✍️ محمد شريف ابو داؤود
لم أجد مدخلا لـ (فوجنتوني) ، رائعة شاعرنا الفحل جلال عمر قرجه إلا قصيدة (عصفورتان في الحجاز) لأمير الشعراء أحمد
د شوقي فقد أجرى أمير الشعراء حواراً جميلاً شيقاً بين عصفورتين حدد مسكنهما بالحجاز وريح لا يستقر على حال آتٍ من اليمن سرى على عشهما ووجدهما في حالة يرثى لها من البؤس والشقاء وسوء الحال ووصفهما بالدرتين ومسكنهما بالوعاء الممتهن , الذي لا يليق بهما . وقدم لهما عرضاً بأن يقلّهما إلى اليمن ,حيث الرخاء ورغد العيش . وأبدع شوقي في وصف اليمن وجناتها وحسنها وكيف أن الحَب فيها سكرٌ والماءُ شهدٌ ولبن ، ولكنه فوجئ بتمسك العصفورتين بوطنهما , معطيانه بذلك درساً بليغاً في حُب الأوطان رغم البؤس والشقاء, فلا شيء يعدل الوطن :
عصفورتان في الحجازِ حلتا على فنن
في خامل من الرِياضِ لا ند ولا حسن
بينا هما تنتجيان سحراً على الغصن
مـر على أَيكهما ريح سرى من اليمن
حـيا وقال: “درتان في وِعاء ممتهن”
لقد رأيت حول صنعاء وفي ظل عدن
خمائــلاً كأنــها بقيــة مــن ذي يــزن
الحــَب فيــها سكــر والمـاء شهد ولبن
لـم يرها الطير ولـم يسمع بها إِلّا افتتن
هيـا اِركـباني نأتـها في ساعة من الزمن
قالـت لـه إِحداهمـا والطـير منهن الفـطن
يا ريح أنت ابن السبيل ما عرفت ما السكن
هـب جنـة الخلد اليمن لا شـيء يعـدل الوطن
هذا ما كان من أمر أمير شعراء العرب أحمد شوقي, ترى ما كان من أمر أمير شعراء النوبة جلال عمر في رائعته (فوجنتوني) ؟
تلك القصيدة التي تذخر بالحكم والعبر والمواقف النبيلة, محلقة بنا بعيداً في فضاء الوفاء والتأمل والإبداع .
ϣⲁⲣⲕⲁⲛⲇⲓⲣⲉ ⲓⲛ ⲫⲟ̄ⳝⲁⲛⲧⲟⲛⲓ
ⲅⲁⲥⲟⲩ ⲱⲉ̄ⲣ ⲧⲉ ⲇⲁ̄ⲛ ⲱⲁⲗⲗⲁ ⲓⲣⲕⲟⲛⲓ
ⳝⲟ̅ⲩ̅ⲃⲟⲩⲛ ⲧⲟⲩⲱⲁ ⲟⲗⲅⲟⲛ ⲅⲉⲛⲓⲛ
ⲙⲓⲛⲇⲉ ⲁⲛ ⲇⲟⲅⲟ̄ⲣ ⲓⲣⲥⲉⲛ ⲅⲉⲛⲓⲛ
