تقارير

عباس كامل بالخرطوم – مساعي الأشقاء والدعم الإستثنائي – “الرواية الأولى” تعرض مخرجات الزيارة وتبحث في احتمالات نجاح القاهرة في الحل وماهو الجديد الذي تقدمه مصر عن باقي المبادرات التي غرقت في المشهد السوداني المعقد

أنباء عن مبادرة مصرية لحل الأزمة السودانية هل ستبنى على الإتفاق الإطاري أم أنها رؤية جديدة للحل

القاهرة: صباح موسى 

في زيارة مهمة في توقيتها وأهدافها، حطت طائرة اللواء عباس كامل رئيس المخابرات العامة المصرية في مطار الخرطوم، في وقت دقيق يمر به السودان، ورغم كثرة المبادرة المطروحة للحل بين الفرقاء السودانيين، لم تنجح أي مبادرة (حتى اللحظة) في لململة الشتات السوداني، وبعد أربع سنوات من ثورة ديسمبر، لم تبدأ المرحلة الإنتقالية بشكل فعلي، لتباعد وجهات النظر والرؤى حول شكل هذا الإنتقال، وسط حالة بالغة من السوء على كافة المستويات الإقتصادية والأمنية والسياسية والإجتماعية، تعددت المبادرات مابين محلي وإقليمي ودولي ومازالت الأزمة تراوح مكانها، ومع كل مبادرة تزداد الانقسامات وتطفو الاستقطابات، في مشهد باتت فيه الخلافات ذاتية، قد تقترب رؤى الحل فيه، إلا أن الخلاف دائما يكمن في التمييز بين أصحاب المصلحة، والصراع حول من يقود المشهد ومن يسيطر عليه.

لقاءات كامل

في هذه الأجواء قام رئيس المخابرات المصري عباس كامل بزيارة للخرطوم، عقد خلالها لقاءات مكثفة مع الأطراف السياسية السودانية شملت رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، علاوة على طرفي ائتلاف الحرية والتغيير (المركزي- الكتلة الوطنية)، بحث خلالها تطورات الأوضاع في البلاد، وقال بيان صادر عن مجلس السيادة إن البرهان التقى اللواء عباس كامل بحضور الفريق أول أحمد إبراهيم مفضل مدير جهاز المخابرات العامة السودانية، ونقل المسؤول الأمني المصري رسالة شفهية للبرهان  من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تتصل بالعلاقات الثنائية وسبل دعمها وتطويرها وترقية التعاون المشترك بين البلدين في كافة المجالات، وأكد البرهان أهمية العلاقات بين البلدين وضرورة تعزيزها وتمتينها بما يخدم المصالح المشتركة للشعبين.

تسريع التوافق

تأتي زيارة كامل للخرطوم في وقت تسعى فيه  أطراف دولية وإقليمية لحث السودانيين على تسريع التوافق لإنهاء الأزمة السياسية وحالة الفراغ الدستوري الناجمة عن قرارات البرهان في 25 أكتوبر2021، والذي سيطر فيها الجيش على السلطة وأبعد الحرية والتغيير المركزي، لخلاف حاد بين الطرفين في كبينة القيادة التي انطلقت بالشراكة بينهما بعد توقيع الوثيقة الدستورية في يوليو من عام 2019، وبرغم توقيع البرهان ونائبه محمد حمدان دقلو (حميدتي) قائد قوات الدعم السريع اتفاقا إطاريا مع نحو 52 من القوى السياسية أبرزها الحرية والتغيير المجلس المركزي في الخامس من ديسمبر الماضي، إلا أن الإتفاق يواجه بمعارضة شديدة من الحركات المسلحة الموقعة على إتفاق جوبا للسلام وتيارات إسلامية وقوى سياسية أخرى.

