علي كرتي يوجه عدة رسائل إلى إسلاميي الرصيف ومؤيديه ومعارضيه والشعب السوداني
تسمر الكثيرون من أهل السياسة من السودانيين وغيرهم، أمام شاشة قناة طيبة الفضائية مساء أمس (الأربعاء 25 مايو (إيار) 2022)، لمتابعة مجريات حوار الأخ علي أحمد كرتي الأمين العام للحركة الإسلامية السودانية المكلف، الذي أجراه الأخ الطاهر حسن التوم. فلم يُظهر ذاكم الحوار التلفزيوني الأخ علي كرتي بعد طول غيابٍ عن السوح السياسية والإعلامية، وإن كان تحركه في الخفاء مرصوداً ومتابعاً، لدى بعض الساسيين والإعلاميين، فحسب، بل أظهر مقدرات كرتي في القيادة والحصافة والكياسة، إذ ظن بعضهم – وليس كل الظن إثمٌ – أنه سيكون متوتراً غاضباً متزمجراً من أفاعيل وتدابير سلطة الانتقال بعد سقوط الإنقاذ، وتسنم مقومات قوى الحرية والتغيير في البدء، لغالبية السلطة الانتقالية، وتداعيات ذلكم الانتقال على جموع الإسلاميين – انتظاماً وانتماءً -، فإسلاميو السودان في الراهن السياسي يتوزعون بين جمهور الانتماء الذين آثروا أن يكونوا في الرصيف، وليس في منظومات الحركة – عزوفاً أو احتجاجاً – وبعض هؤلاء هاجر إلى أحزابٍ ومنظوماتٍ إسلاميةٍ أخرى، ولكن معظمهم في تشوقاتٍ حرى إلى موئلٍ يجمعهم جميعاً، بينما الآخرون انتظموا واستمسكوا بالحركة الأم، وفي نفس بعض هؤلاء لجاجة وكثير نقدٍ لمسارها!
أحسبُ أن الأخ علي كرتي وهو يعد العُدة لإجراء هذا الحوار التلفزيوني، عقد العزم – بعد التوكل على الله – أن يُرسل من خلاله عدة رسائل إلى إسلاميي الرصيف، طمعاً في أوبتهم، وإلى مؤيديه لدعم شوكة حركتهم، ومعارضيه لتخفيف غلوائهم، وتقليل اشتطاطهم، وإلى الشعب السوداني كافة، لذلكم فاجأ الكثيرون – وأنا واحدٌ منهم – بقدرٍ من الهدوء في المخاطبة، واتزانٍ في الخطاب، على الرغم من أن الموقف قد يتطلب بعضاً من المغاضبة تُثير الانفعالات المبررة، ولكن يبدو أن علياً فهم الحكمة التي تقول “ارتفاع الصوت لا يدل على المقدرة على الاقناع”! ورغم أن أسئلة الأخ الطاهر حسن التوم الذي بذل فيها قدراً من الحرفية المتقنة، والمهنية العالية، والتي تدفع بالمُحَاوَر لإظهار مغاضبته لبعض مجريات الأحداث، وما حاك بإخوته من ظُلمٍ بينٍ شديدٍ، لكنه تمالك نفسه، في إخفاء ما يجيش بداخلها، لا سيما وأنه كان يعلم علم اليقين أن الكثيرين داخل السودان وخارجه يتابعونه بشئٍ من الرصد والمراقبه، وأنه أول ظهور له حقيقةً وإعلاماً، لجماهير الشعب السوداني، منذ أن حدث ما حدث من تغييرٍ وسقوطٍ للإنقاذ في يوم السبت 11 أبريل (نيسان) 2019، وألجم قياداتها وأهليها كافةً من أي حِراكٍ مضادٍ إلى حينٍ من الدهر مذكوراً! فلذلك كان هادئاً متماسكاً، مرتباً حصيفاً.
وفي رأيي الخاص، أن الأخ علي كرتي، على الرغم من تسنمه عدة مناصب في الدولة، منها وزير دولة بوزارة العدل ووزير الخارجية وغيرهما، إلا أن علائقه بالوسائط الصحافية والإعلامية، لم تكن على قدرٍ من التواصل الحميم، فهو يتعامل معها بقدرٍ معلومٍ، وحذرٍ مفهومٍ، لذلك كنتُ أقول لبعض رُسلائي من الصحافيين والإعلاميين عن صمته، وقلة أحاديثه إعلامياً، لأني أعرف علائقه بالإعلام منذ أمدٍ بعيدٍ، وتوثقت تلكم العلائق عندما كنتُ أعمل في صحيفة “الشرق الأوسط” اللندنية في مقرها بلندن لأكثر من ثلاثة عقود، وألتقيه عند زياراته إلى بريطانيا، لا تعجبوا من ذلكم الموقف، فهذا الموقف لا يعني الإقلال من دوركم، أو تبخيس لمهنتكم، فقد جُبِلَ عليٌ على ذلكم، فهو يحب في كثيرٍ من الأحايين أن يكون تحركه في صناعة الأحداث خفياً، لا سيما في راهن هذه الأيام!
