
فى ظل الأحداث السياسية والعسكرية المتسارعة فى بلادنا تتزاحم القضايا التى تتفاوت مابين قضايا طارئة أوعابرة وبين قضايا إستراتيجية وجوهرية والتى تتناولها المنصات الإعلامية وكُتَّاب الأعمدة وصُنَّاع الرأى بالنقد والتحليل والنقاش الجاد والهادف الذى يُبنى على الوقائع والمُعطيات لا على الأهواء ، وينطلق من المسؤولية لا من الرغبة فى التصعيد والإثارة .. رغم أن هنالك خطاباً إعلامياً ضِراراً مبنيٌ على الوهم ويُفرغ النقاش العام من الجِدِيَّة ويملأ الفضاءات الإعلامية ويزرع الشكوك فى كل ما يصدر عن الدولة ويُجبِرُ الناس على التفاعل مع قضايا وهمية على حساب قضاياهم الحقيقية ويُحَوِّل الرأى العام إلى فريسة سهلة للإشاعات .. !! ومن تلك القضايا التى يستوجب تناولها بموضوعية بعيداً عن الحساسيات تلك التحولات الديموغرافية العميقة التى حدثت فى المجتمع السودانى والمرتبطة بالتدفقات البشرية القادمة من المحيط الإقليمى المضطرب أصلاً والتى تطرح أسئلة عميقة حول قدرة الدولة السودانية على تنظيم حركة الأشخاص وتلك المجموعات داخل حدودها الوطنية ، وحول الآثار الإجتماعية والأمنية والإقتصادية المترتبة على إستقرار مجموعات بشرية جديدة فى الفضاء السودانى الذى يُعانى أصلاً من هشاشة إقتصادية وأمنية ومجتمعية لاسيما بعد الحرب التى أحدثت تغييراً حقيقياً فى شكل المجتمع السودانى .. وهنا تبرز الحاجة إلى مقاربة عقلانية توازن بين الكرامة الإنسانية والمحافظة على الأمن القومى والسيادة الوطنية والتماسك الإجتماعى الضرورى لمنع إنزلاق المجتمع نحو التوترات الفئوية والعرقية .. فيجب إلاّ تكون هنالك إقامة مفتوحة للأجانب بلا غرض موضوعى ودون أن تكون تحت أعين الدولة ، ولاعبور دائم لهم بلا ضوابط .. !!
ومن القضايا التى يستوجب الوقوف عندها أيضاً عدم التسامح مع كل من يتطاول على لُحمَة المجتمع السودانى ويمارس التشكيك فى كيان الوطن ويصفه باللادولة ..!! فيكفينا هواناً وتهاوناً ، ويكفينا تصامماً على مثل هذا الطيش ..!! فغياب سياسة الردع الأمنى والقضائى يمكن أن تودى إلى تفاقم الفوضى التى قد تخرج عن السيطرة إن لم يقف الجميع لاسيما صُنَّاع الرأى العام فى مواجهتها ..!! فالضرورة تقتضى من الجميع عدم التسامح مع من يطرح شروطاً لوطنيته ولإحترامه لقانون الدولة وسياساتها ، وعدم التسامح مع كل تصعيد قبلى أو إثنى يختلق أسباب الفوضى أو يتمادى فى التحريض على العنف والكراهية ويتحدّى مشاعر الشعب وكل عوامل الإستقرار .. !! فكل لين قد يُعتبر ضعفاً وكل تودد قد يُعدُّ رُضوخاً وكُلُّ تغاضٍ قد يُفهم غباءً ..!! فإن كانت هنالك ثمة مظالم تأريخية إفتراضاً ( ولا أرى لها وجوداً فى الواقع ) ينبغى أن تكون موضع معالجة حكيمة لا مدعاةً للمزايدة والمساومة .. فمظالم الأمس إن كانت حقاً كما يدَّعى أصحابها لا تُعالج بصفقات اليوم السياسية ..!! بل لا يعالجها إلاَّ مشروع وطنى صادق للمصالحة والإنصاف من أجل الإنطلاق للبناء وإعادة الإعمار لما دمرته الحرب ..!!
ومن القضايا التى يجب على قادة المجتمع تناولها بعمق أيضاً أن أهل السودان يتطلعون لأن يكون أهل القانون قدوة فى ترسيخ ثقافة الإنصاف فى حكومة الأمل التى نأمل فيها حُسن الأداء ، فإحترام الأحكام والقرارات التى تُصدرها السلطة القضائية واجبٌ على الكافة وركيزة أساسية لأى نظام قانونى سليم ولأى مجتمع محترم .. فتنفيذ الأحكام القضائية يُعزز ثقة المجتمع فى العدالة ويُكرُّس حكم القانون .. وتظل قضية ضباط الشرطة المفصولين تعسفياً فى ٢٠٢٠م كنموذج تُثير الكثير من التساؤلات التى تتعلق بعدم تنفيذ حُكم قضائى بات ألغى قرار الإحالة لعدم قانونيته ..!! ويُحمد لتلك المجموعة المستنيرة ولجنتها الإعلامية المحترمة أنها لم تتوجه بالإساءة لاقولاً ولافعلاً لتلك المؤسسات التى مانعت وتمنَّعت فى تنفيذ ذلك الحكم القضائى الصادر من محكمة الطعون الإدارية العليا ، ولم تمسها بسوء تشهيراً بها ولم تستخدم وسائل غير قانونية أو غير أخلاقية ، بل عملت للسعى القانونى لتأكيد حقها فى التنفيذ دون المساس بمكانة تلك المؤسسات وشخصياتها الإعتبارية ..!!
هذا قليل من كثير من القضايا التى تستوجب من حكومة الأمل الوقوف عندها حتى لايُصاب أهل السودان الذين يعيشون حياتهم على ذمة الموت بخيبة الأمل .. فالأوضاع العامة فى البلاد رغم إحساننا الظن بحكومتنا و كامل تأييدنا لها مرتبكة وحائرة وضبابية .. وأن أكثر ما يُقلق أهل السودان هذه الأيام الأوضاع الإقتصادية الصعبة وهذا الإرتفاع الجنونى فى المعيشة وفى سعر الصرف .. فهاهو الدولار يُخرج لسانه مستهزئاً .. والجنيه المصرى يُنشدُ مع العباسى : ستون قَصَّرت الخُطا فتركننى أمشى الهُوينى ظالعاً مُتعثِّرا ..!!
حفظ الله بلادنا وأهلها من كل سوء .
✍🏼 لواء شرطة (م) :
د . إدريس عبدالله ليمان
السبت ١٩ يوليو ٢٠٢٥م