الرأي

في تحليل العقوبات الأمريكية على السودان

أ.د. محمد حسين أبوصالح *

إن العمليات الواسعة لإعادة إنفتاح الجيوش وبلوغ لوبي المصالح درجة غير مسبوقة من السيطرة على القرار الأمريكي واشتعال حروب المعادن والطاقة والتجارة هي مؤشرات لنظام دولي في طور التشكل، نظام تتراجع فيه القوى الغربية وتصعد فيه بالمقابل قوى في شرق وجنوب العالم. من ملامح هذا التراجع أزمة الدين العام في الولايات المتحدة، المعضلة الديمغرافية في أوروبا وتراجع التحالف التقليدي ما بين أوروبا والولايات المتحدة. وفي ظل هذا الوضع فإن نورد ستريم 2 أو مشروع قناة بن غوريون أو مبادرة الحزام والطريق أو مشروع نيوم او مشروع سد النهضة على سبيل المثال، تعتبر نماذج للصراع الإستراتيجي الدولي. فهل تفرض القوى الجديدة النظام الدولي الجديد بقوة السلاح أم بالقوة الناعمة؟ لا أحد يعلم، لكن سنصل في النهاية إلى نظام متوازن القوى ومتعدد الأقطاب، وفيه فرصة لبناء علاقات وشراكات دولية عادلة.

السودان، من مسرح للصراع إلى عنصر فاعل

إشتدت في السنوات الأخيرة في كثير من الدول الإفريقية والعربية حروب الوكالة، وأبرز ما ميز هذه الحروب هو تداخل مصالح القوى الكبرى مع مصالح وطموحات بعض الدول في الإقليم، لكن مع مرور الوقت وتغير الأوضاع الدولية بدأت بعض هذه الدول في التحول من مجرد ساحات للصراع الدولي إلى عنصر فاعل في معادلة الصراع، في خطوة مهمة تجاه إستعادة السيادة الوطنية.
لكن ما يصنع الفرق هو وجود رؤية وطنية جامعة، فلقد تهيأت للسودان في تاريخه الحديث أكثر من فرصة لبناء الرؤية الوطنية الجامعة عبر حوار سوداني واسع، لكن جميع الفرص أهدرت في صراعات سياسية ضيقة وإتفاقيات سلام فوقية وحوارات سياسية طفنا بها الكثير من عواصم العالم، لكن لم ننجح في الجلوس جميعا كسودانيين داخل السودان في مؤتمر حوار سوداني واسع وممتد ينتهي بنا إلى رؤية سودانية جامعة.
أمامنا الٱن فرصة كبيرة للخروج من الحلقة الخبيثة، والتأسيس للدولة بشكل سليم، خصوصاً وأن المعركة التي يخوضها السودان حالياً لها إنعكاسات إيجابية على صعيد بناء الهوية الوطنية، وهي أحد أهم قضايا الرؤية الوطنية. كما أن الأوضاع الدولية الحالية هيأت الكثير من الفرص الضخمة للسودان لتبادل المصالح وبناء شراكات دولية ضخمة، ولكن هذا يعتمد بشكل كبير على وجود الرؤية الوطنية، فوجود الرؤية يعني وجود الإرادة الوطنية ويعني وضوح المصالح الوطنية والإجماع حولها، مما يشجع الأطراف الدولية للإنخراط في شراكات دولية ضخمة وبعيدة المدى مع السودان.

من الحرب العسكرية إلى الحرب الناعمة

على مدى أكثر من ستة عقود مورست حروب ناعمة ضد السودان بأدوات اقتصادية وثقافية وإعلامية وغيرها، واجه السودان هذه الحروب بإدراك مجتزأ لأبعاد الصراع، وإرادة منقوصة.. الآن والمعركة العسكرية وصلت إلى مراحل متقدمة جداً، نلاحظ إستئناف إستخدام الولايات المتحدة الأمريكية لأدوات الحرب الناعمة، فالعقوبات الأخيرة ما هي إلا بداية لموجة جديدة من موجات الحرب الناعمة. ولهذا علينا الإنتباه للٱتي:

  • • العقوبات وسيلة وليست غاية، وعلينا أن نكون مهيأين للدخول في حوار مصالح مع أي طرف متى ما توحدت الجبهة الداخلية.
  • • أهم أهداف الإستهداف المستمر للدولة السودانية هو منع تشكل الإرادة الوطنية والإجماع الوطني الذي يؤدي إلى بناء الرؤية الوطنية التي تجمع أبناء السودان وتؤسس لنهضة ضخمة. ولتحقيق هذا الهدف تستخدم أدوات الحرب الناعمة مثل العقوبات الاقتصادية، تصدير وصناعة الأزمات، شراء الذمم، إثارة الفتن الإثنية والعقدية والثقافية واستخدام نظريات الفوضى الخلاقة.
  • • – مقابل هذه العقوبات سيجد السودان فرصاً من أطراف دولية أخرى، لكن ستكون فرصا حذرة ومشروطة.
  • • إذاً وفقا لما تقدم، فإن الدولة في مواجهتها للحرب الناعمة ولحرب المصالح بشكل أوسع تحتاج إلى:
  • • رؤية إستراتيجية محكمة تستفيد من الفرص والتناقضات الدولية.
  • • فريقين متمايزين لإدارة الدولة، الأول لإدارة الأزمة والقضايا الآنية الملحة، والثاني لإدارة الملفات والشؤون الاستراتيجية.
    بالعدم سنظل ندور في الدائرة الخبيثة..

*أستاذ التخطيط الاستراتيجي والإمن القومي

اترك رد

error: Content is protected !!