بحث الخروج

المعلومات الواردة من الخرطوم كشفت أن كامل عقد لقاءات مع مختلف الفرقاء السودانين بأحد فنادق الخرطوم المهمة لمناقشة العملية السياسية بالبلاد، وبحث كيفية الخروج من الأزمة، وشارك في الإجتماع من الحرية والتغيير المجلس المركزي كل من بابكر فيصل ومريم الصادق المهدي وعمر الدقير وكمال إسماعيل وبثينة دينار، وأعلن كامل خلال الإجتماع مع مركزي الحرية والتغيير، دعم مصر للعملية السياسية وتسريع الوصول لإتفاق نهائي يتضمن توسيع قاعدة المشاركة السياسي، وجدد كامل تأكيد حرص القاهرة على استكمال التحول الديمقراطي في السودان، وفي السياق اجتمع كامل أيضا بقادة الحرية والتغيير الكتلة الديمقراطية، وأكد على نفس ما أكد عليه في إجتماع مركزي الحرية والتغيير، ووفق المعلومات الواردة من الخرطوم أكد كامل على ضرورة توسيع المشاركة السياسية، وطرح المسؤول المصري -وفق مصادر حضرت الإجتماعات- عقد مائدة مستديرة للفرقاء السودانيين بالقاهرة لتقريب وجهات النظر، والعبور بالبلاد لإتفاق نهائي تبدأ بموجبه مرحلة إنتقالية فعلية في أسرع وقت ممكن، إلا أن طرح كامل قوبل بتحفظ من قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي، وكشفت مصادر مطلعة بالخرطوم  في تصريحات صحفية أنه تم الإتفاق بين المكون العسكري والحرية والتغيير مجموعة المجلس المركزي، والحرية والتغيير مجموعة الكتلة الديمقراطية على توقيع إعلان جديد يتجاوز معضلة الإتفاق السياسي الإطاري الموقع في الخامس من ديسمبر الماضي، والذي يجد معارضة من بعض القوى السياسية على رأسها الكتلة الديمقراطية، وأن الإتفاق الجديد قضى بتوقيع جميع الأطراف على إعلان سياسي جديد يستفيد من كل الرؤى المطروحة بما فيها الإتفاق السياسي الاطاري، وأكدت ذات المصادر أن الإتفاق الجديد جاء عقب إجتماعين ترأسهما رئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان، وضمت ممثلين لكتلتي المجلس المركزي والكتلة الديمقراطية، وتمخض عن الإجتماعين تكوين لجنة مشتركة عقدت عددا من الإجتماعات وستعقد اللجنة إجتماعا أخر يحسم الخلاف حول إسم الوثيقة الجديدة، إن كانت إعلان مباديء كما تطالب الكتلة الديمقراطية، أم إعلان سياسي كما ترى مجموعة المجلس المركزي، ومن المعلوم أن مجموعة الكتلة الديمقراطية، والتي من أبرز مكوناتها حركة تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي و حركة العدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم والحزب الإتحادي الديمقراطي الأصل بقيادة جعفر الميرغني، تتحفظ على البنود المتعلقة بتقييم إتفاق جوبا للسلام، وتعيين قادة الأجهزة العدلية من قبل القوى السياسية، وتعتبر أن ذلك إخلال بمبدأ استقلال القضاء. فهل تنطلق المبادرة المصرية والتي لم يعلن الجانب المصري عن بنودها حتى اللحظة من هذه الأرضية، مصحوبة بالمقترح المصري بمائدة مستديرة في القاهرة، والذي رحبت به الكتلة الديمقراطية وتحفظت عليه الحرية والتغيير المجلس المركزي -كما أكدت المصادر-؟

ورش الإطاري

جاءت زيارة كامل في وقت من المنتظر فيه أن تبدأ القوى الموقعة على الإتفاق الإطاري في التاسع من يناير الجاري عقد ورش العمل الخاصة بالقضايا المعلقة في الإتفاق وهي قضايا العدالة الإنتقالية والإصلاح الأمني والعسكري علاوة على تقييم إتفاق جوبا للسلام وقضية شرق السودان، وتفكيك نظام الثلاثين من يونيو. فهل ستشرع القوى الموقعة على الإتفاق الإطاري في إقامة هذه الورش أم أن الطرح المصري جاء لبداية جديدة مختلفة، أم أن القاهرة ستبني على الإتفاق الإطاري وستسعى لتوسعة المشاركة السياسية فيه؟ مازالت الإجابة هنا غير واضحة، فلم تتضح الرؤية بعد كاملة من الجانب المصري، ربما لأن القاهرة دائما لا تعلن إلا بعد اكتمال الرؤية والوصول إلى خطوات متقدمة مع الأطراف المحتلفة. فلننتظر.

طرح ممتاز

اتصلنا بالدكتورة مريم الصادق المهدي القيادية بالحرية والتغيير المجلس المركزي للتأكد من صحة تحفظهم على الطرح المصري وعلى ماجاء فيه، إلا أنها امتنعت عن التعليق قائلة ( لا تعليق لدي)، في المقابل أكد مبارك أردول القيادي بالحرية والتغيير الكتلة الديمقراطية أن الطرح المصري جاء ممتازا، وقال أردول لـ (الرواية الأولى) إن الطرح المصري يدعم حل الأزمة في السودان، وكنا ننتظره منذ زمن طويل، مضيفا أنه جاء للاستقرار السياسي، ولا يعتبر تدخلا خارجيا كباقي المبادرات، لأن الموقف المصري يؤمن على ضرورة جلوس الفرقاء السودانين وحل مشاكلهم بأنفسهم، منوها أن القاهرة جاءت بمبادرة مستقلة بعيدة عن الإتفاق الإطاري، وقال إن الإطاري فشل بالفعل في حل الأزمة في البلاد، فكيف يتم البناء عليه وحوله خلاف كبير بين القوى السياسية المختلفة، مؤكدا أن مصر بما لديها من علاقات جيدة بكل الفرقاء تستطيع أن تقدم رؤية مختلفة للحل، مشيرا أن مصر استشعرت أن الإتفاق الإطاري لن يحل الأزمة، فمازالت المواكب الرافضة له تجوب الشوارع، وأنه لو تم تشكيل حكومة بناءا على هذا الإتفاق ستسقط خلال أيام، مضيفا لذلك كان التحرك المصري السريع لعدم دخول البلاد في أزمة أكثر تعقيدا، موضحا أن الحرية والتغيير المركزي في ورطة بسبب هذا الرفض الكبير للإتفاق، وأن الأحزاب الكبيرة في المركزي على رأسها الأمة والمؤتمر السوداني يشعرون بالإحباط وأن المعارضة كبيرة للإتفاق، متوقعا نجاح المبادرة المصرية لما تحظى به القاهرة من علاقات جيدة بكافة الأطراف، وأنها تستطيع الحل على عكس باقي أصحاب المبادرة التي تتدخل في الشأن السوداني باختيار فصائل وأشخاص بعينها وابعاد آخرون -على حد قوله-.

