بقلم : مكي المغربي
يسألني القراء والمشاهدين الكرام باستمرار وبإنفعال، كلما يشاهدون “دوري المناكفات السودانية” في الشاشات العربية، إنت وين؟ ليه ما “بجيبوك”؟
للأمانة لا يوجد تقصير من الفضائيات ولا الصحف العربية في التواصل معي، ولكن السبب من جانبي أنا، لأنني حصرت نفسي اختيارا وطوعا في جوانب وزوايا أقل طلبا من “السوق الكبير”، ولدي شروط وهي عدم الظهور في مناقشة ثنائية أو رباعية إلا إذا عرفت الضيوف ومقدم البرنامج وفهمت أن المقصود بالإطلالة الحوار وليس “المناكفة” والتي دوما ما يكون القصد المعلن منها هو تمثيل جميع الأطراف، ولكن النتيجة مهما كانت سلامة المقصد – حسب الزعم – هي تخريب الساحة السياسية السودانية وتعميق الخلافات.
أنا أطلب الظهور منفردا في تعليق قصير على الأحداث من زاوية “ما هو المتوقع، وما هو المفترض” كما يمكنني ربط الأحداث الداخلية بالتنافس الدولي والإستقطاب العالمي والإقليمي بينما المطلوب من الفضائيات (غالبها وليس كلها) هو إضرام النار داخل البيت السوداني. أيضا أنا متاح ومطلوب من بعض الفضائيات للتعليق على أي حدث أفريقي جنوب الصحراء، وبحكم تخصصي ظهرت كثيرا في أحداث أفريقيا الوسطي وإثيوبيا والصراع الكيني الصومالي في محكمة العدل الدولية والإطاحة برئيس غينيا كوناكري وغير ذلك، ولكن كما ذكرت، هذه ليست بالقضايا الساخنة في الشاشات العربية.
كنت أول من لقب رئيس أفريقيا الوسطى تواديرا بـ “بشار أسد أفريقيا” لأن الروس أفلحوا تماما في حمايته من محاولات الإسقاط المتكررة التي مارستها الدول الغربية. حاليا بانغي محمية تماما بشركات أمنية روسية على الرغم من خروج شمال البلاد لصالح حركات ومجموعات مسلحة تحتل مناطق التعدين وتسهل خروج اليورانيوم وغيره من المعادن الغالية جدا لدول أوربية، تماما مثل سوريا تآكلت أجزاء منها ولكن بحفر المقابر لا المناجم – وللإعلام العربي قطعا دور في توفير “المحافير”.
يأتيني سؤال كيف أفلت دائما من التوريط في المناكفات، والجواب سهل للغاية، فأنا لا أنتظر حتى اخرج للشاشة للفخ المنصوب، واستبق ذلك في الحديث بوضوح مع من يتصل بي من طرف أي فضائية عربية بما يجعله يغير رأيه ويختار ضيفا غيري.
أحدهم قال لي نريد التعليق على إنقلاب البرهان، قلت فورا وبدور تردد، نعم يمكن وصفه كذلك ولكن ربما يكون إنقلابا مفيدا. قال كيف؟ قلت مثل إنقلاب الشيخ حمد بن خليفة على والده، فلولا هذا الإنقلاب في 1995 لما توجهت قطر بقوة للعالم ولما حدث هذا الإنفجار الإعلامي المتمثل في قناة الجزيرة في عام 1996 والذي لولاه لما تخصص “أحمد طه” في الشأن السوداني وربما يكون لديه مرتب يصل إلى عشرين ألف دولار. قال لي كيف؟ كم؟ قلت له لا أدري أنا قلت “ربما يصل” ولكن لو تكرم ودعاني للحوار ربما أسأله عن مرتبه لو كان مستوى النقاش يستدعي ذلك.
ليست لدي مشكلة إطلاقا مع الزميل أحمد طه، ويستحق أكثر مما توقعت له، ولكن الغرض فقط هو توصيل رسالة أنني لا أصلح لأكون جزءا من مناكفة.
صحفي آخر، سألني عن الإجراءات التصحيحة، ربما لديه “وزنة مطلوبة” لم يجد لها شخصا من (قحت – ب) فقامت مؤسسته بمراجعة دفاترها القديمة، قلت له كيف يمكن أن أسمي هذه القرارات باسم غير ما حدده رئيس الوزراء الشرعي، أيضا قال لي سنتصل بك، واختفى.