ⲙⲁⲛ ⲱⲁ̄ⲓ̈ ⲛⲟⲩⲅⲁⲣⲙⲟⲩⲛ ⲧⲓⲛ ⲛⲟⲩⲅⲁⲣ
ⲕⲁⲗⲗⲁⲛⲅⲓ ⲕⲟ̄ⲙⲟⲩⲛ ⲅⲉ̄ⲥⲛ ⲁⲅⲁⲣ
ⲱⲁⲗⲁ ⲕⲁⲣⲃⲓⲣⲁⲛ ⲇⲁ̄ⲙⲟⲩⲛ ⲧⲁⲅⲁⲣ
ⲅⲟ̅ⲩ̅ ⲥⲟ̅ⲩ̅ⲇⲓⲣ ⲟⲥⲥⲓⲛϭⲓⲅⲓ ⳝⲁⲅⲁⲣ
ⲛⲟ̅ⲩ̅ⲣⲁⳝⲕⲟⲩ ⲧⲟⲩⲕⲕⲓⲇⲕⲟⲩⲛ ⲇⲁⲃⲁⲣ
ⲱⲉ̄ⲣⲁⲙⲙⲟⲩⲛ ⲁⲇⲇⲟ ⲁ̄ⲱⲥⲓⲛ ⲕⲉⲥⲁⲣ
ⲁ̄ⲅ ⲃⲉ̄ⲣⲕⲟⲣⲟⲩ ⲁⲣ ⲙⲁⲥⲕⲓⲣ ⲙⲁⲣⲉⲣ
ⲁ̄ⲅ ⲅⲟⳡⲕⲟⲣⲟⲩ ⲁⲛ ⲕⲉ̄ⲛⲧⲁⲅⲓ ϩⲉⲅⲉⲣ
ⲅⲟⲅⲗⲁ̄ⲇⲉ ⲱⲉ̄ⲣ ⲇⲁ̄ⲙⲟⲩⲛ ⲕⲟⲩⲇⲉⲣ
ⲧⲓⲛ ⲧⲓ̄ⲛϭⲓ ⲧⲉ̄ⲃⲓⲣⲁⲛ ⲁⲣⲃⲟⲩⲇⲉⲣ
ⲇⲟⲩⲗⲗⲟ ⲁⲛⲕⲟⲛ ⲁⲛⲇⲁ̄ⲣ ⲁⲛⲛ ⲁⲅⲁⲣ
ⲙⲁ̄ⲣⲟⲥ ⲙⲉⲛ ⲓⲙⲃⲉⲗ ⲃⲉⲗⲕⲟⲣⲟⲩ ⲁⲣ
ⲫⲓⲣⲣⲓ ⲓⲛⲇⲟ ⲧⲁ̄ⲕⲓⲣⲟⲩ ⲅⲟⲛ ϩⲁⲧⲁⲣ
ⲟⲩⲣⲟⲩ ⲟⲩⲙⲃⲟⲩⲇⲟⲩⲛ ⲇⲁ̄ⲙⲟⲩⲛ ⲙⲓⲧⲁⲣ
ⲉⲥⲥⲓ ⲉⲥⲥⲓⲣⲓⲣ ⲇⲉⲥⲕⲟⲛ ⲫⲁⲅⲁⲣ
ⲧⲓⲛ ⲕⲁⲗⲅⲓⲇ ⲁⲛ ⲅⲟⲛ ⲃⲟ̅ⲩ̅ⲛ ⲙⲓⲥⲁⲣ
ⲧⲟⲛⲓ ⲱⲉ̄ⲣⲓ ⲇⲓⲅ ⲃⲟ̅ⲩ̅ⲣⲁⲛ ⲥⲁⲣⲁⲣ
ⲙⲓⲛⲇⲉ ⲁⲙⲙⲁ ⲥⲟ̅ⲩ̅ⲇⲟⲩⲛ ⲧⲓⲛ ⲥⲁⲅⲁⲣ
ϣⲟ̅ⲩ̅ⲅ ⲕⲓⲧⲧⲉⲅⲓ ⲇⲁ̄ⲛ ⲟⲣⲣⲓⲣ ⲕⲟⲣⲓⳝ
ⲃⲟ̄ⲃ ⲱⲉ̄ⲣⲕⲓ ⲕⲟⲃⲙⲟⲩⲛ ⲇⲓⳝ ⲅⲟⲣⲓⳝ
ⲕⲟⲩⳝ ⲃⲟ̅ⲩ̅ⲛ ⲟⲩⲣⲓⲣ ⲙⲓ̄ⳡⲓⲛ ⲕⲁⲣⲓⳝ
ⲛⲟ̄ⲣⲟⲅⲓ ⲅⲟⲗⲓϭϭⲓⲛ ⲧⲓⲛ ⲃⲁⲣⲓⳝ
ⲓⲙⲃⲉⲗ ⲃⲓⲇⲁ̄ⲱⲉ ⲓⲛ ⲉ̄ⲛ ⲟⲅⲓⳝ
ⳝⲟⲩ ⲓⲛⲛⲟ̅ⲩ̅ⲛ ⲕⲟⲗⲉⲣ ⲃⲉⲛⲧⲓⲅⲓ ϣⲉⲅⲓⳝ
ⲧⲉ̄ⲣ ⲱⲁⲇⲇⲓ ⲇⲉ̄ⲅ ⲟⲩⲥⲕⲓⲇⲇⲓ ⲉⲅⲓⳝ
ϣⲉ̄ⲃ ⲅⲁⲕⲕⲓⲛ ⲉ̄ⲣ ⲁϣⲙⲁⲅⲓ ⲥⲁⲃⲓⳝ
ϩⲁⲙⲃⲁⲣⲧⲉⲅⲓ ⲓ̄ⲣ ⲅⲉⲓ̈ⲓ̈ⲁ̄ⲇⲕⲓ ⲧⲓⳝ
ⲕⲁϣⲁⲱⲓ̄ⲗⲓⲅⲓ ⲉⲛ ϩⲉ̄ⲗⲁⲣ ⲥⲟⲗⲓⳝ
ⲉⲛ ⲫⲟⲩⲛⲛⲁⲅⲓ ⲁ̄ⲱ ⲁⲣⲅⲉⲇ ⲛⲁⲗⲓⳝ
ⲱⲉⲗⲗⲉⲛ ⲧⲟⲕⲟϭϭⲉⲅⲓ ⲓⲱⲓⲥ ⲧⲟⲕⲓⳝ
ⲟⲩⲅⲣⲉ̄ⲥⲕⲓ ⲧⲁⲕ ϩⲁ̄ⲱ ⲁⲣⲣⲟ ⲧⲓⳝ
ϣⲁ̄ⲣⲉⲅⲓ ⲕⲟⲣⲓⲅⲓ ⲧⲟ̄ⲅ ⲃⲁ̄ⲛ ⲱⲁⲣⲓⳝ
ⲉⲣ ⲱⲟ̄ ⲁⲣⲓ̄ⳝ ⲕⲁ̄ⲃⲇⲓⲅⲓ ⳝⲟⲩ ⲟⲃⲓⳝ
ⲫⲟⲩⲕⲕⲁⲛϭⲓⲅⲓ ⲟⲩⲣⲕⲉⲇ ⲕⲁⲥ ⲧⲓⲃⲓⳝ
ⲕⲉⲣⲕⲉⲇⲇⲓ ⲇⲟ̅ⲩ̅ⲗ ⲅⲓⲣⲣⲓ ⲙⲉⲣⲓⳝ
ϩⲁⲣⲣⲟⲅⲓ ⲅⲁⲅⲓϣ ⲕⲟⲣⲥⲉⲅⲓ ⲃⲁⲥⲓⳝ
ⲉⲛ ⲃⲓⲣⲇⲓⲅⲓ ⲟⲩⲣⲣⲓ ⲛⲓⲃⲓⲇⲧⲓ ⲁⲱⲓⳝ
ⲱⲉⲇ ⳝⲟ̅ⲩ̅ⲇ ⲃⲓⲃⲓⲣ ⲃⲉⲕⲕⲓⲇⲕⲓ ⲛⲓⳝ
ⲃⲓϭϭⲉⲅⲓ ⲕⲟⲣⲟⲇ ⲥⲉ̄ⲱ ⲥⲟⲕⲕⲉ ⲃⲓⳝ
ⲓ̄ⲅⲕⲓ ⲉⲣⲣⲉⲇ ⲓϭϭⲓ̄ⲛⲓⲅⲓ ⲃⲉⲣⲓⳝ
ⲟⲅⲓⳝⲟⲱⲱⲁ ⲉⲣ ⲓⲛ ⲃⲉⲥⲃⲟ̅ⲩ̅ⲥⲁⲅⲓ ⲓ̄ⲱ
ϩⲁⲙⲃⲟⲩⲅⲓ ⳝⲟⲩ ⲅⲟ̄ⲣ ⲓϭϭⲓⲅⲓ ⳝⲟⲩ ⲅⲓ̄ⲱ
ⲉ̄ⲱ ⲃⲁ̄ⳝ ⲅⲉⲣⲉ̄ ⲟⲩⲣⲧⲓⲛϭⲓⲅⲓ ⲓ̄ⲱ
ⲅⲁⲗⲗⲟⲅⲓ ⳝⲟⲩ ⲥⲟ̄ⲇⲓⲣⲟⲩ ⲃⲓ ⲇⲟ̅ⲩ̅ⲣⲓⲛ ⲓ̄ⲱ
ϩⲉ̄ⲗⲁⲣ ⲕⲟⲩⳝⲉ̄ⲅ ⲓⲣⲓⲅⲓ ⲁ̄ⲣ ⲱⲁⲗⲁⳟ
ϣⲟ̅ⲩ̅ⲅ ϩⲁⲛⲟⲩⲱⲓⲅⲓ ⲁⲅⲁⲱⲓⲣ ⳝⲓ̄ⲃ ⲁⲗⲁⳟ
ⲛⲟ̅ⲩ̅ⲣ ⲇⲟⲩⲕⲕⲓ ⲃⲓⳝⳝⲉⲅⲓ ⲕⲁ̄ⲱ ⲟⲗⲟⳟ
ⲥⲓⲗⲗⲟ̄ⲇ ⲃⲟⲩⲥⲟⲩⲅ ⲇⲟ̅ⲩ̅ⲗⲅⲓ ⲁ̄ⲥ ϣⲟⲗⲟⳟ
