عزيزي الإتحاد الإفريقي، لا يصح إلا الصحيح!
إحتراما للميثاق وليس دفاعا عن السودان، يجب إلغاء قرار التعليق والإعتذار للسودان ومحاسبة من تسببوا فيه.
مكي المغربي
من أديس أبابا
منذ العام ٢٠٠٨ وباستثناء فترة خدمتي في واشنطون ملحقا اعلاميا، لم أتغيب عن القمم الأفريقية والمناشط الكبرى إلا نادرا، وشهدت ميلاد الكثير من الإتفاقيات والأجسام القارية، بل شاركت في الاخراج الاعلامي لها والجدل حولها، وكان آخرها المنطقة الأفريقية التجارية الحرة.
في القمم والمناشط، دائما ما أكون في أعلى درجات الفخر والانسجام مع القارة ومنظماتها، ولكن هذه المرة أحضر القمة 36 في أديس ابابا وأنا أغالب الإستياء والمرارة من الإتحاد الإفريقي بسبب اللؤم والتعسف الذي تعامل به مع السودان، الدولة التي أسسته مع الآباء الكبار، الدولة التي ساعدت الدول الإفريقية الأخرى لتخرج من نير الإحتلال حتى تلحق بالمنظمة.
نعم صحيح، في قمة نيامي ٢٠١٩ ، بعد قرار التعليق السابق، قلت أنني واثق أن تعليق السودان من الإتحاد “سحابة صيف” وستذهب سريعا، ولم أهاجم الإتحاد الإفريقي، وأخذت لقطة جوار كرسي السودان الخالي، وفعلا عاد السودان، ولكنني هذه المرة مع قرار التعليق الثاني، أعتبر أن السودان مغيبا مع سبق الإصرار والترصد وليس غائبا بسبب خطأ منه. السودان مظلوم وليس معاقبا بسبب ظلم حدث منه، وكنت أتوقع أن يتبدل الحال سريعا وتتم مراجعة القرار الخطأ الذي أصدره الإتحاد الإفريقي في حق السودان، ولكن تطاول الأمر واستمر اللؤم.
مدخلي في التفنيد الذي ناقشته بالأمس مع الزملاء الإعلاميين والكتاب المتخصصين في الشأن الأفريقي والذين بدئوا في الحضور مبكرا، أن القرار أساسا “خطأ كبير” في تطبيق الميثاق ويكشف ثغرة كبيرة في عمل وإجراءات الإتحاد الأفريقي، وأنا لا أدعو إلى قرار جديد بمزاعم تغير الأحوال وحسن السير والسلوك “هذا منهج الضعفاء” بل أدعو إلى مراجعة القرار السابق والغاؤه والإعتذار للسودان.
يجب أن تحدد الرئاسة والديبلوماسية السودانية وبدقة أي دولة وأي جهة وأي شخص هو الذي قاد الأمور في هذا الإتجاه؟ ويجب مسائلته عن موقفه، وإذا كان من السودان فالمحاسبة “فرض عين”.
رغم أنني انتقدت تباطؤ وزارة الخارجية السودانية من قبل، بل وتواطؤ بعض السياسيين والديبلوماسيين، إبان “تمرد السفراء” ورغم جهود الوزير المكلف علي الصادق حينها، لكنني لا أعتقد أن موقف بعض الشخصيات في الإتحاد الإفريقي والدول الأفريقية بالإستغلال المجحف والمغرض للربكة في الإنتقال السوداني أمر يجوز غفرانه أو نسيانه أبدا. إدعاء الصداقة يكون كاذبا إذا تم استغلال اللحظات الحرجة، هذا لؤم وحقارة.
أولا: المادة ٢٣ في ميثاق الديموقراطية والإنتخابات الأفريقي تصف الإنقلاب الذي يستوجب العقوبات: (الإستيلاء على السلطة بانقلاب عسكري ضد حكومة منتخبة ديمقراطيا)، نعم ضد حكومة (منتخبة) ديموقراطيا.
نص الميثاق قطعي وواضح ولا يحتمل أي اجتهادات، بل أي فقيه قانوني يعرف (مبدأ مفهوم المخالفة) يعرف أن نتيجة النص هي أن الإجراءات من طرف داخل الإنتقال وقبل وجود حكومة منتخبة أقصى ما يمكن تسميتها (أزمة سياسية) يجب الاستفسار عنها وتصحيحها، لكنها لا تسمى انقلابا وبالتالي ترتيب عقوبات عليها باطل من الأساس ولا يجوز التفاهم حوله.
ثانيا: على فرض أن هنالك تفسير خطأ لنقطة أخرى “تتحدث عن تعديلات دستورية” أو غموض أو ربكة في الفهم، وهذا حدث بسبب الإنتقال ومضاعفاته كما شرحت سابقا، نجد المعالجة أيضا واضحة كالشمس في وضح النهار في الميثاق نفسه، ولا تستدعي أي اجتهاد أو “درس عصر” حيث ينص الميثاق في المادة ٢٥ أن الإتحاد ممثلا في مجلس السلم والأمن الأفريقي يلجأ للعقوبات بعد أن يتحرك (وتفشل المبادرات الدبلوماسية)، نعم هذا هو النص حرفيا الذي تجاوزه الإتحاد الأفريقي، ويكشف بوضوح سوء النية من بعض الشخصيات فيه، إذ لم يتجه القرار ابتداءا لبعثة تقصي حقائق ولا وساطة ولا تفاهم ولم يبذل أي جهد ديبلوماسي، بل قام بإعمال “أعور العين” لجزء من المادة في الميثاق وعطل شرط الجهود الدبلوماسية في المادة ذاتها، وعليه القرار خطأ في توصيفه لما حدث، ثم خطأ ومعيب في تطبيقه. إذن مراجعته أوجب من أي حلول توفيقية حتى لا يتكرر الخطأ مع دولة أفريقية أخرى، والسودان هنا لا يدافع عن نفسه بل عن الميثاق الذي شارك في وضعه.