أنا شخصيا لم تكن قضيتي في الحالتين وصف قرارات البرهان بانهما مفيدة أو انها إنقلاب، لدي رأي وسط، ولدي أيضا حساسية مفرطة من التوظيف العربي للخلافات السودانية، وتحويل الصحفيين والسياسيين السودانية لمسرح عرائس أو أدوات صراع، نعم صحيح عدد من الزملاء يفلح في التوازن والإفلات من الإستخدام “في ذاته فقط” بينما يكون قد ساهم في أيضا في تزيين المناكفة القبيحة والأسلوب الممنهج في إزدراء السودانيين.
في هذه النقطة أشيد بالإعلام المصري – على الأقل من تواصلوا معي – لأن من يتولون الإعداد والإتصال يستمعون بإحترام للشخص في نقاشه الأولي وغالبا ما يحددون بمهارة فائقة شكل ونوع البرنامج الذي يظهر فيه.
فضائية الغد الإماراتية اهتمت بالمشكلة الإثيوبية بمهنية عالية، حتى المناقشات التي ظهرت فيها في مواجهة ضيف إثيوبي كانت موضوعية وهي متوفرة ويمكن مشاهدتها.
تي آر تي العربية التركية أيضا عالجت القضايا السودانية والافريقية بجودة عالية، وسلطت الضوء بشجاعة على أنباء عن سفك دماء مسلمين داخل مسجد في أفريقيا الوسطي على أيدي أفراد روس.
لا ينقصني الظهور، ولا عائد الإطلالة، ولكن ينقصني الإحترام، وأنزعج جدا من حجز بعض البرامج حول السودان في تحديد من هو المخطيء الذي يجب شيطنته، وعدم الإهتمام بماذا سيحدث؟ وما هي الحلول الممكنة.
حتى أكون منصفا – إلى حد كبير تشكل الجزيرة الإنجليزية رقما مهما في الإعلام الإفريقي ولدي أصدقاء أفارقة على مستوى وزراء ونواب برلمان يشاهدونها بشغف عندما تناقش موضوعات في بلدانهم أو في دائرة إهتمامهم، وأرجو ألا تتسبب الإشارة أعلاه في حذف رقم هاتفي من دليلهم، ولأن اليوم يصادف العيد الوطني القطري أزجي التهاني لقطر وأشيد بالتجربة الإنتخابية والتي يمكن أن نناقش الرأي والرأي الآخر عنها في مقام آخر.
لا يفوتني هنا، تثمين التغطية العادلة والمنصفة للتلفزيون القومي السوداني للإحتجاجات رغم انها ضد الشراكة وضد البرهان والمكون العسكري، وأعتقد أن إدارة التلفزيون الحالية تفرق بذكاء بين الإعلام والتعبئة. وللغرابة فإن الوضع قبل 25 أكتوبر كان جانحا للغاية ولم يستجب لتغطية أي نشاط أو رأي سياسي ينتقد (قحت – أ)، وبصعوبة شديدة وبعد انتقادات عنيفة قام التلفزيون بتغطية إعتصام القصر، ولكن لم يكن هذا كافيا إذ كان من الممكن إدارة مناظرات ومناقشات محترمة بين ضيوف محترمين كلهم يحبون تلفزيون السودان ويرغبون في الظهور فيه.
بإمكان قيادة التلفزيون الحالية إدارة برنامج على طريقة “بصراحة” للأستاذ بابكر حنين، والذي يجمع كل الاطراف على طاولة ويخرج البرنامج بحلول لم يتوصل إليها مجلس الوزراء حينها، ولو ما دايرين حنين بسبب “داء الكوزوفوبيا” عندهم الطيب قسم السيد المواطن المستقل الأغبش “وما مستفيدين منه”!
ما المانع من مناقشة جهيرة بين رافضي الإنتخابات والمؤيدين لها؟ وسرد نماذج دول في الجوار الافريقي القريب مثل الكونغو التي خرجت من دوامة العنف إلى الإنتخابات وبدعم أمريكي ورفض أوربي ثم نجحت التجربة رغم أنف أوربا والشكر مجددا لأمريكا وإدارة ترمب؟ ما المانع من مواجهة محترمة بين وجدي صالح والمتضررين من لجنة التمكين والمستأنفين لقراراتها؟ لماذا تظفر الفضائيات العربية بوجدي صالح وتخسره الشاشة السودانية؟
وللحديث بقية