د. إبراهيم الصديق
نحن نفرح بكل خطوة للأمام ، لكل لحظة نصر ، كما نحزن لكل لحظة خسارة ، وفى كل مشاعر دافقة ، هنا نسجد لله شكرا ، ونزداد حمدا وقد وعدنا الله بالمزيد (لئن شكرتم لأزيدنكم) ، وهناك عند الإنكسار نكثر التضرع والإستغفار ، و(الله عند المنكسرة قلوبهم ) ، وأفضل ما يكون صوم التطوع فى الليال البيض ، نعم حين إكتمال القمر ، وهنا فى الإذاعة أكتمل القمر ..
فرحنا لإنه قبل الاذاعة تم تحرير منزل الرئيس جعفر النميري ، بدأ ترميمه وأعيد ترتيبه وادينا له التحية.. تلك خطوة.. رفعنا الآذان فى مسجد الشيخ مدثر الحجاز وأزلنا الأوساخ من مسجد اب روف وطهرنا مسجد الفاتح قريب الله وفككنا أسر الدروع البشرية فى مسيد شيخ الأمين.. وتلك خطوات..
أقتنصنا القناصة من أعلى البنايات ، البيوت والبنوك والمتاجر ، واحدة تلو أخرى وزففنا الشهداء.. وصبرنا وأحتسبنا.. ومضينا..
فرحنا بالإذاعة لأننا تلاقينا مع الصامدين فى المهندسين ، بعد 11 شهر كانوا هناك ، تساقطت عليهم القذائف والدانات وافواج المقتحمين مع كثافة النيران ، 120 عربة ترسل اللهب والنيران ولمدة 12 ساعة موجة خلف اخري ، وردوها كلها بتوفيق من الله.. وهم اليوم فى مقدمة المشهد ، ولذلك نفرح بالإذاعة..
نفرح بالإذاعة لإننا وبمهنية عالية حافظنا على دار أب الإستقلال إسماعيل الازهرى ، وقد أتخذه الأوباش منصة للقصف ، ورفعنا العلم يرفرف من جديد..
كلا لم تكن الاذاعة مجرد مساحة أرض.. نفرح ونزداد فرحا بعودة حوش الخليفة ومسجد الخليفة ومحلية امدرمان ، وشارع العرضة وحى الشهداء وود نوباوي والملازمين وبوابة عبدالقيوم ، ذلك ربط لحاضر هذه الأمة بماضيها ، حيث كانت خيول المهدية تملأ الأفق وتترادف حوافر فى قلوب الاستكبار العالمي ، وللأسف الآن بعض من يدعون أنهم يحملون إرثه يقفون فى صف آخر ، ولكننا ننتصر لقيم الفداء والعزة..
نعم نفرح للإذاعة ، فهى ذاكرة كل ذلك.. نفرح لأننا هزمنا مكر كبير ، وكيد عظيم ، قناصة ، وبنادق حديثة ، واجهزة رؤية ، وصواريخ حرارية ومضادات طائرات وعربات مصفحة ، ومرتزقة ، نعم ، وأجهزة تشويش عالية الكفاءة ، وأجهزة إتصال متقدمة ، وإمداد بلا سقف..
وبفضل الله ، رميناهم واحدا واحدا.. وتقدمنا.. و حين ظنوا أن لا غالب لهم وجعلوا منها منبر إستعراض كانت الحلقة قد ضاقت عليهم ، وفجأة وجدوا أنفسهم فى كماشة وطوق.. ونجحت الخطة ونجح التكتيك.. (زردية مربوطة بهدوء) ..
قالوا: لقد صمدت المهندسين 10 أشهر وهم أقل عدد وأقل تسليحا وأقل مؤنة وأقل تأمينا ، ونحن لدينا أكثر منهم وسنصمد أكثر.. و نسوا أن من يقاتل الرجال ، ومن يقاتل أصحاب قضية ، ومن يقاتل ابناء هذا التراب..
ولذلك نفرح ، فقد أنهارت قواهم وتفتت قوتهم.. نفرح ، لإنهم أتخذوا الإذاعة ميدان حرب ، نصبوا بها راجمات و مدافع ، أستهدفت المواطنين الآمنين فى الثورات وكررى والحتانة وشمبات وكافة مزارع بحري ، تلك الديار اليوم بحمد الله أكثر أمنا.. ولذلك نفرح..
نفرح بأكبر خسائر مليشيا الدعم السريع من الآليات في معركة واحدة ، فقد كان معسكر سركاب أكبر خسائرهم من الرجال فى مكان واحد ومعركة واحدة ، وكانت المدرعات والمهندسين ونيالا وكذلك بابنوسة أكبر مدافنهم ومقابرهم.. ولذلك نفرح..
ثم نعطيك سر أخير ، سقط رهان النيران الكثيفة ، ورهان الفزع ، أقلب الصفحة ، للحرب تكتيكات جديدة وللعالم درس جديد.. تم التطبيق بنجاح وتوفيق من الله .. ولذلك نفرح..
إن لم تكن قد فرحت لكل هذه الشواهد فإن (ران) الجنجا قد تكاثف على قلبك ، فأبحث عن وطنيتك..
والإذاعة رمز ، هى الإذاعة (المسموعة أى الراديو) ، هى الإذاعة (المرئية أى التلفاز) ، هى الإذاعة (المشاهدة اى المسرح) ، هذا امره معروف ، يدركه الخبراء بالتجربة والأنقياء بالفطرة ، ولا تستسيغه عقول الجهلاء والرعاع..
نفرح بالإذاعة لأننا حققنا أشواق الشهداء الذين روت دمائهم الطريق ، ومضوا لله ، هم اليوم بإذن الله فى حواصل طير خضر ، يا صحاب ، نحن هنا كما كنتم تتمنون..
نفرح بالإذاعة ، لإنه انتصار بتوفيق الله ، تدابير قليلة من البشر ، مع صدق النية وحسن القصد وبركة الدعاء ، على الكثرة..
تسألنى من أنتم: نحن الفرحون ، جيشنا وأمننا وشرطتنا والمستنفرين والاداريين وكل من تعلق قلبه بالوطن وناجز المرتزقة بما يستطيع نفسه وماله ودعاءه وفكره ورايه وقلمه وحزنه وفرحه..
يا هذا نفرح لإن إنتصار الاذاعة هو إكتمال البدر..
الله أكبر
13 مارس 2024م..