فلا غروّ أن كان صمته هذا مثار أحاديثٍ مرسلةٍ، من أنه يُسهم بقدرٍ فعالٍ في تحريك المشهد السياسي الراهن، وأن له صِلاتٍ واتصالاتٍ بالفريق أول عبد الفتاح البرهان عبد الرحمن رئيس المجلس السيادي الانتقالي والفريق أول محمد حمدان دقلو (حميتي) نائب رئيس المجلس السيادي الانتقالي، بل ذهبت بعض الأقاويل – القابلة للنفي – من أنه شريكٌ أصيلٌ في الذي حدث في 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021! وقد أجاب بشئٍ من التفاصيل على مثل هذه الأقاويل، غير المسنودة بمصادر موثوقة، بل يطلقها البعض على مظاننٍ مرسلةٍ غير مؤكدة! فأكد في غير مواربةٍ، من أنه ليس بينه وبين البرهان أي علاقة شخصية، بل رآه كما رآه الشعب السوداني.
أكبر الظن عندي، أن كثير من الإسلاميين يعتقدون أن كرتي نجح في قيادة الحركة بقدرٍ عظيمٍ من الدهاء، وحرص على أن يكون تحركه في صناعة الأحداث خفياً، والنأي عن الأضواء، والاختفاء عن الأنظار ما استطاع إلى ذلك سبيلاً في راهن هذه الأيام. وقد ساعدته في ذلكم جِبِلته إلى الدرجة التي يظن المرء – إن بعض الظن إثمٌ – أنه ساكنٌ بينما حراكه يغلي في التنور، في حرورٍ يضبط درجاته تماماً! فإن أحجم عن الحديث، فليس ذاكم عن عجزٍ، وإن عزف عن لقاء الصحافيين والإعلاميين، فلا يعني ذلكم جهله بدورهم. من هنا ينبغي الإشادة بالجُهد الذي بذله الأخ الطاهر حسن التوم في إقناعه لإجراء ذاكم الحوار التلفزيوني، بعد صمتٍ زاد بكثيرٍ عن صمت زكريا عليه السلام!
أخلصُ إلى أن الأخ كرتي، كان في حواره التلفزيوني ذاكم، متقد الذهن في إجاباته، حاضر البديهة في ردوده، مُبدياً قدراً كبيراً من التفاءل في غير شططٍ أو مبالغةٍ، مُؤكداً متابعته للأحداث، حتى وإن اختفى عن الأنظار، ونأى عن المجالس والمنابر!
ولقد رُتب الأمر معه ترتيباً دقيقاً، فلم تظهر عليه علامات الفُجاءة، ولم تبدو عليه دلالات المفاجأة، فعبر مسالك الحوار ودروبه، بحنكةٍ واقتدارٍ.. وأرجع كرتي عدم مقاومة التغيير الذي قادته اللجنة الأمنية مع قوى المعارضة إلى قرار الحركة الإسلامية الذي اتخذته القيادة بالإجماع، على الرغم من امتلاك الحركة الإسلامية لإمكانية المواجهة، لأنها لا تُريد أن تعود إلى السلطة عبر حرق البلاد. كما أنها لا ترغب في تكرار السيناريوهات الموجودة في بعض الدول التي احترقت بسبب الصراع على السلطة! وسيطرت الحركة على عضويتها من الانفلات، حرصاً على البلاد. وهذا يدل على نُضج الحركة الإسلامية ووعيها ورؤيتها في الحفاظ على الوطن والمواطن. ولم يفت على كرتي، تأكيد أن الحركة الإسلامية تتعامل بفقه الواقع، من خلال إقامة تحالفٍ سياسيٍ عريضٍ، ولا تُضيق واسعاً، ولا تغلق باباً، بل هي منفتحة على مكونات المجتمع السوداني. ولم تغب عليه، الإشارة إلى أن نجاح الحركة الإسلامية في رسالتها تبدى في ما قام به الشعب السوداني في الدفاع عن الشريعة والمقدسات الإسلامية، منوهاً إلى أن الشعب تقدم حتى على الحركة الإسلامية.
مما لا ريب فيه، أن الأخ علي كرتي نجح في استغلال هذا الحوار التلفزيوني في توجيه رسالة مهمة إلى الشعب السوداني من أن الأمل ما زال موجوداً!
ولنستذكر في هذا الصدد، قول الشاعر العربي عمرو بن الأهتم المنقري:
لَعَمْرُكَ ما ضاقَت ْ بِلاَدٌ بأَهْلِهَا ولكنَّ أَخلاقَ الرِّجالِ تَضيقُ