
أقبل علينا العيد بردائه البهى البهيج رغم أن بلادنا ظَلَّت مكسورة جريحة لعامين كاملين وإنسانها مُوشَّحاً بالأحزان وبعيداً عن الديار نزوحاً ولجوءًا بعد أن أصابه ما أصابه من موتٍ ودمار إلاَّ أنه عظيم الإيمان عميق اليقين يُعَظِّم شعائر الله ويُحسن الظَّن برب العالمين .. فهذا الإنسان السودانى النبيل ظَلَّ فى حيرةٍ من أمره طيلة سنوات الحرب بين خيبة الأمل والرجاء المنكسر فى النخب السياسية وتشرزمها وضعف انسجامها وبين الإختلالات فى سلوك الدولة وفى كيفية إدارتها وتعاملها مع القضايا الأساسية رغم نجاحها الأسطورى فى القضاء على آلة الحرب ودابَّة الأرض وإنتصارها العسكرى العظيم ، كما ظَّل يُعطى التحدِّيَات التى تواجه بلادنا قدرها من الإهتمام وفق خطورتها وذلك بالإعلاء من قيمة الأمن والأمان والسلامة والإستقرار فأكثر ما آلمه رغم تعرضه للقتل والسحل والتشريد وآلم الضمير الإنسانى الحى هى تلك المناظر البائسة للبسطاء الذين إختطفتهم المليشيا وأذاقتهم كل ألوان العذاب ..!! وأكثر ما زاد من أوجاعه أن يأتى الأجنبى لبلادنا غازياً ليَستَرِّق رجالنا ويسبى نسائنا ويسلب أموالنا ويسكن دُورَنَا بعد تهجير أهلها ووضع من لم يُهاجر منهم فى معتقلات الموت لتفريغ بلادنا من أهلها وليُصبح السودان أرضاً بلا شعب ليسكنه عُربان جنوب الصحراء الذين لا مأوى لهم فتضيع أرض النيلين كما ضاعت زنجبار من قبل .. والأمر الموجع أيضاً أنَّ المنظمات الحقوقية الوطنية وتلك التى أفلحت فى تحريك الشارع حتى تُوِّج سعيها ببيان التنحى فى أبريل التغيير ، والتى كانت قلوبها تَرِّقُ دائماً وأعينها تذرف الدموع دوماً كُلَّما داست سنابك خيل قواتنا المسلحة على وادى النمل المليشى وحَطَّمته .. لم تَذرف دمعةً واحدة على الهياكل البشرية وبقايا الأجساد وحطام الإنسان التى وثَّقَتْ لها الكاميرا ونقلتها الى العالم عبر الفضائيات من معتقلات المليشيا ، ولم تنتحب على الذين قُتلوا بدمٍ بارد خلال العامين الماضيين ، ولم تُصدِر بياناً قويّاً يُدين تلك الجرائم الفظيعة ، وكل الذى رأيناه منها تلك البيانات الخجولة التى تساوى بين الجيش والمليشيا وبين الجلاّد والضحية على طريقة ( كوهين يَنعى ولده ويُصلِّح الساعات ..!!) .
من الدروس المستفادة من هذه الحرب رغم مأساويتها وفظاعتها وخسائرها البشرية وتدميرها للبنية التحتية بأكملها الأمر الذى يمكن تعويضه بالنمو السكانى وبالإعمار والبناء .. إلا أنها لم تستطع المساس بالدين والعقيدة والهويَّة ولله الحمد والمِنَّة..!! ولكن الأخطر أثراً والأشد فتكاً من كل ذلك هو توغل الوجود الأجنبى غير الشرعى فى بلادنا وبرفق وبهبوطٍ ناعم ..!! فإن كانت الحرب قد دمَّرت المبانى فإن التسلل الديموغرافى الصامت يمحو الهوية ويفكك التركيبة السكانية ويهدد بلادنا أمنياً وإقتصادياً وإجتماعياً ..!! فالوجود الأجنبى غير القانونى هم لُفاظة دولهم ونتاج تفصيد الدماء الفاسدة التى تجرى فى عروق شعوبهم ، ويعتبروا كتلة بشرية دون تهذيب أخلاقى وسلوكى مناسب وغير مأمونة العواقب ..كما أن سكان دول الجوار الإفريقى إعتادوا المجئ إلى بلادنا ( بلد الأمان ) وكأنها أرضٌ للميعاد لكل من تقطعت بهم السبل كلما إزدادت الإحتقانات والتوترات الداخلية فى بلدانهم .
وأمام كل تلك المعطيات يجب على الدولة أن تكون أكثر جرأة فى التعامل مع مسألة الوجود الأجنبى بكافة أشكاله وأنواعه القانونى وغير القانونى ، وأن تنتبه لضرورة التخطيط والإستشعار والرصد ، وأن تستفيق من حالة الرخاء فى الغفلة وعدم الإكتراث أو الخوف على الحاضر أو المستقبل أو النظر للمجتمع الدولى ( بعين الإعتبار ) ، فلا أحد يعبأ بأحد فى عالم اليوم أو يراعى غير مصلحته ..!! ففتح الحدود على صعوبة مراقبتها وضبطها أمام تدفقات دخول الأجانب سيُفضى ببلادنا إلى قراءة الفاتحة بعد سنوات قليلة على روحها .
فها هو العيد أقبل مزهوّاً بطلعته وطابع البِشْرِ يكسو أوجه البَشَرِ ..!! فكل عام وسوداننا دائم الإنتصارات وكل عامٍ ونحن من عِيدٍ إلى عيد وكل عام والجميع بألف خير .. وحفظ الله بلادنا وأهلها من كل سوء .
✍🏼 لواء شرطة (م) :
د . إدريس عبدالله ليمان
الأحد ٣٠ مارس ٢٠٢٥م