الثقافة المجتمعية لأهل السودان فى تأريخه الطويل تقوم على مبدأ التسامح والعفو ومكارم الأخلاق .. ومن يصون كرامة الإنسان السودانى فقد ملك مفتاح شخصيته وأصبح أسيراً لديه ..
فما الذى حدث لمجتمعنا حتى تختل منظومة الأخلاق والسلوك وتتداعى وتنهار بهذا المستوى الذى لم نعهده من قبل ، لنشهد إفلاساً فى القِيَم المجتمعية وإنتكاسة فى قِيَم المواطنة ..!!؟ فأصبحت وسائل التواصل الإجتماعى ميداناً للنزال الإسفيرى والصراخ المباشر عبر الفيديو برسائل عديمة المحتوى وبائسة المستوى تبلغ الآفاق ويتأثر بها الشباب وتُبنى عليها المواقف ويتم بها تحدى الدولة رغم أنها من نكرة إلى نكرات .. وحقاً لا يَصلُح الناس فوضى لا سَرَاة لهم .. ولا سَرَاة إذا جُهَّالهم سادوا ..!!
فالذى يتسور الحيطان ويتسلق الجدران ويتسلل إلى المنازل ليسرق .. والذى يخطف الهواتف والحقائب من أصحابها أقل خطراً وسوءًا وتأثيراً سالباً على مجتمعنا من الذى يتسكع بين المواقع ويتعَّرض للحرائر ويُسئ للرجال ويشوِّه سيرتهم ، وينسج بكلماته البائسة حديث الإفك وخطاب الكراهية ويعيش فى مجتمع عصرى بمنطقٍ عنصرى .. فمن الذى يخبر أولئك الحمقى أن حرية التعبير تُعد كسباً وطنياً وخياراً إستراتيجياً .. والعاقل هو من يجعلها تُرجماناً للوعى المجتمعى وعنواناً للسعى بالخير بين الناس .
فالشرطة تبذل جُهدها وسعيها لحماية المواطن وتوفير الأمن له ، وهى قادرة على ذلك بما لديها من إرثٍ عظيم .. لكن من الذى يقف مع قِيَمنا ومُثَلنا السودانية الأصيلة التى بدأت تتهاوى بفعل خطاب الكراهية المُتَعمَّد سواءًا كان سياسياً أو إثنيَّاً إن لم تكن الشرطة أيضاً .. والتى كانت طوال تأريخها ولاتزال رائدة فى مجال الإصلاح المجتمعى ولُحمّتُه وسداه .. ففيها وبها تتكامل مكارم الأخلاق ، فيجب عليها قيادةً وقاعدة حماية السودان والحفاظ على أمنه وأمانه ، ونشر الوعى وعدم السماح لأية جهة بالإيقاع والتفرقة بين مكونات المجتمع بإحداث الفتن ، أو تأزيم الأوضاع بما من شأنه إحداث تصدَّعات وتشققات فى جدار الوحدة الوطنية شمالاً وجنوباً ، شرقاً وغرباً ، وأن تنادى بنداء المساواة الذى يظل دستوراً يحكم علاقة المجتمعات المحلية بتنوعها ، وقرآناً يُتلى ويُتعبَّد به إلى قيام الساعة : ( يأيها الناس إنَّا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) .. فالإستثمار فى تنمية الوعى أصبح مطلباً مُلِحَّاً وصمام أمان لمجتمعنا السودانى لا سيما فى هذه المرحلة بعد الثورة لحين مَيسَرة سياسية وأمنية وإقتصادية حتى لانرى فصلاً آخر من فصول ظلم الإنسان السودانى لأخيه السودانى كما حدث فى بعض ولايات السودان .. ولمّا كان أهل الجاهلية فى جاهليتهم أكثر وعيَّاً بأهمية التماسك المجتمعى أنشأوا حلفاً وميثاقاً إنسانياً تنادت فيه المشاعر الإنسانية لرفع ظلم الإنسان لأخيه الإنسان والدفاع عن الحق ..!! ولمَّا كانت الوحدة الوطنية بمفهومها الجامع هى آكد الركائز لبناء الدولة السودانية كما نودُّ أن تكون .. ولمَّا كانت الأزمات هى الإختبار لإرادة الدولة وحسن إدارتها .. !! فعلى منظمات المجتمع المدنى وقادة الرأى وحَمَلة الأقلام فضلاً عن أهل السياسة والإعلام العمل على إنشاء حِلفٍ للفضول ( بنسخته العصرية ) لتنمية الوعى المجتمعى ، فإن لم يفعلوا فسيلتجئ أهل السودان للهجرة للآخر لإشباع الحاجات وسد غائلة الفقر والتنفس بنسمات الحياة ، والتنعم بالآفاق الرحبة من الحظوظ المتاحة للجميع .. ( وليس جارتنا الشمالية عننا ببعيد ) .. فإن كان الآخرون يملكون ترسانة من البُنى التحتية المُشيّدة والبُنى التى تُهيأ لأجيالهم القادمة فإننا نملك ( كنوز محبة ) ووطناً جميلاً بقدر قساوتنا معطاء
نسأل الله أن يحفظ بلادنا وأهلها من كل سوء .
الإثنين ١ أغسطس ٢٠٢٢م *