د.إدريس ليمان
تَمُرُ الشعوب فى رحلة بحثها عن السعادة والأمن والرفاهية والإستقرار فى مختلف الأزمان بلحظاتٍ فارِقَة فى تأريخها بالإنتصار حِينَاً وبالإنكسار حِينَاً آخر .. وما حدث لأهل السودان صبيحة السبت ١٥ أبريل ٢٠٢٣م لم يكُنْ حدَثَاً عاديَّاً ، بل كان زلزالاً مدمراً ، حيث إستيقظت الخرطوم من معتكفها الذَّى كانت تتهجد فيه والزمان مرحمة تلتمس ليلة القدر بُغية إدراكها ، على أصوات الإنفجارات ودوِّى المدافع ، وهرع الجميع إلى الفضائيات وهواتفهم دون أن يجدوا مساحة للتثاؤب أو أن يفركوا أعينهم ، حيث جاءهم النبأ الأليم بأن مراهقى وصبيان التتار قد أوغلوا فى إستفزاز المؤسسة العسكرية بهجومهم الغادر على قيادتها وقائدها العام .. فما حدث لم يكن حدَثَاً عاديَّاً لامن حيث الطريقة والأسلوب ، أو طريقة القتل والقتال وإنعدام أخلاق الفرسان ، أو من حيث الآثار الناجمة عن ذلك العدوان بالغ الخطورة والتعقيد ، حيث أضحَتْ عاصمتنا المزهوَّة بثورتها ومليونياتها غارقة فى الخوف والرعب من ترسانة الأسلحة التى بيد صبية أحداث يعبدون عجل السامرى الدقلوقراطى وهم عليه عاكفون ..تتحسس ملامحها وتتلمس طريقها خلف سُحُبُ الدخان المتصاعدة من محيط قيادتها العامة ومطارها الدولى وقصرها الجمهورى ، وأماكن مختلفة فى مدنها الثلاث بعد أن عَكَّرت صفوها قوافل الموت والجهل القادمة من الصحارى ومضارب الشتات على ظهور ( التاتشرات ) .. فنجح أولئك الأشقياء إلى حين فى تحويل عاصمة اللاءات من مصدَرٍ للفخر والإلهام إلى جحيمٍ إكتوى بنارها الأبرياء البسطاء إرضاءًا لآلهتهم الدقلوقراطية ، وكان صغار الفاعلين فى المشهد الحزين يمزقون خيوط وأستار الحقيقة الصادقة التى هى كفلق الصبح بغباء سياسى دون الإنتباهة لمآلات الأمور ..!!
وظَلَّ المواطنون يُراقبون من مهاجرهم القسرية يوميّات الحرب التى يعيشون أصدائها يترقبون بيان القائد العام مُبشراً بالنصر ومُعلِناً إنتهاء الحرب ، وتقطَّعتْ أوصالهم وأنفاسهم فى الإنتظار لولا بصيص الأمل الذى تمنحهم إيَّاه تلك الرسائل الإيجابية التى تزيد مساحات الأمل فى أنفسهم وتَشفِى جروح اليأس التى كادت أن تقتل الأمل فيهم .. وممَّا زاد من فجيعة بنى وطنى وهم أهل الشِدَّةُ والبأس وقوعهم ضحايا صيَّاد ماكر إستطاع بالغدر والخِيانة والخِسَّة والنزالة وبكلاب صيده الذين يستثمرون فى القتل والموت أكثر من إستثمارهم فى الحياة والنماء ، أن يقتلوا الأبرياء غيلةً وتعذيباً ، جريرتهم الوحيدة أنهم بلا حكومة تدافع عنهم ، وبلا قيادة حكيمة ولا رشيدة .. لا رأى لها ولا بصيرة ولا برهان .. قيادة ليس لها سبباً لتكون سيئة ، ولا تملك القدرة والإرادة لتكون جيّدة ..!! قيادة مدَّت الحبل السُرِّى للنطفة القذرة التى إلتصقت بجدار رحم القوات المسلحة ليتغذَّى الجنين المشئوم ، ومن ثمَّ أرضعته وإسترضعته فى باديتنا الغربية وأقطعته جبلاً من ذهبٍ عامرٍ ( بالإيمان ) ..!!
سيدى البرهان :
حال حرائر وماجدات شعبك كحال تلك التى عناها الشاعر بقوله :
( وما وَجدُ أَعرابيَّةٍ قَذَفَت بها
صُروفُ النَوى مِن حَيثُ لَم تَكُ ظَنَّتِ ..!!
إِذا ذَكَرَت نَجداً وَطيبَ تُرابِهِ
وَخَيمَةَ نَجدٍ أَعوَلَت وَأَرَنَّتِ
بِأَكثَرَ مِنّي حُرقَةً وَصَبابَةً
إِلى هَضَباتٍ بِاللَوى قَد أَظَلَّتِ
تَمَنَّت أَحاليبُ الرِعاءِ وَخَيمَةً
بِنَجدٍ فَلَم يُقدَر لَها ما تَمَنَّتِ
إِذا ذَكَرَت ماءَ الفَضاءِ وَخَيمَةً
وَبَردِ الضُحى مِن نَحوِ نَجدَ أَرَنَّتِ
لَها أَنَّةٌ قَبلَ العِشاءِ وَأَنَّةٌ
سُحَيرٌ فَلَولا أَنَّتاها لَجُنَّتِ )
سيِّدى البرهان :
إنّ هذا الشعب الوفى الكريم الشجاع يستحقُ منكم قيادةً حازمة وقوة حاسمة لإنهاء هذا التمرد ومسح العار الذى لَحِق بِنا وببلادنا ، فالوطن مُعرَّضٌ لفقد سيادته وبقائه ..!! وممَّنْ ..!!؟ من سفهاء ومراهقى وصبية الأعراب الأغراب ..!! فإن فعلتم وإنتصرتم على يأجوج ومأجوج جنوب الصحراء فلن يكون فى بِزَّتكم العسكرية ويومية الأوسمة والأنواط مُتسَعاً لتعليق المزيد من أوسمة الحب وأنواط ونياشين الوفاء والعرفان من قلوب الشعب السودانى ، وإن لم تفعلوا فستكون أيام حكمكم *لحظات فارغة ساكت ..!! * ففى مزبلة التأريخ مُتسعٌ للجميع .
وفقكم الله وأعانكم وأمدّكم بنصر من عنده .. وحفظ الله بلادنا وأهلها من كُلِّ سوء .