ⲟⲩⲛ ⲓⲣ ⲓⲛⲕⲉ ⲫⲟ̄ⳝⲁ ⲓⲣ ⲙⲓⲛⲅⲓ ⲃⲓ ⲉⲗⲗⲟⲩ
ⲕⲟⳡⲁ̄ⲗⲗⲟ ⲥⲟ̅ⲩ̅ⲇⲓⲣ ⲧⲉ ⲓⲣ ⲃⲓ ⲃⲉⲗⲗⲟ
ⲓⲣ ⲃⲉ̄ⲣⲣⲟⲩ ⲃⲁ̄ⲇ ⲁⲣ ⲅⲟⲛ ⲃⲓ ⲕⲁⲗⲗⲟⲩ
ⲃⲓ ⳝⲁⲙⲙⲉ ⲧⲉ̄ⲅ ⲉ̄ⲅⲓⲗⲅⲓ ⲛⲁⲗⲗⲟⲩ
ⳝⲁⲅⲁⲇ ⲕⲟⲅⲟⲣ ⲱⲉⲣⲱⲉ̄ⲕⲓ ⲧⲁⲙⲁⲗⲗⲟⲩ
ⲟ̄ ⲱⲉ̄ⲣⲁⲛⲟⲅⲓ ⲧⲁ̄ⲗⲅⲓ ⲁⲣ ⲛⲉⲅⲉⲗⲗⲟⲩ
طيور نوبية:
فكما أسلفنا بأن شاعرنا قد تطرق لكل ضروب الشعر , فهاهو يتحفنا بقصيدة عصماء أقل ما يقال عنها أنها من عيون الشعر النوبي ودرةٌ من الدرر ، فشاعرنا كان يقف على شاطئ البحر الأحمر بمدينة بورتسودان وبينما هو غارق في همومه يرنو ببصره محدقاً في الفضاء البعيد صوب الغرب, حيث الديار الحبيبة وحيث الأهل والأحبة فإذا بمجموعة من الطيور تدنو رويدا رويدا وتحطُّ بجانبه ، يبدو عليها العناء ووعثاء السفر .
يا للهول!! إنه يعرفها تماماً ، إنها من تلك الديار الحبيبة، إنها هي, ولكن ما خطبها ، يبدو أن أمراً جللاً قد حدث.. ترى ماذا ؟!! فطيورنا ليست كسائر الطيور تهاجر صيفاً لتعود شتاء , ولكنها قد طاب لها المقام بجوار النيل فاستوطنت الديار لا تفارقها أبداً ، نعم إنها طيورنا التي لا تخطئها العين..ترى هل ساقتها الأقدار وحملتها الرياح مصادفة, حيث كان الشاعر ؟ !! أم أتت قاصدة الشاعر ؟!! .. وما هو ذلك الأمر الخطير الذي جعلها تترك وطنها و تيمم صوب البحر في هجرةٍ جماعيةٍ و في ذلك السرب المكون من كل أنواع الطيور وليس فصيلاً واحداً ولا نوعاً واحداً ؟!!
ومعلوم أن الطيور لا تجتمع كلها على صعيد واحد , الجارحة منها وغير الجارحة وحتى الداجنة إلا لأمر جلل وهذه حقيقة ؛ و مثال لذلك إذا ما رأت الطيور طائر البوم نهاراً تجتمع كلها في تظاهرة فريدة وتبدأ بمطاردته حتى تسقطه أرضاً و توسعه ضرباً ونقراً حتى يفارق الحياة ، ثم بعد ذلك يتفرق الجمع في منظر رأيته بأم عيني مرات عديدة , يا له من عالمٍ عجيب!! .
