✍️ د. أسامة محمد عبدالرحيم
من اقدار الله على السودان و شعبه ان شهد السودان في منتصف شتاء العام 2018 و تحديدا في شهر ديسمبر موجة من الاحتجاجات الشعبية تطورت الى ان تكلل جهدها بان نزع الله ملك نظام الانقاذ و آتاه لقوى الحرية و التغيير (قحت) في سنة من سننه الكونية و التي لم يذق بعدها السودان و لا السودانيين طعم عافية و لا راحة بال و لعلي اوقن ان غالب من شارك في ذلك الحراك الثوري نادم الان و لعل هؤلاء الان يؤمنون بأنها كانت ثورة (الندم)، و ليس بالضرورة ندما على زوال النظام السابق و انما ندما على من اورثوهم مقود السلطة ثقة و اطمئنانا اليهم فتاهوا بنا في دروب يصعب العودة منها او اجتيازها بأمان، إنهم نادمون بلا شك على هؤلاء الذين افسدوا عليهم ثورتهم. ولدت (قحت) يومها نطفة امشاج كيانات سياسية هي جماع احزاب و منظمات مدنية تلاقت فقط حول هدف أعلى واحد و تقاصرت و تفرقت بها السبل فيما دونه من اهداف، لذا كان شعارها (تسقط بس) كأغبى و اكسل شعار و هتاف سياسي و هي تقصد من ورائه اقصاء و اسقاط نظام الانقاذ حيث كان ذلك هو اكبر همها و مبلغ علمها، و لم تكن تنظر إلى ابعد من ذلك من مآلات السقوط و مدى جاهزيتها و وسع ماعونها لتحمل المسؤولية و حمل التركة و ما ان استكان لها الامر و لانعدام الرؤى و قلة الحيلة و فقر الاخلاق أسقطت(قحت) بجملة متصلة من الفعال كل البلاد في اتون التدهور و الخراب و الدمار سياسيا و امنيا و اقتصاديا و لم ينته كل ذلك بالحرب التي اندلعت في منتصف ابريل من هذا العام. لم يصطف الشعب السوداني منذ الاستقلال أو قبله بمثل ما اصطف خلف (قحت) ككيان و خلف (حمدوك) رئيس الوزراء المستورد من خارج الحدود و المصنوع بأعين اجهزة المخابرات الدولية و وحيها، و لكن لان (قحت) انما دخلت منذ اول يوم علي طمع و طمعٍ خبيث، لم تستطع صبرا و هي تسابق خطواتها لسرقة ثورة شعب بسيط و جهده و تسلك في سبيل الوصول الى كرسي السلطان كل مسلك و درب الا صندوق الانتخاب و ان ادعت غير ذلك و لا تستحى في سبيل ذلك ان تقصي الجميع حتى رفاق الاحباس و المنافي و الفنادق و النضال المشبوه ليطيب لها وحدها الجلوس في حضرة جلال الحكم بالقصر قبالة النيل. او اليس (قحت) هي من تناست دماء الشباب و صغار بلادي اليفع من الثوار و تجاهلت كل تضحياتهم؟ او اليس هي من كانت تخرجهم إلى الشوارع و الطرقات كقميص عثمان تثير بهم نقع الفتنة كسبا رخيصا بلا ضمير او وازع؟ او اليس هي من حكمت باسمهم و باسم شرعية ثورتهم و خانتهم و القت المواثيق و العهود مع جثامين بعضهم من شهداء القضية الى قاع النيل عندما استقر بها المقام في ديوان الحكم و مقاعد فخيم المؤسسات ؟ او اليس هي من حاولت ان تعود بلا حياء لتستدر عطف الشارع و جهده كرة اخرى بعدما ركلها شريك الحكم الى قارعة الطريق و زج برموزها الى ضيق المعتقل؟ ان كان ثمة حقائق عما ظهر عن فساد ممارسة (قحت) مما يستوجب الاثبات على صفحات كتاب تجربتها و بما كسبت ايديها فهي كثيرة و لذا نركز على بعضها و نعف عن كثير، و اول ما نثبته هو ما شهد عليه ياسر عرمان احد رموز قحت و اعترافه بفشلهم في تقديم ( قيادة) جيدة للشعب السوداني تقود فترة حكمهم الانتقالية و ما لم يذكره ياسر هو ان (قحت) لا قيادة مدخرة لها افضل مما اخرجت فقد اظهرت كل ما عندها و لم تستبق شيئا و لعل هذا من نعم الله علينا كشعب حتى ينكشف مبكرا مستور (قحت) و مخزونها من المتردية و النطيحة. و من الحقائق الجلية كذلك ان السودان لم يشهد علي مر تأريخه تدخلا في شأنه سافرا متبرجا كان او مستترا محتجبا بمثل ما شهد في الفترة من ديسمبر 2018 و حتي اليوم، شمل التدخل ايدي المخابرات و عيونها و اذانها و رسل السفارات و مبعوثيها بما نزع عن دولتنا المسلوبة المغلوبة سيادتها و ارادتها كل ذلك على ظهور رموز (قحت) بيعا رخيصا بابخس الاثمان و تبجحا و تفاخرا بذلك دون خجل او وجل على السنتهم او كما قال (جعفر). كما قدمت (قحت) نموذجا واضحا و كاملا لدورة حياتها و مراحل نموها و تطورها، فشهدها الشعب و هي ثائرة، و رآها و هي حاكمة، ثم و هي معارضة، ثم ها نحن نشهدها و هي مُحَارِبة من وراء جدر المليشيا المتمردة و سترها، هذه المليشيا المتمردة المتفلتة منزوعة الضمير و الاخلاق عساها تحمل (قحت) بسند فوهة البندقية و حمايتها إلى الحكم فوق اعناق الجميع قهرا و جبرا في ملمح شاذ للتحول المدني و الانتقال الديمقراطي ما اتى به احد في العالمين.لقد اثبتت (قحت) ان المباديء تتبدل و ان الاخلاق تنقص و لا تزيد و ان التفاهة شئ عظيم في كثير من الاحيان عند مقارنتها بما تفعله او تقوله. كما اكدت تجربة (قحت) السياسية و ممارستها العملية ان الاحزاب السياسية و منظمات المجتمع المدني بالسودان عتيقها وحديثها هي الاولى باصلاح عمود الظهر و فقراته و ازالة الغضاريف من الموسسة العسكرية، و اكدت انها الاحق باعادة ضبط المصنع من الجيش و منظومات الامن و ذلك لسبب رئيس هو غياب رؤاها و تشوش بصرها و بصيرتها و فقدانها لبوصلة المسير وصولا الى المقاصد العظيمة و إلى الاهداف الوطنية العليا و انعدام ضميرها عند مغانم و حظوظ النفس الامارة بكل سوء. (قحت) التي آلت على نفسها و اعطت كلمتها للكفيل بأنها دون شك ستفكك الجيش و تمزق اوصاله تحت لافتة الاصلاح و اعادة الهيكلة ثم قفزت قفزة في الظلام دون حساب و بلا وعي لتضع يدها متعاونة متحاضنة مترافقة مع مليشيا (آل دقلو) موعودة بالحكم اذا ما استقام الامر للحليفين مبشرة بدمج الجيش السوداني العريق بكل تاريخه و جلاله المهيب و بكل نضاله و كفاحه و خبرته في مليشيا مستحدثة كآلة و اداة من آلات الحرب و ادواته في ظرف تاريخي دقيق ارتأت قيادة الجيش وقتها تقديرا صناعتها و استحداثها لتكافح بها ذات منظومات التهديد للامن القومي و التربص بالبلاد و التي تخدم تحت امرتها (قحت) الان. يومها كانت السلطة قادرة على السيطرة على المليشيا و وضعها في حجمها المخطط له وفق الدور المرسوم لها دون خلل، كانت المليشيا حينها تاتمر بامر السلطة و