
kameir@yahoo.com
تورونتو، 3 أكتوبر 2025
اشرككم معي في مقال مقتضب تم نشره في نوفمبر 2022، قبل اندلاع الحرب بستة أشهر، بعنوان “اختلط الحابل بالنابل: حركة عسكرية معاش“.
ما استدعى هذا المقال القديم إلى الذاكرة هو ما شاهدته وسمعته من القيادي السياسي، محمد سيد أحمد الجكومي، عن اعلانه بتشكيل تنظيم مسلح،
قوامه عشرات الآلاف من الأفراد، بل وسماه قوة دفاع السودان، بالتنسيق مع درع السودان بقيادة أبو عاقلة كيكل. للمفارقة، صرح الجكومي أنه اختار الإسم التاريخي لنشأة القوات المسلحة السودانية، عن قصد وعمد.
لم يصدر اي بيان أو تصريح من الحكومة أو المجلس السيادي، أو من القوات المسلحة، في هذا الشأن وكأنما الإعلان عن الميليشيات أصبح أمرا عاديا لا يثير هاجس أو توجس. بينما، على الأقل، تم اعتقال العميد الصوارمي خالد، ولو لأسبوع واحد، بعد ساعات من إعلانه تشكيل قوة مسلحة من متقاعدي الجيش، في 13 نوفمبر 2022.
إن توسل السياسيون للسلطة عبر التقرب من الجيش بذريعة دعم القوات المسلحة، أو من مليشيا الدعم السريع بالدخول في تحالفات سياسية، سيفاقم أزمه الحرب ويهدد تماسك مؤسسات الدولة.
يبدو أن الحابل بالنابل قد زاد اختلاطا، وعمت الفوضى دون رقيب أو حسيب!
_______
اختلط الحابل بالنابل: حركة عسكرية معاش!!
منذ توقيع اتفاقية جوبا للسلام، في أكتوبر 2020، وبالرغم من تأييد قطاعات واسعة لها محليا واقليميا ودوليا، إلا أنها أيضا لم تجد القبول لدى بعض القوى السياسية والمجتمعية السودانية. وما أن تم تصنيف الحركات المسلحة الموقعة على الاتفاقية بدعمها لانقلاب فض الشراكة في 25 أكتوبر 2021، حتى زادت حدة الخطاب ضد الاتفاقية واطرافها وارتفعت الأصوات المطالبة إلغائها أو مراجعة وتعديل أحكامها.
العنوان الرئيس للرافضين هو أن الاتفاقية بمثابة مكافاة لكل من يحمل سلاحا، وعطاء من لا يملك لمن لا يستحق. سببان يقفا وراء هذا الرفض، أولهما: أن الحركات المسلحة الموقعة عليها لا تملك قاعدة اجتماعية معبرة عن إقليم دارفور، وثانيهما: أن شرق وشمال ووسط السودان لا مكان لهم من الإعراب في الاتفاقية، بل تم اقحامها لاستيعاب المدنيين المتحالفين مع الحركات، خاصة ابتداع مساري الشمال والوسط.
بعد الشعور بالاقصاء والتنمر ضدهم، لاحظت حراكا مشهودا في المنصات الإعلامية والاسفيرية لزعيمي مساري الوسط والشمال لاتفاقية جوبا للسلام، الأستاذين التوم هجو ومحمد سيد أحمد (جكومي). فقد قدما دفعوعاتهما القائمة على حجتين رئيسيتين، أولهما: بالرغم من عدم حملهم للسلاح، إلا أنهما من المؤسسين للجهة الثورية منذ ميلادها في 2012. وثانيهما: بقيادتهما لمساري الشمال والوسط لم يكن الهدف قسمة السلطة، بل أن اتفاق المسارين لم يتضمن غير مكاسب تنموية ونهضوية لأهل الإقليمين. وربما الأهم، أن قيادات مساري الوسط والشمال لا تدعي احتكار قيادة المسارين، إنما هم فقط مبادرون من اجل الدعوة لانصاف، وتثبيت حقوق، أهل الشمال والوسط بالعدل والمساواة مع اقاليم السودان الأخرى.
وبالتزامن مع، وكأنما هي ردة فعل، للجدل المحتدم حول اتفاقية جوبا للسلام، من جهة، ووضع ومساري الوسط والشمال، من جهة أخرى، أعلنت مجموعة من الضباط المتقاعدين عن إنشاء تنظيم عسكري- سياسي أطلقوا عليه اسم قوات كيان الوطن، يطالب بإلغاء هذه الاتفاقية. يهدف الكيان إلى خلق توازن للقوى الدارفورية التي وصل عدد الحركات المسلحة فيه رقما يصعب حصره، على حد تعبير بيان صادر عن المجموعة العسكرية، في 14 نوفمبر الجاري. وبنص نفس البيان أن كيان الوطن يمثل الأغلبية الصامتة في شمال ووسط وشرق السودان.
فهكذا، لكيان الوطن قوات خاصة تحت مسمى قوات حماة الوسط لخلق توازن عسكري للأقاليم (الولايات) في شمال ووسط وشرق ، التي كونت لها قوات مقاتلة تمكنت عبرها على استلام مناصب عليا بالدولة على حد قول العميد معاش الصوارمي خالد سعد. وكأنما لسان حال قائد قوات كيان الوطن يقول لقيادات مسارات الوسط والشمال والشرق ها نحن بقواتنا قادرون على انتزاع حقوق أهالي هذه المناطق في السلطة والثروة، وهذا ما عجزتم عن تحقيقه بواسطة اتفاق جوبا للسلام لا لسبب غير انكم لا تحملون سلاحا أو لديكم قوات!.
من غراءيب المشهد، وعجاءيب الفعل السياسي، أن نشهد مؤتمرا صحفيا ل حركة عسكرية يقودها ضباط متقاعدون. فهل الأمر معد مسبقا وله أصابع داخل القوات المسلحة، مما قد يكون له شأن عظيم في، وأثر وخيم على مستقبل البلاد؟ (خاصة وأن قادة قوات كيان الوطن أكدوا أن لديهم قوات منتشرة في كل ارجاء السودان). أم أنه كيان الوطن مجرد حركة سياسية/مسلحة معاش، تسعى لنصيب من السلطة تكمل به مطالب قيادات مساري الشمال والوسط؟
في كل الأحوال، يظل رئيس مجلس السيادة، وكل أجهزة الدولة المعنية، مسؤولا عن كشف حقيقة هذا الكيان المريب عبر مخاطبة مباشرة للشعب السوداني. أم حقا اختلط الحابل بالنابل؟
(الواثق كمير، سودانايل، 16 نوفمبر 2022)