أرأيتم إذاً، وراء الأكمةِ ما وراءها , وبمجرد أن أفـاق شاعرنا من ذهوله واستعاد توازنه حتى دخل مع تلك الطيور في حوار رائع لا يقل روعة عن حوار شوقي مع عصفورتيه إن لم يكن أجمل منه وأعمق معنى :
شركي أندري فوجنتوني قسو وير تي دان ولا إركوني
ϣⲁⲣⲕⲉⲛⲇⲉⲣⲓ ⲓⲛ ⲫⲟ̄ⳝⲁⲛⲧⲟⲛⲓ
ⲅⲁⲥⲟ ⲩⲱⲉ̄ⲣ ⲧⲉ ⲇⲁ̄ⲛ ⲱⲁⲗⲗⲁ ⲓⲣⲕⲟⲛⲓ
يبتدرها شاعرنا بصوت هامس مبحوح وقد عقدت الدهشة لسانه ؛ قائلاً: ما بكم وماذا دهاكم وما الذي جعلكم تتركون أرضكم ودياركم بهذه الطريقة الغريبة ؟! أم أنكم أتيتم هكذا بغرض السياحة والترويح عن النفس؟
استهلالية جميلة لقصيدة رائعة ؛ فكلمة (إركوني- ⲓⲣⲕⲟⲛⲓ) تحمل في طياتها الكثير وتعني هكذا دونما سبب واستخدم كلمة (قسو- ⲅⲁⲥⲟ) التي لا تستعمل عادة إلا في الأمور غير المحببة والموقف استدعى ذلك وإلا لقال (مندو-ⲙⲉⲛⲇⲟ) بدلاً عن (قسو- ⲅⲁⲥⲟ):
جوبون توا القون قون قني مندى اندقور ارسـن قني
ⳝⲟ̅ⲩ̅ⲃⲟⲩⲛ ⲧⲟⲩⲱⲁ ⲟⲗⲅⲟⲛⲅ ⲉⲛⲓ
ⲙⲓⲛⲇⲉ ⲁⲛ ⲇⲟⲅⲟ̄ⲣ ⲓⲣⲥⲉⲛ ⲅⲉⲛⲓⲛ
فتجيب الطيور: عن أي ترويح تتحدث شاعرنا الجليل؟ نحن فقط الطليعة وما زالت الأسراب خلفنا تتلاحق, سرب وراء الآخر ولم يبق أحد إلا وشد الرحال ، فيقول الشاعر : ما بالكم وأنا الذي كنت أعتقد أنكم معشر الطيور أفضل منا وأيسر حالاً. فنحن قد اضطررنا إلى ترك أوطاننا بعد أن تكالبت علينا الظروف من ضيق في الأراضي ونقص في الخدمات وأعباء الحياة المتزايدة التي أرهقتنا , فاستحال معها العيش مما دعانا إلى ترك الأوطان مُكْـرهين , ضاربين في أرض الله الواسعة طالبين الرزق، فأنتم معشر الطيور لستم مثلنا، أنتم أكثر منا صبراً وإيمانا، ترضون بالقليل متوكلين على الله, تخرجون خماصاً وتعودون بطاناً في توكلٍ نادر . فلا أدري سبباً لخروجكم الجماعي هذا.
من واي نقرمون تن نقر كلنقي كومون قيـس نقر
ولا كربرن دامون تقر قـو سودر اوسنجقي جقر
نورجكو تـوكيدتون دبر ويرمون ادو اوسن كسر
آقي بيـركورو ار مسكر مرر آقي قونجكورو ان كينتر هقر
قـوقـلادي ويـر دامون كودر تن تينجي تيبرن أربودر
دولن انكو أندار أن أقر مارو من إمبل بلكـورو
ⲙⲁⲛ ⲱⲁ̄ⲓ̈ ⲛⲟⲩⲅⲁⲣⲙⲟⲩⲛ ⲧⲓⲛ ⲛⲟⲩⲅⲁⲣ
ⲕⲁⲗⲗⲁⲛⲅⲓ ⲕⲟ̄ⲙⲟⲩⲛ ⲅⲉ̄ⲥⲛ ⲁⲅⲁⲣ
ⲱⲁⲗⲁ ⲕⲁⲣⲃⲓⲣⲁⲛ ⲇⲁ̄ⲙⲟⲩⲛ ⲧⲁⲅⲁⲣ
ⲅⲟ̅ⲩ̅ ⲥⲟ̅ⲩ̅ⲇⲓⲣ ⲟⲥⲥⲓⲛϭⲓⲅⲓ ⳝⲁⲅⲁⲣ
ⲛⲟ̅ⲩ̅ⲣⲁⳝⲕⲟⲩ ⲧⲟⲩⲕⲕⲓⲇⲧⲟⲩⲛ ⲇⲁⲃⲁⲣ
ⲱⲉ̄ⲣⲁⲙⲙⲟⲩⲛ ⲁⲇⲇⲟ ⲁ̄ⲱⲥⲓⲛ ⲕⲉⲥⲁⲣ
ⲁ̄ⲅ ⲃⲉ̄ⲣⲕⲟⲣⲟⲩ ⲁⲣ ⲙⲁⲥⲕⲓⲣ ⲙⲁⲣⲉⲣ
ⲁ̄ⲅ ⲅⲟⳡⲕⲟⲣⲟ ⲁⲛ ⲕⲉ̄ⲛⲧⲁⲅⲓ ϩⲁⲅⲁⲣ
ⲅⲟⲅⲗⲁ̄ⲇⲉ ⲱⲉ̄ⲣ ⲇⲁ̄ⲙⲟⲩⲛ ⲕⲟⲩⲇⲉⲣ
ⲧⲓⲛ ⲧⲓ̄ⲛϭⲓ ⲧⲉ̄ⲃⲓⲣⲁⲛ ⲁⲣⲃⲟⲩⲇⲉⲣ
ⲇⲟⲩⲗⲗⲁⲛⲕⲟⲛ ⲁⲛ ⲇⲁ̄ⲣ ⲁⲛ ⲁⲅⲁⲣ
ⲙⲁ̄ⲣⲟⲅⲓ ⲙⲉⲛ ⲓⲙⲃⲉⲗ ⲃⲉⲗⲕⲟⲣⲟ ⲁⲣ
الطيور تحتج:
فتجيبه الطيور بحسرة بأن الأمر ليس كما كان في السابق قائلةً : بعد أن هجرتم الديار وآثرتم الاغتراب والهجرة وتركتم الزراعة مهنة آبائكم ، ساءت الأحوال فأصابنا ما أصابنا من شظف العيش وسوء الحال حتى لا نجد ما نقتات به , فالبيوت خاوية على عروشها و الأرض أصابها البوار فتشققت حتى أن مجرد المشي عليها أصبح من الصعوبة بمكان, واختفت الخضرة والزراعة فلا وجود للـ(تقا ⲧⲁⲅⲁ) وهي قطعة الأرض التي تعد لدرس المحصول وآلة (النورج) أي الحصّادة عنوان الرخاء والحصاد , فكيف الصبر والعيش والاحتمال؟ أي بؤس هذا الذي تركتمونا فيه !!
