كتبت على هذا العمود قبل يومين مقالاً على خلفية توجيه والي ولاية الخرطوم بضبط الوجود الأجنبي، أشرت في المقال إلى أن للوجود الأجنبي بالبلاد آثار ايجابية متمثلة في سد النقص في القوى العاملة في بعض القطاعات الاقتصادية، أهمها القطاع الزراعي والصناعي.
غير أن للوجود الأجنبي آثار سالبة تتمثل في: نشر بعض الأمراض الفتاكة مثل الايدز والتهاب الكبد الوبائي، نشر قيم وممارسات مخالفة للعادات والأعراف السودانية، زيادة نسبة البطالة وسط الشباب السوداني.
الوجود الأجنبي بالبلاد أصبح حقيقة تستلزم القيام بإجراءات مؤسسية لضبطه، ومن المؤكد أن الوجود الاجنبي غير المقنن أصبح خطراً يهدد الامن القومي السوداني.
تلقيت العديد من الملاحظات حول الموضوع، ومن بينها ملاحظات مهمة من سعادة الفريق شرطة الفاتح التجاني رئيس هيئة الجوازات والسجل المدني الأسبق، الذي قال:( كنت قد عملت في خواتيم عمري الشرطي بهيئة الجوازات، وسبق ذلك عملي بالجوازات في بدايات عهدي بالشرطة، خلال عملي ركزت نوعاً ما على عمل الأجانب، لاحظت أن القوانين موجودة، لكنها معطلة تماماً، ليس عن جهل بها ولا غفلة، بل عن قصد.
واحكي واقعه صغيرة، في العام 2012 كنت رئيساً لهيئة الجوازات والسجل المدني، أصدرت توجيهات بتنشيط العمل فيما يختص بالأجانب، على أن يتم البدء بالجالية الاثيوبية باعتبارها أكبر الجاليات الأجنبية بالبلاد حينها. بدأت العمل بالجلوس والتنسيق مع السفير الإثيوبي، بواسطة وزارة الخارجية ولأكثر من ثلاثة مرات، وبدأنا في حملات مكثفة، لضبط وترحيل مخالفي الإقامة، رغم عدم فاعلية الترحيل، اولاً لتكلفته العالية، وثانياً لعودة المرحلين مرة أخرى، بعد ترحيلهم!
بدأنا في الحملات بعلم السفارة الاثيوبية، ووجه رئيس الجهاز القضائي بولاية الخرطوم القضاة بأن يكون السجن عقوبة مع الترحيل للمخالفين. بعد عدة حملات تم استدعائي لمكتب وزير الداخلية، أنا كرئيس للهيئة مع مدير الجوازات، عند مقابلة السيد الوزير، سألنا عن الحملات الشديدة ضد الاحباش، أطلعت الوزير على ما تم مع السفير الإثيوبي، وما لمسناه من تباطؤ في تنفيذ ما اتفق عليه في جلسات ثلاث مع رئيس الجالية الاثيوبية، وبعض عريفي القبائل الذين طلبنا عونهم للتنسيق معنا في الحصر.
افادنا الوزير ان ذلك الأمر أحرجه مع الرئيس (يقصد الرئيس السابق عمر البشير) إذ لأعلم له به. رددت ان المجلس الأعلى للهجرة قد وجه بذلك في مضابط اجتماعاته، والمجلس الأعلى للهجرة يرأسه نائب الرئيس، وأعضاؤه الوزراء ذو الصلة، بالإضافة لنائب مدير الجهاز الأمن والمخابرات الوطني، ومقرره مدير عام الشرطة، ويحضره مفوض اللاجئين ورئيس هيئة الجوازات. برغم كل هذا الشرح تم لومنا بطريقه مهذبة، وتم توجيهنا بأن نوقف الحملات.
تعليق: من الواضح أن العلاقات الإستراتيجية بين البلدين في ذلك الحين كانت من ضمن أسباب إيقاف ضبط الجالية الإثيوبية. هل استفاد السودان من ذلك أم تضرر؟ نحتاج لتقويم استراتيجي مدروس تعمل على هديه الأجهزة المختصة بضبط الأجانب. والله الموفق.