في تقرير ل”العرب” اللندنية – الحركات المسلحة الغائبة عن اتفاق السلام خارج الحراك السياسي في السودان
رصد : الرواية الأولى
منيت الحركات المسلحة التي لم توقع على اتفاق السلام في السودان بهزائم سياسية كثيرة رغم تحصيلها لعوائد اقتصادية وباتت الآن خارج حراك التسوية المرتقبة في الخرطوم والتي ستعيد الأمور إلى ما قبل الانقلاب العسكري وعودة الحكم إلى المدنيي
الخرطوم – تراجع حضور الحركات المسلحة غير الموقعة على اتفاق جوبا للسلام في السودان، فيما حصدت الجبهة الثورية التي تضم في عضويتها حركات وتنظيمات سياسية مكاسب عديدة، ما جعلها طرفًا مؤثراً في التسوية المنتظرة.
وكشفت الاشتباكات التي اندلعت بين فصيلين تابعين لحركة جيش تحرير السودان بقيادة عبدالواحد محمد نور في ولاية وسط دارفور أخيرا حجم الأزمة التي تعاني منها الحركة في ظل فقدانها لحضورها السياسي والعسكري، وتجاوز التطورات الحالية في البلاد أسلوب الممانعة الذي عكسه تخلفها عن التوقيع على اتفاق السلام.
وأكد بيان صادر عن مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية (أوتشا) الخميس مقتل 13 شخصا وجرح 4 آخرين، ونزوح نحو خمسة آلاف شخص جراء اشتباكات بين فصيلين مسلحين تابعين لجناح عبدالواحد نور بولاية وسط دارفور غربي السودان.
وأشار المكتب الأممي إلى استمرار التوتر وصعوبة التنبؤ بالهدوء. كما تعذر على العاملين في المجال الإنساني الوصول إلى مناطق متضررة لانعدام الأمن، ولم يتم التعرف على الأسباب التي أدت إلى القتال بين الفصيلين، ولم تعلق الحركة على الأحداث.
واستطاعت حركات وقعت على اتفاق جوبا للسلام أن تعزز علاقاتها مع قوات الدعم السريع التي لديها حضور فاعل في إقليم دارفور، عكس حركة نور التي تراجع نفوذها مع اتجاه قوميات مقيمة في مناطق حضورها العسكري للتقارب مع حركتي العدل والمساواة التي يرأسها وزير المالية جبريل إبراهيم، وجيش تحرير السودان جناح مني أركو مناوي حاكم إقليم دافور.
ووقعت الخرطوم اتفاقا لإحلال السلام مع حركات مسلحة ضمن تحالف الجبهة الثورية في أكتوبر 2020، ولم يشمل حركة جيش تحرير السودان بقيادة نور والحركة الشعبية شمال بزعامة عبدالعزيز الحلو.
ولدى العديد من القادة العسكريين داخل حركة نور قناعة بأن الاتجاهات السياسية للحركة التي تتخذ موقفًا معارضَا بشكل مستمر منذ الإطاحة بنظام الرئيس السابق عمر البشير ليست في محلها، وكان بإمكانها حصد مكاسب من خلال استغلال ما حققه اتفاق جوبا من مكاسب على مستوى الحضور الفاعل على رأس هياكل السلطة أو عبر البنود التي حوت حل إشكاليات توزيع الثورة.
وتتحصن الحركة التي يقودها نور في جبل مرة، وهي سلسلة جبلية وعرة تمتد من شمال إقليم دارفور إلى جنوبه على امتداد 280 كيلومترا.
وأكد المحلل السياسي مجدي عبدالعزيز أن حركة نور اتخذت من معسكرات اللاجئين والنازحين نقطة انطلاق ونفوذ لها في غرب السودان، ومع تفكيك العديد من تلك المخيمات لم تعد بنفس قوتها السابقة رغم سيطرتها على بعضها.