فكأنما يريد شاعرنا إيصال رسالة مفادها أن الإنسان النوبي أصبح غير مبالٍ بأرضه ووطنه ,وتمسك بالهجرة, محذراً إيانا من التمادي في ذلك ؛ مما سيترتب عليه عواقب وخيمة من انتشار للفقر وتغيير في التركيبة السكانية و التي بدأت تطل برأسها ، والإنسان النوبي قيمته تتجلى في تمسكه بأرضه ونيله وحضارته وآثاره الشاخصة منها والتي تحت التراب.
وفي هذه القصيدة كثير من الكلمات سيجد القارئ صعوبة في فهمها لأنها اختفت من قاموسنا ,وهي في الغالب كانت مرتبطة بالزراعة وبأدواتها وهي قـلّما تستخدم الآن.
شرح بعض الكلمات:
تقا ⲧⲁⲅⲁ-: قطعة أرض صلبة تخصص لدرس المحصول
كربيⲕⲁⲣⲃⲓ- : عملية حفر الأرض للحصول على ما دفن فيها من غلال أثناء درس المحصول .
و ترسل الطيور الآهات متحسرة على تلك الأيام الخوالي عندما كانت تشبع في مزارع الذرة محلقة حولها و تبني أعشاشها فوقها.
وتقول الطيور أين نحن من تلك الأيام حيث كانت مرابط الأبقار (كودي ⲕⲟⲩⲇⲉ-) مليئة بالقصب والعشب والعلف وكل الخيرات والآن تبحث فيها عن القطع الصغيرة من القصب (قوقلادهⲅⲟⲅⲗⲁ̄ⲇⲉ- ) فلا تجد لها أثراً, حيث إن أبقارهم مربوطة في أرض جرداء (أربودر- ⲁⲣⲃⲟⲩⲇⲉⲣ).
أبدع شاعرنا أيما إبداع في وصف ما أصابها من سوء في الحال وصفاً دقيقاً لم يترك فيه شاردة ولا واردة .
تقول الطيور : هل أدركت أيها الشاعر أننا لم نتخذ هذا القرار الخطير بمغادرة الديار والأحباب متكبدين مشاق ومخاطر الرحلة إلا بعد أن بلغ السيل الزبى, فتجشمنا الصعاب وأنت تعلم أننا لا نملك زاداً , باحثين عنكم علّـنا نعثر عليكم ونثنيكم عما أنتم فيه, علّكم تعودون معنا ونعيد تلك الأيام الجميلة.
فري إندو تاكرو كون هتر أورو أومبودون دامون متر
اسي اسرر دسكون فقر تن كلقدن قون بون مسر
ⲫⲓⲣⲣⲓ ⲓⲛⲇⲟ ⲧⲁ̄ⲕⲓⲣⲟⲩⲅⲟⲛ ϩⲁⲧⲁⲣ
ⲟⲩⲣⲟⲩ ⲟⲩⲙⲃⲟⲩⲇⲟⲩⲛ ⲇⲁ̄ⲙⲟⲩⲛ ⲙⲓⲧⲁⲣ
ⲉⲥⲥⲓ ⲉⲥⲥⲓⲣⲓⲣ ⲇⲉⲥⲕⲟⲛ ⲫⲁⲅⲁⲣ
ⲧⲓⲛ ⲕⲁⲗⲅⲓ ⲇⲁⲛⲅⲟⲛ ⲃⲟ̅ⲩ̅ⲛ ⲙⲓⲥⲁⲣ
تقول الطيور وشاعرنا ينصت باهتمام شديد: ليتنا وبعد كل هذا الرهق والمخاطر وجدناكم كما كنا نعتقد في رغد من العيش , فبحركم ملح أُجاج لا نرى خضرة ولا نهراً ولا أثراً للـ(مترات) فكيف ترضون بمثل هذه الحياة ؟.
فيقيني بأن تلك الطيور اصطدمت بواقع آخر لا يقل مرارةً عن واقعهم فحتى مياه الشرب ليست متاحة كما عندها في الجداول والأنهار,فهي في قوارير (اسرر ⲉⲥⲥⲓⲣⲓⲣ-) وأيضاً الزيت والسمن في أكياس من البلاستيك (فقاⲫⲁⲅⲁ-) أما الطعام فحدث ولا حرج ,فلا }قراصة{ ( نوع من الخبز النوبي ) تسر الناظرين وتشبع الجائعين, بل رغيف من الخبز بالكاد يسد الرمق ، فأي هوان هذا الذي أنتم فيه, فمالكم كيف تحكمون؟!!
