هذه الصفقة كان من الممكن التوصل إليها بالفعل، ووصفها بأنها “أكاذيب” لا تخدم سوى “تعزيز موقف حماس، ودعم مزاعمهما الكاذبة”، محملا مصادر في فريق التفاوض مسؤولية ذلك. و أضاف أنه لا يزال “يعمل من أجل” التوصل إلى اتفاق تطبيع مع السعودية، مضيفا بأن “هذا الهدف لم يتلاشى، فهو لا يزال قائما”، مدعيا أنه لو بقي في السلطة بعد الانتخابات الإسرائيلية عام 2021، لكان قد حدث التطبيع بالفعل.

• نقلت هيئة البث الإسرائيلية عن مصادر عسكرية أن إسرائيل تخطط لسلسلة عمليات ضد الحوثيين تتضمن إجراءات لإلحاق الضرر بنظام الجماعة وقادتهم. و أضافت هيئة البث أن إسرائيل اقترحت على الولايات المتحدة ودول أخرى تنفيذ عمليات مشتركة ضد الحوثيين. و كانت القناة الإسرائيلية الثانية عشرة، قد أفادت بأن التقييمات في تل أبيب تشير إلى أن الحملة ضد الحوثيين ستستمر لأسابيع عدة. و أفادت مصادر يمنية بشن تحالف “حارس الازدهار” بقيادة الولايات المتحدة، يوم الجمعة، غارات على مواقع عسكرية في مناطق مختلفة بصنعاء. و طال القصف الجوي معسكر الفرقة الأولى مدرعات، والصيانة، والإذاعة والتلفزيون، وقاعدة الديلمي الجوية المجاورة لمطار صنعاء. و أفاد مراسلنا، نقلا عن مصادر، أن طائرات استطلاع حلقت في أجواء صعدة شمالي اليمن.

• أهداف أخرى تتجاوز معركة غزة

• بعيدا عن آثارها الإقليمية والدولية، يجب أيضاً فهم هجمات في البحر الأحمر في سياق السياسة الداخلية في اليمن، فإن سيطرة الحوثيين على ميناء الحديدة على البحر الأحمر – وهو فصل دموي في الحرب الأهلية اليمنية – أرست الأساس للقدرات العسكرية الحالية للحوثيين.وقد تكون هجمات الحوثيين الحالية جزءًا من استراتيجية لتعزيز سلطتهم السياسية في اليمن. ومن خلال ما يجري  يبدو أن الجماعة تضع نفسها في مرمى قوى عديدة قد تنال منها. ومن جهة ثانية، فإنّ عملياتها في البحر المتوسّط، قد تؤدّي إلى تشتيت مواردها العسكرية، وتعرّض الصفّ الأول من قياداتها في البحرية والصواريخ لاستهداف القوات الأميركية – البريطانية، كما أنّ توسيع مسرح عملياتها إلى منطقة بحرية جديدة يعني التعامل مع واقع جيو سياسي مختلف، سواء في مستوى الفاعلين الإقليمين وحلفائهم، أو في مستوى النتائج، ناهيك عن كونها خارج نطاق سيادتها البحرية، وإذا كانت عملياتها العسكرية في البحر الأحمر قد أدّت إلى تضرّر الدول المُطلّة عليه؛ مصر والسودان وإريتريا.

• لا يُخفى أن الآثار المباشرة لحملة الحوثيين ضد الشحن البحري خطيرة بشكل واضح، ولكن من الضروري أيضاً أن تستعد الولايات المتحدة والسعودية والشركاء الآخرين لاحتمال أن تستخدم الجماعة الجريئة نفوذها المكتشف حديثاً بطرق أخرى تتجاوز حرب غزة. وانه وطوال حرب غزة وعملية “حارس الازدهار” المرتبطة بها في منطقة البحر الأحمر، كان “معهد واشنطن” يراقب التهديد الحوثي للشحن التجاري من خلال متتبع الحوادث البحرية التابع له، ومؤخّراً من خلال مركز “الأضواء الكاشفة البحرية” التابع للمعهد أيضاً. ويتجلى من هذه البيانات أمران واضحان وهما: أن التهديد لا يزال يتصاعد بشكل كبير كماً ونوعاً، ولم يتمكن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ولا “القوة البحرية للاتحاد الأوروبي” التي تم إطلاقها مؤخراً من الحد من هجمات الحوثيين، التي شنتها الجماعة رداً على القتال في غزة.