إحساس بالخطورة

الملاحظ دائما أن مصر على مر سنوات الإنتقال السوداني الغير محققة حتى الآن، كانت لا تدخل في وساطة مباشرة في المشهد السوداني المعقد، رغم أنها الأقرب والأولى في الوصول إلى وضع يمنح السودانيون استقرارا ينعكس بدوره على الأمن القومي المصري، إلا أن القاهرة بتفهمها للتعقيدات السودانية كانت تتواصل وتنسق مع أصحاب المبادرات دون التدخل بشكل مباشر، لأنها تعي جيدا الحساسية السودانية من أي تدخلات، ويبدو أنها لم تكن ترغب في زيادة هشاشة المشهد المنهار سياسيا وأمنيا وإقتصاديا، لكن يبقى السؤال مالذي جعل القاهرة تتحرك بشكل فعلي في هذا التوقيت؟ هل هو الإحساس بالخطورة على الأوضاع في السودان، أم أنها خشت من كثرة التدخلات الأجنبية في السودان والتي لم تؤدي إلى استقرار فيه، وسينعكس ذلك بالضرورة على أمن مصر واستقرارها؟، هذه التدخلات التي لم تعد خافية على أحد، وجاءت باعتراف صريح على لسان نائب رئيس مجلس السيادة السوداني محمد حمدان دقلو (حميدتي) في حديث له قبل يومين معترفا بهذا التدخل صراحة ولم ينكره، هل هذا ماجعل القاهرة تتحرك على وجه السرعة للملة الشتات السوداني قبل إنهيار الأوضاع إلى ما يحمد عقباه؟

مهمة صعبة

على أية حال جاءت القاهرة بشكل مباشر في المشهد السوداني بعد غياب، بالتواصل مع كافة الأطراف، مفندة بذلك الدعاوى التي كانت تتهم مصر بأنها تتدخل لحساب المكون العسكري تحديدا على حساب المدنيين، فهل ستنجح القاهرة في هذه المهمة الصعبة؟ المعطيات تؤكد أن مصر لديها من الأرضية الجيدة التي تنطلق منها، فلديها علاقات جيدة بكافة الأطراف حتى داخل الحرية والتغيير المجلس المركزي التي تتحفظ على الطرح المصري كما أعلنت المصادر. ويبقى أن المشهد ليس بعيدا عن رغبة القاهرة في جمع الفرقاء السودانين على أراضيها بعد توقيع الوثيقة الدستورية وقبيل انطلاق مفاوضات جوبا للسلام في نهايات سبتمبر من عام 2019، بين نفس الأطراف تقريبا المجلس المركزي للحرية والتغيير والحركات الموقعة على سلام جوبا، ورغم أن القاهرة بذلت مجهودا كبيرا في التوافق بين الطرفين وقتها، إلا أن تحفظ المركزي كان حاضرا أيضا، ولم تحقق القاهرة المرجو تماما من هذه الإجتماعات، لتمسك المركزي بعدم إنتظار الحركات والمضي قدما بمفردها في قيادة المرحلة الإنتقالية مع المكون العسكري، وبمرور السنوات فشلت التجربة، ومازال المركزي في نفس النقطة، فما هو الجديد الذي يمكن أن تقدمه القاهرة بعد هذا الزمان، وهل يعي الموقعون على الإتفاق الإطاري أن التجربة أثبتت الفشل، ولابد من تموضع آخر جديد لحل الأزمة، هل لدى القاهرة أوراق جديدة هذه المرة، وهل أيقنت الحرية والتغيير المركزي أن مصر هي الأمينة الأولى على أمن السودان واستقراره، أم أن الأيام المقبلة ستدور في نفس الدائرة المنتهية بمزيد من الفشل؟.

اترك رد

error: Content is protected !!