ففي كل مرة يزيدنا أمير شعرائنا جلال عمر يقينا بأن هذه اللغة من المرونة بمكان بحيث يمكنك التعبير بها كيفما شئت ، غير متعللين بقلة المفردات التي نتجت من هجرها , فلشاعرنا مقدرة عجيبة على تطويع هذه اللغة ومفرداتها، فهو صاحب مدرسة جديرة بالاقتداء انظروا كيف استخدم كلمة ّ (اسّر ⲉⲥⲥⲓⲣ-) بمعني قارورة أو زجاجة واستعار كلمة (مسرⲙⲓⲥⲁⲣ-) للرغيف الطوست والتي تعني قطعة الخشب التي توضع في نهاية الـ( اسلانق -ⲓⲥⲗⲁⳟ) من الجانبين, و الــ(اسلانق-ⲓⲥⲗⲁⳟ) هو ذلك العود الخشبي الذي يوضع على رقبتي الثورين اللذين يجرّان الساقية أو المحراث ، وهذه دعوة للغوص في أعماق هذه اللغة واستخراج كنوزها. ومن إخراجات شاعرنا الجميلة كلمة (فقا- ⲫⲁⲅⲁ) وهي المشيمة (التبيعة) فاستخدمها لكيس البلاستيك:
توني ويري دق بـورن سرر مندي اما سودون تن سقر
شـوق كتي دان اورر كورج بوب ويكي كوب مون دج قورج
كـوج بون اورر مينجن كرج نورقي قولجن تن برج
ⲧⲟⲛⲓ ⲱⲉ̄ⲣⲓ ⲇⲓⲅ ⲃⲟ̅ⲩ̅ⲣⲁⲛ ⲥⲁⲣⲁⲣ
ⲙⲓⲛⲇⲉⲁ ⲙⲙⲁ ⲥⲟ̅ⲩ̅ⲇⲟⲩⲛ ⲧⲓⲛ ⲥⲁⲅⲁⲣ
ϣⲟ̅ⲩ̅ⲅ ⲕⲓⲧⲧⲉⲅⲓ ⲇⲁ̄ⲛ ⲟⲣⲣⲓⲣ ⲕⲟⲣⲓⳝ
ⲃⲟ̄ⲃ ⲱⲉ̄ⲣⲕⲓ ⲕⲟⲃⲙⲟⲩⲛ ⲇⲓⳝ ⲅⲟⲣⲓⳝ
ⲕⲟⲩⳝ ⲃⲟ̅ⲩ̅ⲛ ⲟⲩⲣⲓⲣ ⲙⲓ̄ⳡⲓⲛ ⲕⲁⲣⲓⳝ
ⲛⲟ̄ⲣⲟⲅⲓ ⲅⲟⲗⲓϭϭⲓⲛ ⲧⲓⲛ ⲃⲁⲣⲓⳝ
مأزق الحداثة:
أما الأبناء – مستقبل هذه الأمة- في وطنكم الجديد حالهم لا يسر ؛ لباس غير لائق وجيوب خاوية, ارتضوا بالأعمال الهامشية يتفننون في إضاعة الوقت ,وتُـرك لهم الحبل على الغارب, كل على هواه لا شرع ولا دين ولا وازع ولا رادع , فهم كما الأنعام التي تسرح في المرعى كيفما اتفق , فهم كثر ولكنهم كغثاء السيل , تشبهوا بالنساء وملابسهم غير التي نعرف، أين الجلاليب والسراويل الطويلة عنوان الرجولة والشهامة ؟ للأسف لا توجد ولكنها البناطيل الضيقة والأحزمة التي تلف وسطهم وحلاقة رؤوسهم فيها الكثير من البدع والإسفاف ، فشبه حلاقتهم بتلك الجعرانة (مينجن كرج ⲙⲓ̄ⳡⲓⲛ ⲕⲁⲣⲓⳝ) فهم كالأسماك التي تأكل بعضها!!
فكأنما يريد شاعرنا أن يقول على لسان هذه الطيور إن هذه البيئة لا تشبهنا ولا تصلح لتربية الأبناء ، فلا وجود لمبادئنا وقيمنا الجميلة , فهو يخشى عليهم من الضياع . وقديماً كان الإنسان النوبي يسافر لوحده ثم يعود بعد سنوات يقضيها في المهجر , ولكن تبدل الحال فصار يرتحل مع زوجته وأبنائه وفي الغالب لا يعود أبداً وهنا مكمن الخطر. حوار في منتهى الجمال وأسلوب بديع ومفردات مبهرة لخص لنا فيها حال البلاد والعباد، وما زال شاعرنا يقف مشدوها فاغراً فاه ينصت بإعجاب لهذه الطيور التي اقتحمت عليه خلوته وأثارت شجونه , وهل يا ترى اكتفت هذه الطيور بأن حذت حذو الشاعر ورهطه وارتحلت مخلفة وراءها الديار في هجرة لا عودة بعدها ؟ لاتعجلوا.
امبل بداوي ان إيـن أوقج جو إن أوو كولر بنتقي شقج
تير ودي ديق أوسكدي أقـج شيب قكن أير أشمقي سبـج
همبرتقي إير قيادكي تجكشويلقي إن هيلر سولج
إن فونقي آو أرقـد نلج ولن تكـوجقـي إوس توكج
أقــريسكي تـك هـاو أررو تج شارقي كوري توق بان ورج
ⲓⲙⲃⲉⲗ ⲃⲓⲇⲁ̄ⲱⲉ ⲓⲛ ⲉ̄ⲛ ⲟⲅⲓⳝ
ⳝⲟ ⲩⲓⲛ ⲛⲟ̅ⲩ̅ⲛ ⲕⲟⲗⲉⲣ ⲃⲉⲛⲧⲓⲅⲓ ϣⲉⲅⲓⳝ
ⲧⲉ̄ⲣ ⲱⲁⲇⲇⲓ ⲇⲉ̄ⲅ ⲟⲩⲥⲕⲓⲇⲇⲓ ⲉⲅⲓⳝ
ϣⲉ̄ⲃ ⲅⲁⲕⲕⲓⲛ ⲉ̄ⲣ ⲁϣⲙⲁⲅⲓ ⲥⲁⲃⲓⳝ
ϩⲁⲙⲃⲁⲣⲧⲉⲅⲓ ⲓ̄ⲣ ⲅⲉⲓ̈ⲓ̈ⲁ̄ⲇⲕⲓ ⲧⲓⳝ
ⲕⲁϣⲁⲱⲓ̄ⲗⲓⲅⲓ ⲉⲛ ϩⲉ̄ⲗⲁⲣ ⲥⲟⲗⲓⳝ
ⲉⲛ ⲫⲟⲩⲛⲛⲁⲅⲓ ⲁ̄ⲱ ⲁⲣⲅⲓ ⲛⲁⲗⲓⳝ
ⲱⲉⲗⲗⲉⲛ ⲧⲟⲕⲓϭϭⲁⲅⲓ ⲓⲱⲓⲥ ⲧⲟⲕⲓⳝ
ⲟⲩⲅⲣⲉ̄ⲥⲕⲓ ⲧⲁⲕ ϩⲁ̄ⲱ ⲁⲣⲣⲟ ⲧⲓⳝ
ϣⲁ̄ⲣⲉⲅⲓ ⲕⲟⲣⲓⲅⲓ ⲧⲟ̄ⲅ ⲃⲁ̄ⲛ ⲱⲁⲣⲓⳝ
فكما تعلمون فإن عصفورتي أمير الشعراء أحمد شوقي تمسكتا بوطنها في وفاء عجيب وعبرتا بذلك البيت الجميل (هب جنة الخلد اليمن لا شيء يعدل الوطن). ولكن طيور أمير شعراء النوبة لم تكتف بتمسكها بأرضها ونيلها ولكنها ذهبت أبعد من ذلك بأن دعت أبناءنا بالعودة إلى الديار وإعمارها من جديد رجالا ونساء شيباً وشباباً وتعهدها بالزراعة وتربية المواشي، وتضرب لنا الطيور مثالاً نادراً في نكران الذات مخاطبة الشاعر قائلة إن خفتم أن نشارككم محصولكم فانصبوا لنا خيال المآتة والفزاعات (همبول – ϩⲁⲙⲃⲟⲩⲗ) , واصنعوا لكم نبالاً وبنادق للصوت حتى تردونا عن مزارعكم.
