الرواية الأولى

نروي لتعرف

تقارير

في أول زيارة لرئيس الوزراء السوداني خارج البلاد – مصر والسودان يرسمان خريطة تعاون جديدة لمواجهة أزمات المنطقة

تقرير يكتبه: خالد محمد علي

بعد تشكيل أول حكومة مدنية في السودان في ظل الحرب الداخلية التي يقودها تمرد الدعم السريع ضد الدولة السودانية، قام رئيس الوزراء السوداني، الدكتور كامل إدريس بزيارة رسمية إلى القاهرة في السابع من أغسطس الجاري، وهي أول زيارة خارجية له منذ توليه المنصب في نهاية مايو الماضي، حيث التقى إدريس الرئيس عبد الفتاح السيسي، والدكتور مصطفى مدبولي، رئيس الوزراء، إلى جانب عدد كبير من المسؤولين والإعلاميين المصريين والسودانيين، وجاءت الزيارة في توقيت بالغ الحساسية، وحملت على جدول أعمالها ملفات سياسية واقتصادية وأمنية، مع طموحات لإعادة الإعمار وتعزيز العلاقات الثنائية بين السودان ومصر.
وتأتي هذه الزيارة في ظل واقع مرير تعاني منه السودان، حيث يقود قائد الدعم السريع، الفريق أول محمد حمدان دقلو، الملقب بـ «حميدتي»، تمردًا عسكريًا ضد الدولة ومؤسساتها منذ الخامس عشر من أبريل 2023، وهو ما تسبب في مقتل عشرات الآلاف وتشريد أكثر من 15 مليون سوداني بين نازح في الداخل ولاجئ في الخارج.
وبين محاولات الاستعمار الجديد في ضرب مؤسسات الدولة وإشاعة الفوضى في البلاد وإصرار التمرد على إشعال الحرب في كل أنحاء السودان، يسعى إدريس لحشد الدعم السياسي والإقليمي لحكومته المدنية، وإظهار قدرته على نسج شراكات خارجية قادرة على دعم السودان في أزمته.

تعاون شامل

ناقش الجانبان تعزيز العلاقات على كافة المجالات في إطار توجه موحد بين قيادة البلدين للتنسيق الكامل دفاعًا عن أمن وسلامة السودان في مواجهة التحديات الداخلية والإقليمية والدولية، ومناقشة الأوضاع الأمنية في البحر الأحمر ومنطقة القرن الإفريقي.

واستجابة للطلب السوداني بدعم الجانب المصري له سياسيًا ودبلوماسيًا، أبدت القاهرة استعدادًا كاملًا لتنسيق موقفي البلدين في المحافل الدولية والإقليمية لتأكيد سيادة ووحدة أراضي السودان من ناحية، ومواجهة التدخلات والأطماع الخارجية من ناحية أخرى، وهو ما اعتبره المراقبون بداية جديدة لمستوى العلاقات قد يصل إلى مرحلة التكامل المنشود.
وإضافة إلى العمل على توحيد الموقفين السياسي والدبلوماسي في الأمم المتحدة، ناقش الطرفان استكمال عمليات التنسيق الكامل في الاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية.
وفي مواجهة التعنت الإثيوبي في ملف المياه، شدد كامل إدريس على وحدة موقف البلدين في رفض التصرفات الأحادية لحكومة أديس أبابا وضرورة الوصول إلى اتفاق قانوني ملزم يحافظ على مصالح دولتي المصب، مصر والسودان.

وشهدت زيارة إدريس إلى القاهرة اتفاقات اقتصادية كبرى خاصة في مجال إعادة الإعمار، حيث تم منح مصر ميزة خاصة في إعادة الإعمار وفتح المجال أمام الشركات المصرية للاستثمار في قطاعات استراتيجية داخل السودان، ووضع برامج للتعاون في مجالات البنية التحتية، والكهرباء، والصحة، والتعليم.
وأبدى الجانب المصري استعدادًا لتوسيع التعاون ليشمل قطاعات جديدة، إضافة إلى الاستمرار في تقديم التسهيلات للسودانيين في مجالات الصحة والتعليم والاتصالات، كما تمت دعوة المسؤولين المصريين لزيارة الخرطوم، ما يعكس رغبة مشتركة في ترسيخ التعاون على المدى البعيد.

دعم للشرعية
وتكتسب زيارة إدريس للقاهرة أهمية خاصة لكونها جاءت بعد تشكيل تحالف تأسيس بقيادة حميدتي بحكومة موازية في دارفور وعمدت القاهرة استقبال رئيس الوزراء السوداني وإظهار وقوفها إلى جانب الحكومة الشرعية في الخرطوم ورفضها القاطع بتلك الحكومات الغير شرعية في غرب البلاد، حيث حملت الزيارة رسالة سياسية للمجتمعين الإقليمي والدولي، بأن الحكومة المدنية برئاسة إدريس تحظى باعتراف ودعم إقليمي من دولة محورية مثل مصر، هذا الدعم يعزز موقع الحكومة في الداخل، ويقوي موقفها أمام الأطراف المتصارعة، كما يمنحها أوراق ضغط في المشهد الدبلوماسي الدولي.
وكان موقف مصر منذ بداية النذاع في أبريل 2023، واضحًا إلى جانب مؤسسات الدولة السودانية وخاصة الجيش السوداني الذي نجح في الدفاع عن البلاد بالرغم من نجاح التمرد في الحصول على دعم عسكري واستخباري «إقليمي ودولي»، مكن التمرد من السيطرة على معظم مواقع القيادة العسكرية والاستراتيجية بالبلاد.
وكانت القاهرة الأكثر وضوحًا في مساندة الجيش السوداني ومؤسسات الدولة في مواجهة الميليشيا وحركات التمرد، وهو ما أكسب الموقف المصري مصدقية عند كافة المستويات الشعبية والحزبية والتنفيذية بالسودان، وبفضل التفاف الشعب حول جيشه تمت استعادة العاصمة الخرطوم ومعظم المدن السودانية من أيدي التمرد.
ويبقى أن زيارة الدكتور كامل إدريس للقاهرة تشكل انطلاقة قوية للحفاظ على السودان المستهدف إقليميًا ودوليًا، وهو ما يعني بالضرورة الحفاظ على مصر وأمنها لأن السودان هي البوابة الجنوبية التي يسعى ممثلو الاستعمار الجديد لاحتلالها والسيطرة على كل ثرواتها وتمزيقها، تمهيدًا لاستهداف مصر التي ظلت مستعصية على مخططات المتربصون، إن الخطر الوجودي الذي يهدد بقاء الدولة السودانية لا يمكن السماح باستمراره لأن الجغرافيا والتاريخ يؤكدان وحدة المصير بين مصر والسودان.

اترك رد

error: Content is protected !!