رؤى وأفكار / د.إبراهيم الصديق

على هامش المخاطبة: ليست مجرد كلمات

د. إبراهيم الصديق
(1)
ليس مجرد كلمات عابرة تلك التى قالها الفريق اول عبدالفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة والقائد العام للقوات المسلحة بمنطقة وادي سيدنا ، إنها أكثر من ذلك بكثير ، فهى إشارات مؤثرة لما يدور في الساحة من حيث توقيتها ، وقد صمت من ينبغي له الحديث في اوقات الضجيج والهرج ، ومن حيث بيانها ، والكثير غامض وبحاجة لتفسير ، ومن حيث دلالاتها وكثر هم من يتبرعون بالتحليل والتبرير والتأويل دون تفاصيل تسوقهم العاطفة أو يدفعهم الغرض أو تهزهم العاديات.. فالأمر إذن بحاجة لتفكيك..
وأول النقاط ، أن كلمات البرهان وجدت صدى واسعا ، بل شكلت منعطفا في مرحلة يمكن وصفها بالإحباط والتشتت والضبابية ، بعد ما حدث فى نيالا ، وبليلة وزالنحي ، وهذه واحدة من تأثيرات قوة الإعلام وسحر الكلمة ، دقائق معدودة وكلمات بسيطة تعطى إنطباعا مؤثرا ويكاد يمحو أثر سقوط مدينة أو منطقة وتذكير الناس بحجم المعركة وعظم المواجهة وضرورة الثبات وتأكيد الثوابت ، فلا داعي لصمت مؤسسات يفترض أن تكون ناطقة..
وثانى النقاط ، أن ما قاله الفريق أول البرهان في كثير من جوانبه وعد ، والوعود محل الوفاء ، وإختبار ذلك مسرح الاحداث في مساراتها ، ومنها تنظيف البلاد من التمرد والتقدم من حالة الدفاع إلى الهجوم ، إن نظرية الدفاع لإنهاك الطرف الآخر نتيجتها فقدان نيالا وزالنحي ومحاصرة الأبيض والجنينة ومهاجمة الفاشر وبليلة واستمرار البقاء في الخرطوم..
واختبار القول في كواليس مفاوضات جدة وكثير من التسريبات مثيرة للقلق ، والوعد والإتفاق السابق يشير لخروج المليشيا من البيوت والأعيان والمرافق العامة وفتح الطرقات واطلاق الأسرى ، والتجمع في معسكرات ، وهذا الحد الأدنى ، فهل ذلك ما يجري التفاوض عليه..
ثم توظيف القوة الضاربة من الاحتياطي ، من أجهزة الأمن والشرطة والمستنفرين ، وإسناد الجيش بما يستحق ..
وثالث النقاط ، فإن خطابات الفريق اول البرهان وأغلب قيادات الدولة ذات طابع محلي ، مع إدراكهم أن اطراف كثيرة تتدخل في شأن السودان وان المعركة ذات بعد إقليمى وامتداد لمخطط دولي ، وهذا منظور اشار إليه في خطابه بالأمم المتحدة ثم صمت عنه ، وحتى وزارة الخارجية ، عليها الإشارة لذلك لتذكير أطراف أخري ، وتحذير آخرين ولبناء قناعات لمستجدات الاحداث وقادم الأيام..
رابع النقاط ، هو حالة القلق بين المخاطبين ، ومع أن الإنضباط هو ضرورة عسكرية ، فإنها – أيضا – تعكس ما يجول في خاطر عامة المواطنين من بطء القرار وسرعة تطوير الخطط السياسية والعسكرية ، وشدة الحماس للمضى قدما..
وخامس النقاط ، أن بعض مما قال البرهان ، جاء رد فعل على مطالبات آنية أو هكذا بدأ ، (الآن تحركوا قدام) ،بينما منتظر أن يكون ذلك نتاج قراءات للمشهد ، خاصة أن البرهان اجتمع مع مجلس السيادة قبل ساعات من قدومه إلى وادي سيدنا ، فما هي غرفة إدارة الازمة ؟ هل تم الإكتفاء بالقيادة العسكرية فحسب ، اظن الأمر بحاجة لتوسيع هذه الدائرة والانفتاح أكثر على خبرات وكفاءات ذات تجارب وعزيمة..
(2)
بدأ البرهان حماسيا في خطابه رغم إشارات الحزن والتعب على وجهه ومع ذلك لم يفصح عن كل شئ وهو يتحدث عن البعض (معنا في الداخل ممن يتظاهرون بالاشفاق وهم يطعنون في الظهر) أو كما قال ، وهذا مما يعيب في هذه المواقف ، و ليس بعد الحرب والموت والنهب والتدمير جريمة ، وليس وراء الخيانة عار ، فلا داعي لهذه المناورات والبحث عن المفردات ذات التفسيرات والتأويلات المتعددة ، هذه جرائم لا تغتفر ، ضع من يقاتلك بالسلاح ومن يقاتلك بالمؤامرات في سلة واحدة ، لا داعي لمرحلة المعارك ، وللإستفادة من الزخم الشعبي في إدارة المعركة ولكشف خبايا بعض الدسائس ، فهذا اوان المعارك في الهواء الطلق ، كما ان المواقف الواضحة هذه لتحديد مسارات الحل السياسي والتأثير على بعض رعاة الأجندة الأجنبية وهم في سعي دوؤب لإعادة عقارب الساعة..
(3)
ونقطة اخيرة مهمة ، أن الحرب ليست معركة عسكرية فحسب ، وليست مجرد اصوات بنادق وحشد قوة سلاح وعتاد ورجال ، وانما عملية معقدة ، فإن بدأت بعض معالجات في التشكيل الوزاري والخدمة المدنية ، فإن ثمة ضرورة للاقتراب أكثر من القوى السياسية الوطنية والقيادات الاهلية والمجتمعية ، وتفعيل اللجان لتعزيز الأثر القانوني ، والحديث عن إعادة الإعمار والبناء..
هذا بعض أبعاد كلمات محدودة ، ولنا عودة إن شاءالله..

2 نوفمبر 2023م

اترك رد

error: Content is protected !!