كما أن جزءا كبيرا من قوتها السابقة اكتسبته من رفضها الدائم لأي اتفاقات سلام وكانت تعول على زيادة قوتها بعد الغياب عن اتفاق جوبا، لكن ما حدث هو العكس مع المكاسب التي حققتها حركتا جبريل ومناوي.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن بعضاً من قومية الفور الذين يتبعون لحركة نور لم يعودوا حريصين على انتمائهم بعد غياب الحركة عن اتفاق السلام، وثمة قناعة لدى هؤلاء أن قومية الزغاوة التي ينتمى أغلبها إلى حركتي مناوي وجبريل حققت مكاسب.
وأشار عبدالعزيز إلى أن الوضع يختلف بالنسبة إلى حركة الحلو التي تتمسك بتوقيع اتفاق منفصل لقوتها على الأرض كحركة تمتلك مقومات تجعلها قادرة على حصد مزيد من المكاسب مستقبلاً، نظراً إلى الدعم الغربي الذي تحظى به لتحقيق مبدأ علمانية الدولة وارتباطها بدولة جنوب السودان وسيطرتها على المنافذ القريبة منها.
وحققت الحركة مكاسب اقتصادية جراء عدم توقيعها على اتفاق جوبا للسلام، لأنها استمرت في التنقيب عن الذهب مع سيطرتها على بعض مناطق جبال النوبة، وتمكنت من خلق تحالف سياسي بعد قيامها بالتنسيق مع الحزب الشيوعي وتجمع المهنيين، وحافظت على علاقاتها الخارجية مع دول الجوار.
وأوضح عبدالعزيز أن حركة الحلو الأقرب إلى توقيع اتفاق سلام في ظل الصلات التي تمتلكها مع الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل العنصر الرئيسي في كتلة وطنية داخل تحالف الحرية والتغيير، ويضم تمثيلا قويا لأبناء النوبة كانوا ضمن الحركة الشعبية شمال.
ويتخوف مراقبون من التأثيرات السلبية للصراع على السلطة في النيل الأزرق وكان سبباً في اندلاع اشتباكات عنيفة مؤخرا بدت بين المكونات “الأصيلة” وقبائل الهوسا، لكن في جوهرها صراع بين جناحي قوات الجيش الشعبي بقيادة الحلو وعقار للهيمنة على السلطة.
◙ حركة الحلو الأقرب إلى توقيع اتفاق سلام في ظل الصلات التي تمتلكها مع الكتلة الوطنية داخل تحالف الحرية والتغيير
واتهم حاكم إقليم النيل الأزرق أحمد العمدة جهات أجنبية والحركة الشعبية شمال بقيادة الحلو بالضلوع في أعمال العنف التي وقعت في الإقليم بين شهري أكتوبر ونوفمبر، وهو ما نفته الحركة.
وتبادلت حركتا نور والحلو الاتهامات مع القوات النظامية حول خرق وقف إطلاق النار، وتجددت المناوشات بين الحركتين من جهة والقوات النظامية من جهة ثانية في أكثر من منطقة بغرب دارفور والنيل الأزرق في ظل مساعيهما للحفاظ على التهدئة والبحث عن تحقيق مكاسب مستقبلية دون الاضطرار للدخول في صراعات عسكرية.
وذكر القيادي بحركة جيش تحرير السودان جناح مناوي، عثمان وادي أن حركة نور تلقت العديد من الهزائم السياسية بغيابها عن اتفاق جوبا، وتعرضت لخسائر على المستوى الميداني مع فقدانها للكثير من مريديها وأنصارها.
وأكد في تصريح لـ”العرب” أن الأشهر الماضية كانت شاهدة على العديد من محاولات تقريب وجهات النظر لإدخال الحركة ضمن اتفاق جوبا أو على الأقل انتزاع موقف بالجلوس على طاولة للتفاوض، لكنها لم تنجح لعدم وجود حكومة مستقرة في الخرطوم.