• الوضع الراهن .. التوقعات والمخاطر:

• لا شك ان معادلة الصراع في البحر الأحمر عند مربع تصدّي الولايات المتّحدة وشركائها الغربيين , لم تحد من هجمات جماعة الحوثي على السفن، ، الأمر الذي كرّس حالة طبيعية من استقرار العنف في البحر الأحمر، مقابل بقاء التهديدات، فبعد أشهر من استهدافها القدرات العسكرية للجماعة، فشلت الولايات المتّحدة في تأمين حركة الملاحة، وهو ما أكدّ قصور استراتيجيتها في التعامل مع تهديد طويل الأمد، مثل تهديد الجماعة الحوثية، بما في ذلك عدم قدرتها على رفع مستوى التنسيق العملياتي، سواء مع شركائها في الاتحاد الأوروبي أو حلفائها الإقليميين من الدول المُطلّة على البحر الأحمر، وانضاج رؤية أمنية مشتركة لتعزيز الأمن البحري.

• ومع تباين مستوى هجمات  الحوثيين من وقت إلى آخر، فإنّها لم تستطع جرّ قوى حليفة، أو شريك محلّي، إلى معركتها البحرية ضدّ إسرائيل وحلفائها الغربيين لإسناد حماس في عزّة، بيد أنّه ومنذ مطلع مايو 2024م، بدأ الطرفان استكشاف أدواتٍ جديدة لتحسين شروطهما في إدارة المعركة، فمن جهة، سعت الإدارة الأميركية إلى تنويع خياراتها لمواجهة الهجمات الحوثية بإجراءات مُتعدّدة، من توسيع عملياتها العسكرية في اليمن باستهداف مواقع حيوية، وتشبيك تحالفات إقليمية لردع الجماعة، ودفع خصومها لخنقها اقتصادياً، فيما كثّف الحوثيون من هجماتهم البحرية، ودشّنت مرحلة جديدة من التصعيد العسكري باستهداف السفن المتّجهة إلى الموانئ الإسرائيلية في البحر الأبيض المتوسّط، إضافة إلى تصعيد هجماتها في النطاقات البحرية التقليدية.

• أثبت الحوثيون أنهم قادرون على تعطيل حركة المرور بشكل كبير بين المناطق التجارية المختلفة، إذ قررت شركات عملاقة مثل “شركة البحر الأبيض المتوسط للملاحة” (MSC) و”ميرسك” تجنب جنوب البحر الأحمر. ونتيجة لذلك، انخفض حجم سفن الحاويات التي تعبر باب المندب بنحو 55 في المائة، وفقاً لأحدث البيانات الصادرة عن “لويدز ليست إنتليجنس”. وفي الأشهر الخمسة الأولى منذ أن بدأت الولايات المتحدة وبريطانيا بشن ضربات عسكرية في اليمن بدعم غير عملياتي من دول أخرى، تم تسجيل أكثر من 120 حادثة إضافية، شملت الكثير من عمليات الاعتراض البحرية لأسلحة الحوثيين. 

• وتظل المعضلة الأمنية في أمن البحر الأحمر مرتبطة بالأساس بـ”تضارب الاستراتيجيات والمصالح بين القوى الدولية والاقليمية”، و”تمزيق الحروب والنزاعات الأهلية لأوصال المنطقة”.وبالرغم من قرار مجلس الأمن رقم 2722، الذي تم اعتماده في 10 يناير 2024، مطالبة الحوثيين بوقف الهجمات وإطلاق سراح جميع البحارة المحتجزين كرهائن، مع الإشارة إلى حق الدول الأعضاء في الدفاع عن سفنها، فإن عدم وجود وقف لإطلاق النار في غزة باعتباره السبب الجذري لاتساع دائرة الصراع لتشمل منطقة البحر الأحمر وعدم الحث على اتخاذ إجراءات تمنع المزيد من التصعيد وتبني استراتيجيات أمنية محايدة بناء على منظومة الأمن الجماعي سوف يضاعف الأزمات في المنطقة واستمرار الحروب غير المتناهية.