تنمو و تتحرك و تسكن منضبطة متادبة تحت قيادتها، على عكس ما فعلته (قحت) الحاكمة و هي تغفل عن المليشيا المتمردة بجهالتها حينا و هي تصوب رصاصتها بحقد غبي و أعمى الى صدر الجيش و بفسادها حينا و هي تقبض الرشى لتغض الطرف عن تنامي مملكة (ال دقلو) و سلطانه العسكري و الاقتصادي دون النظر لتهديدات كبرى تضرب عمود امننا القومي و اركانه الاساسية. و من الحقائق كذلك ان قوات و مليشيا الدعم السريع المتمردة و حواضنها السياسية المدنية و نعني هنا (قحت) باتت غير مؤهلة اخلاقيا و اعتباريا لتقديم اي رؤية سياسية لمستقبل الدولة السودانية و الشعب السوداني، بل هي بالفعل قد دخلت دائرة التعدي علي حقوق الوطن والمواطن و تخريب الحياة العامة بما يستوجب المحاسبة القانونية و اقسى و أقصى العقاب، اقول ذلك و اشير بوضوح لما تداولته منصات الاعلام قبل حوالي اسبوعين برؤية مزعومة و منسوبة لقوات و مليشيا التمرد تتحدث عن رؤية للحل السياسي و مستقبل البلاد كاد رسمها و خطها أن يهتف و يقول:( خذوني انا _ فلان _ من قادة قحت و رموزها و مستشار قوات و مليشيا التمرد) في تاكيد بيِّن للتناكح الحرام بين المليشيا المتمردة في الخرطوم و (قحت) المتشردة في العواصم هذا التزاوج الذي انجب سفاحا حربا اهلكت حرث البلاد و نسلها و منع (قحت) و ألجمها ان تنطق بكلمة واحدة تدين مليشيا التمرد و هي تقوم بجرائم و افعال تنتهك كل القوانين و الاعراف الانسانية، الدولية منها و المحلية . و من اوضح الحقائق كذلك، ان قحت تدين لغالب السوداني بدين عظيم، اذ ان هذا الشعب و هو يجاهد ثائرا مكافحا ليزيل نظام الانقاذ طمعا في حياة و مستقبل كريم، استلم من (قحت) اكبر ائتمان شيك على بياضنظير تفويضها ثوريا لتقوده و تمضي به إلى سوح الحرية و السلام و العدالة و بناء الوطن (حنبنيهو) و الى مصاف و مستقبل التطور و التنمية و الاذدهار، حالما برغد عيشه و امنه و استقراره و حياته الكريمة الموسومة بالنماء و الرفاه. لكن في المقابل خانت (قحت) الامانة و تمادت في قطف الثمرة الحرام حكما لا يبلى دون انتخاب و يجوز للشعب السوداني الان ان يكتب و يحسب قيمة هذا الائتمان مستندا علي ما عاناه من آلام و اوجاع وعلى ما اصابه من احزان و مصاب و على ما دفعه من دماء و ارواح و على ما بذله من جهد و وقت و على ما اضاعه من تاريخ و من حاضر و مستقبل و من ذهاب دولة و وطن و فقدان قيم و أخلاق و بما لا يحصي و لا يعد من كل ذلك. و لان الحاكم الفعلي هو الشعب في نهاية المطاف و لان (قحت) اجرمت جرما بائنا و ان عليها فاتورة ضخمة و ثقيلة و مستحقة الدفع، و بما انها عاجزة عن الايفاء بالتزاماتها، اعتقد ان حكم الشعب العادل الان هو وجوب أن تظل (قحت) بعيدا عن حياتنا السياسية وان ( تبقى إلى حين السداد) في محبس و قمقم في مزبلة التاريخ خاصة و ان حليفها و ذراعها العسكري و الذي عادى الشعب كله و تمرد عليه قد فقد اهليته و خسر موقعه بسبب الوفاة. د. أسامة محمد عبدالرحيم
الاثنين 11 سبتمبر 2023