ثالثا: على فرض أن القرار صدر باندفاع أو استعجال، مما يكشف سوء النية والتربص بالسودان أن الإتحاد وفي تناقض مفضوح، أيد إتفاقية البرهان حمدوك نوفمبر ٢٠٢١ والتي أعادت رئيس الوزراء وبات هو المعني بتشكيل الحكومة، ولكن الإتحاد مجددا يرفض مراجعة قراره المعيب، أو اصدار قرار جديد برفع التجميد عن السودان، ولا تفسير لهذا سوى شبهة رغبة البعض في الإيعاز للقوى السياسية الداخلية بعدم التجاوب مع حمدوك في تشكيل حكومة مستقلة من التكنوقراط، وهذا يشكك في أن ملف السودان في الإتحاد الإفريقي مخترق ومختطف سرا ولا يعبر عن الإتحاد ولا افريقيا، لذلك التحقيق واجب.
انظروا للتناقض وسوء النية، يتوسط الاتحاد لاعادة الشراكة بعد قرارات أكتوبر 2021، يتم الأمر عبر اتفاقية نوفمبر 2021 ويصدر الإتحاد بيانا مؤيدا لها داعيا المجتمع الدولي الي “تجديد تضامنه مع السودان لتعزيز السلم والتحضير الديموقراطي الجامع للإنتخابات” ورغم ذلك لا يجتمع مجلس السلم والأمن ولا يعترف بضرورة التعامل مع حمدوك رئيسا للوزراء والذي عاد بموجب رغبة الاتحاد واتفاقية نوفمبر التي أيدها الاتحاد نفسه. لقد كان الإستمرار في القرار الخاطيء معاقبة لحمدوك وليس البرهان، معاقبة لرئيس الوزراء المدني وليس قائد الجيش، لقد كان بغرض اجهاض جهود رئيس الوزراء في جمع القوى السياسية لتجاوز الأزمة وتشكيل الحكومة، وقد حدث هذا.
رابعا: مما يكشف التواطؤ أن رئيس الوزراء حمدوك بتوقيعه على إتفاق في نصه “ونتيجة لفشل كل المُبادرات في احتواء الأزمة السياسية، ترتب على ذلك اتخاذ إجراءات وقرارات بواسطة القائد العام للقوات المسلحة بتاريخ الخامس والعشرين من أكتوبر 2021”. وهذا يعني أن حمدوك وصف قرارات اكتوبر بأنها جاءت نتيجة لفشل المبادرات بما في ذلك مباردة رئيس الوزراء نفسه. لقد أيد الإتحاد الأفريقي هذه الإتفاقية التي تحمل المسئولية لجميع القوى السياسية وتفتح الباب للمصالحات وتدعم موقف رئيس الوزراء في تشكيل الحكومة، ولكن الإتحاد لم يتقدم بالخطوة السليمة مما قوض جهود رئيس الوزراء. نعم، الإتحاد مع غيره من اللاعبين لم يكن في جانب الإستقرار في السودان وإنجاح رئيس الوزراء.
خامسا: رئيس الوزراء استقال ليس بسبب المكون العسكري، وسبب استقالته بالآتي: “في ظل هذا الشتات داخل القوى السياسية والصراعات العدمية بين كل مكونات الانتقال”. وهذا كافي لتوضيح الأمر أن ما يحدث في السودان أزمة سياسية، وغياب رئيس الوزراء لا يلغي شرعية النظام، لأنه ذكر أيضا في استقالته “وبناءً على كل ما ذكرت، فإنني قد قرّرت أن أرد إليكم أمانتكم وأعلن لكم استقالتي من منصب رئيس الوزراء مفسحاً المجال لآخر من بنات أو أبناء هذا الوطن المعطاء، لاستكمال قيادة وطننا العزيز والعبور به خلال ما تبقى من عمر الانتقال”.
توجد خانة شاغرة لرئيس الوزراء، بسبب استقالة طوعية من رئيس الوزراء السابق، هل يجوز أن تستمر معاقبة السودان؟
عفوا، عزيزي القاريء للاطالة، ولكن كان لا بد أن تكون هذه المرافعة والمحاججة قطعة واحدة لتفند موقف الإتحاد الأفريقي والذي نحن جزء منه ويتحتم علينا تصحيحه والتمسك باجراء التحقيق فيه.
أذكر أنني شهدت قمة ٢٠٢٠، وكان ممثل السودان فيها رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، والتقيت حينها بالوزراء فيصل وقمر الدين، وأجريت نقاشا جيدا مع العزيزة الراحلة نجوى قدح الدم التي حضرت مع الوفد اليوغندي، واحتسيت القهوة مع وزير الخارجية المكلف، ولم اكترث لأي خلاف سياسي لأنني أقف مع السودان كدولة ويشرفني حضور ممثليه، واجتهدت للغاية في المساهمة بالصورة الإعلامية، ولكن حمدوك كان في عجلة من أمره، وفشلت المحاولة بكثرة اعتذاراته للإعلام، بل لاحظ هذا الإستعجال السودانيون العاملون في الإتحاد الأفريقي والذين يعرفون حمدوك من قبل وتوقعوا منه جلسة مميزة بحكم الزمالة، ولكنه اختصرهم.
ختاما، لا يصح إلا الصحيح، أجدد المطالبة بالمحاسبة والتصحيح والإعتذار للسودان.