• انّ توسيع الهجمات الحوثية ، وتصديها بهجمات تجاه السفن الى جانب ضرب العمق الاسرائيلي , وفي ظلّ التداعيات الاقتصادية لأزمة الشحن العالمية، التي تسبّبت بها، يعني مضاعفة القوى المُتضرّرة من عملياتها العسكرية، ومن ثم زيادة خصومها، كما أنّها ستساهم بتوسيع رقعة الصراع البحري، ومن ثمّ، قد يؤدّي إلى تشكيل تحالفات أمنية إقليمية لمواجهة تهديدات الجماعة، وفي ضوء معركة مستمرّة من الردع والعقاب من أميركا وحلفائها، في مقابل استمرار الجماعة بتهديد الملاحة، فإنّها، وإن تبنّت منطق “التصعيد، بالتصعيد”، ردّاً على الغارات الأميركية – البريطانية، إلّا أنّها تقامر باجتياز خطوطٍ حمراءَ من دون موازنة حساباتها.

• مما لا شك فيه ان استقرار البحر الأحمر يُعتبر بالغ الأهمية لطموحات دول الخليج  لتكون رابطا من موانىء الخليج العربي والبحر الأحمر ومن بينها السودان , والتي تتميز بحركة البضائع  الكثيفة من  اسيا  ودول الخليج الى افريقيا واوربا عبر البحر الأحمر  , مما يشكل اهمية كبيرة لهذا الممر البحري  مقرونة مع خطط توسيع قطاع الخدمات اللوجستية فيها، وكذلك الأمر مع الدول المشاطئة للبحر الاحمر .. السعودية والسودان واليمن ومصر وارتريا وجيبوتي , سيكون استقرار الملاحة تطورا ايجابيا لزيادة القدرة التنافسية لموانىء المنطقة وتعزيز ترابطها الدولي على مدى السنوات القادمة , مع اعتبارات إنشاء مركز لوجستي بحري عالمي يتطلب بيئة مستقرة.

• في اطار التوقعات، ستستمر حملة الهجوم الحوثية الحالية ، وستواصل الكثير من السفن التجارية تجنب خليج عدن وجنوب البحر الأحمر. ويمكن لوقف إطلاق النار في غزة أن يخفف من حدة الهجمات إلى حد ما، ولكن حتى ذلك الحين قد لا يوقف الحوثيون حملتهم بالكامل. ومع أن بعض مالكي السفن قد شهدوا زيادة في أرباحهم بسبب ارتفاع أسعار الشحن، فإن التأثير العام على حركة الملاحة البحرية وسلاسل التوريد العالمية كان شديداً. وليست دول الخليج محصنة ضد هذه التأثيرات، لذلك يجب على واشنطن أن تحثها على إيجاد وسيلة دبلوماسية لوقف الهجمات، بغض النظر عما يحدث على المسارين الدبلوماسيين الأمريكيين المنفصلين في غزة ولبنان.

• وبناءً على ذلك، سيكون من الحكمة أن تستعد الدول المتضررة في المنطقة لمستقبل تظل فيه بنيتها التحتية الحيوية تحت تهديد الحوثيين إلى أجل غير مسمى. فقد أصبح لدى الجماعة الآن القدرة على شن هجمات أكثر تطوراً في سياقات سياسية مختلفة تتجاوز حرب غزة، بدعم من إيران على الأرجح. على سبيل المثال، قد تقرر في النهاية استئناف هجماتها البحرية أو تصعيدها ، خاصة إذا لم يتم حل الصراع اليمني. ومن المهم كذلك .أن يتعين على واشنطن وشركائها في التحالف ,تضمين التهديد المحتمل بحدوث تصعيد حوثي على المدى الطويل في مخططاتهم العسكرية. , هذا وقد غادرت حاملة الطائرات “يو إس إس دوايت دي أيزنهاور” البحر الأحمر، حيث كانت متمركزة لمواجهة تهديدات الحوثيين منذ أواخر العام الماضي. وإذا تصاعدت الحملة الحالية بشكل أكبر، أو إذا كثفت الحركة هجماتها في المستقبل، فقد تحتاج القوات البحرية الغربية إلى نشر المزيد من الأصول لحماية السفن التجارية.

اترك رد

error: Content is protected !!