واجعلوا نصب أعينكم فلاحة الأرض وتربية المواشي ولا تشغلوا أنفسكم بأي شيء آخر، ولكن لا بأس من الترويح عن النفس ليلاً بممارسة الألعاب المشروعة ,كالعرضة و الرقص و ضرب السوط.
أنظــروا لجمـال هــذا البيـت:
أقــريسكي تـك هـاو أررو تج شارقي كوري توق بان ورج
ⲟⲩⲅⲣⲉ̄ⲥⲕⲓ ⲧⲁⲕ ϩⲁ̄ⲱ ⲁⲣⲣⲟ ⲧⲓⳝ
ϣⲁ̄ⲣⲉⲅⲓ ⲕⲟⲣⲓⲅⲓ ⲧⲟ̄ⲅ ⲃⲁ̄ⲛ ⲱⲁⲣⲓⳝ
قصد الشاعر بأن يخصص كل النهار للعمل أما في الليل فلهم أن يروحوا عن أنفسهم.
أر ووا أريـج كابدي جو أوبـج فكنـجي أوركــــد كــس تبــج
كــركــدي دول قــري مرج هــــارو ققــش كرســي بســج
إن بردقي أوري نبتـــــي أوج ود جــــود ببــــر بكـدكي نـج
بجـــي كورد سيــو سوكي بج إيــــكي أريـــد إجينــــي بـرج
ⲉⲣ ⲱⲟ̄ ⲁⲣⲓ̄ⳝ ⲕⲁ̄ⲃⲇⲓⲅⲓ ⳝⲟⲩ ⲟⲃⲓⳝ
ⲫⲟⲩⲕⲕⲁⲛϭⲓⲅⲓ ⲟⲩⲣⲕⲉⲇ ⲕⲁⲥ ⲧⲓⲃⲓⳝ
ⲕⲉⲣⲕⲉⲇⲇⲓ ⲇⲟ̅ⲩ̅ⲗ ⲅⲓⲣⲣⲓ ⲙⲉⲣⲓⳝ
ϩⲁⲣⲣⲟⲅⲓ ⲅⲁⲅⲓϣ ⲕⲟⲣⲥⲉⲅⲓ ⲃⲁⲥⲓⳝ
ⲉⲛ ⲃⲓⲣⲇⲓⲅⲓ ⲟⲩⲣⲣⲓ ⲛⲓⲃⲓⲇⲧⲓ ⲁⲱⲓⳝ
ⲱⲉⲇ ⳝⲟ̅ⲩ̅ⲇ ⲃⲓⲃⲓⲣ ⲃⲉⲕⲕⲓⲇⲕⲓ ⲛⲓⳝ
ⲃⲓϭϭⲉⲅⲓ ⲕⲟⲣⲟⲇ ⲥⲉ̄ⲱ ⲥⲟⲕⲕⲉ ⲃⲓⳝ
ⲓ̄ⲅⲕⲓ ⲉⲣⲣⲉⲇ ⲓϭϭⲓ̄ⲛⲓⲅⲓ ⲃⲉⲣⲓⳝ
ولم تنس تلك الطيور النصف الآخر وكانت الرسالة لهن عبر (أريج) تلك الفتاة النوبية التي عرفت منذ القدم بتحملها المسئولية، فهي سليلة الكنداكات و(سيلا ⲥⲉ̄ⲗⲁ)، إذ لابد أن يكون لها دور في العودة والإعمار بوقوفها خلف زوجها وأبيها وأخيها وتقدم لهم العون والسند وهن أهل لذلك ، فخلف كل عظيم امرأة. وبما أن النوبيين كلهم عظماء، فخلفهم كنداكات عظيمات, وقد أبدع الشاعر حين دعا الفتاة النوبية عبر (أريج ) بأن توقد نار العلم لتمحو ظلمة الجهل الذي شبهه بالعقرب لعظيم خطره.
إيــــكي أريـــد إجينــــي بـرج
ⲓ̄ⲅⲕⲓ ⲉⲣⲣⲉⲇ ⲓϭϭⲓ̄ⲛⲓⲅⲓ ⲃⲉⲣⲓⳝ
شرح لبعض الكلمات:
كابدكي أوبج – ⲕⲁ̄ⲃⲓⲇⲕⲓ ⲟⲃⲓⳝ: وضع القراصة في الصاج بعد خبزها
فوكنجي ⲫⲟⲩⲕⲕⲁⲛϭⲓ- : الأزيار
كَسْ ⲕⲁⲥ- : يغرف الماء
تبج ⲧⲓⲃⲓⳝ-: يملأ
هرو- ϩⲁⲣⲣⲟ: العرجون الناشف
أوج- ⲁⲱⲓⳝ: تضفير السعف
ود ⲱⲉⲇ-: يفرد
جود ⳝⲟ̅ⲩ̅ⲇ- : يفتل
ببرⲃⲓⲃⲓⲣ- : يبرم
بكدⲃⲉⲕⲕⲉⲇ- : الشق
أوقج أووا إر إن بسبوســقي إيو همبوقي جو قور إجي جو قيـــو
أيــو بــاج قــري أورتنجقـي إيـو قلوقي جو سودرو بدورن إيـــــو
هيلــر كوجيــك إرقــي آر ولنق شوق هنوي اقــــور جيـب ألنـق
نور دوكي بـجقي كـــاو اولنـق سلوود بسق دول آس شولنـــق
ⲟⲅⲓⳝⲟⲱⲱⲁ ⲉⲣ ⲓⲛ ⲃⲉⲥⲃⲟ̅ⲩ̅ⲥⲁⲅⲓ ⲓ̄ⲱ
ϩⲁⲙⲃⲟⲩⲅⲓ ⳝⲟⲩ ⲅⲟ̄ⲣ ⲓϭϭⲓⲅⲓ ⳝⲟⲩ ⲅⲓ̄ⲱ
ⲉ̄ⲱ ⲃⲁ̄ⳝ ⲅⲉⲣⲉ̄ ⲟⲩⲣⲧⲓⲛϭⲓⲅⲓ ⲓ̄ⲱ
ⲅⲁⲗⲗⲟⲅⲓ ⳝⲟⲩ ⲥⲟ̄ⲇⲓⲣⲟⲩ ⲃⲓ ⲇⲟ̅ⲩ̅ⲣⲓⲛ ⲓ̄ⲱ
ϩⲉ̄ⲗⲁⲣ ⲕⲟⲩⳝⲉ̄ⲅ ⲓⲣⲓⲅⲓ ⲁ̄ⲣ ⲱⲉⲗⲁⲛⲅ
ϣⲟ̅ⲩ̅ⲅ ϩⲁⲛⲟⲩⲱⲓⲅⲓ ⲅⲁⲅⲁⲱⲓⲣ ⳝⲓ̄ⲃ ⲁⲗⲁⲛⲅ
ⲛⲟ̅ⲩ̅ⲣ ⲇⲟⲩⲕⲕⲓ ⲃⲓⳝⳝⲉⲅⲓ ⲕⲁ̄ⲱ ⲟⲗⲟⲛⲅ
ⲥⲓⲗⲟ̄ⲇ ⲃⲟⲩⲥⲟⲩⲅ ⲇⲟ̅ⲩ̅ⲗⲅⲓ ⲁ̄ⲥ ϣⲟⲗⲟⲛⲅ
و تعود الطيور:
وتعود الطيور مرة أخرى مخاطبة الرجال بعد النساء, بأن العودة لا مناص منها, ولابد لهم من القناعة التامة بما لديهم, فالقناعة كنز لا يفنى، ففي التمر والدوم واللبن ما يغني عن سواها، وأن يفتحوا مدارسهم وخلاويهم. وتتعهد الطيور وتعدهم بألا يقربوا من مزارعهم .
شرح بعض الكلمات :
أيو باج – ⲉ̄ⲱ ⲃⲁ̄ⳝ: غسل اللوح والكتابة عليه
ولنق- ⲱⲗⲁⳟ: يهز
اقو ⲁⲅⲁⲱ : الساري عود النوريق
ألنق ⲁⲗⲁⳟ: يقرن
اولنق ⲟⲗⲟⳟ: التحريك من أسفل إلى أعلى
أون إرانكي فوجر منقي بالو كونج آللو سودر تي إر بي بللو
ⲟⲩⲛ ⲓⲣ ⲓⲛⲕⲓ ⲫⲟ̄ⳝⲁⲣ ⲙⲓⲛⲅⲓ ⲃⲓ ⲉⲗⲗⲟ
ⲕⲟⳡ ⲁ̄ⲗⲗⲟ ⲥⲟ̅ⲩ̅ⲇⲓⲣ ⲧⲉ ⲓⲣ ⲃⲓ ⲃⲉⲗⲗⲟ
هنا فقط أفاق الشاعر من دهشته , حيث هزته تلك المواقف النبيلة من هذه الطيور التي قطعت كل هذه المسافات بحثاً عنهم. وقال مخاطباً إياها , بعد أن حيّاها على موقفها النبيل هذا, أيتها الطيور لو نصبنا لكم (خيال المآتة) و(الهمبول ϩⲁMⲃⲟ̅ⲩ̅ⲗ-) وصنعنا النبال وبنادق الصوت ومنعناكم من الاقتراب من مزارعنا, إذن كيف ستعيشون , ما هذا الطلب الغريب أيتها الطيور؟!
شرح بعض الكلمات:
كونج آللو ⲕⲟⳡ ⲁ̄ⲗⲗⲟ-: أولاً وأخيراً
إر بيـرو باد أرقون بي كللو بـجمــي تيــق إيقلقــي نللــو
جقــد كوقر ور ويكي تمللـو أوو ويــر أنو تالقي آر نقللـو
ⲓⲣ ⲃⲉ̄ⲣⲣⲟ ⲩⲃⲁ̄ⲇ ⲁⲣⲅⲟⲛ ⲃⲓ ⲕⲁⲗⲗⲟⲩ
ⲃⲓ ⳝⲁⲙⲙⲉ ⲧⲉ̄ⲅ ⲉ̄ⲅⲓⲗⲅⲓ ⲛⲁⲗⲗⲟⲩ
ⳝⲁⲅⲁⲇ ⲕⲟⲅⲟⲣ ⲱⲉⲣⲱⲉ̄ⲕⲓ ⲧⲁⲙⲙⲁⲗⲗⲟⲩ
ⲟ̄ ⲱⲉ̄ⲣⲁⲛⲟⲅⲓ ⲧⲁ̄ⲗⲅⲓ ⲁⲣ ⲛⲉⲅⲉⲗⲗⲟⲩ
وهنا تأتي الإجابة المذهلة من الطيور, سنأكل نحن أيضاً ولكن بعد أن تكتفوا أنتم ويطيب لكم المقام,فنحن تكفينا عودتكم وبثكم الحياة في تلك الديار وإعماركم المساكن والمدارس والمآذن باسطين يد العون والمساعدة للضعفاء والمساكين.
فائدة:
لا مجال للمقارنة بين قصيدتي عصفورتان في الحجاز لأمير الشعراء أحمد شوقي و فوجنتوني لأمير شعراء النوبة جلال عمر لبعد الشقة بين اللغتين ولكني فقط أردت أن أوضح أن اللغة النوبية ليست بأقل من رصيفاتها, وخاصةً اللغة العربية ولا شعراؤنا بأقل شاعريةً من شعرائها.