الرأي

سيناريوهات قاتمة و روسيا المتهم الاول و تعقيدات بوكو حرام وحرب السودان .. تشاد توجه (لكمة) للوجود الفرنسي التاريخي على أرضها

كتب : عمار عوض

لم يكن يدور بخلد وزير خارجية فرنسا جان نويل بارو وهو عائد برفقة وزير الخارجية التشادي من رحلتهم الى معسكر ادري للنازحين على الحدود مع تشاد، نهار أمس الخميس ، في أول زيارة خارجية له بعد تعيينه الشهر الماضي وزيرا من قبل الرئيس ايمانويل ماكرون ، أن الوزير التشادي يحمل ضمن أوراق أخرى ، بيانا تاريخيا أو انقلابيا كاملا على 66 عاما هي كانت عمر اتفاقية الدفاع المشترك بين الجمهورية الفرنسية والتشادية ، التي تتيح لنحو 3 الف جندي فرنسي التواجد والانتشار في 3 قواعد عسكرية فرنسية بكامل تسليحها من المدفع الرشاش الى الطائرات الفرنسية المقاتلة طالما ساعدت انجمينا على المحافظة على امنها من هجمات الارهابيين من بوكو حرام او من الانقلابيين الذين طالما طرقوا أبواب القصر الرئاسي بـ نيران مدافعهم .

قرار تشاد المفاجئ بوقف اتفاقية الدفاع قطعا سيكون ضربة كبيرة لآخر القلاع الفرنسية في أفريقيا (الساحل والصحراء) ، بعد خسارتها النيجر ومالي وبوركينا فاسو وافريقيا الوسطى واليوم تشاد وربما غدا السنغال التي أصدر وزير خارجيتها بياما قبيل وصول الوزير الفرنسي جان بارو جددت من خلالها السنغال وصفها المتأخر للوجود الفرنسي في أراضيها انه “يهدد السيادة في السنغال ” .

كما أن كل هذه المستجدات في نجامينا ادهشت جميع المراقبين وهم يتابعون باعجاب فرنسا تحاول ان تعيد حساباتها في الازمة السودانية بعد ان طالتها اتهامات المراقبين أنها متواطئة مع دولة مثل الإمارات المتهمة من قبل الحكومة السودانية بأنها تؤجج الحرب في السودان عبر ارسال الاسلحة الى متمردي مليشيا قوات الدعم السريع في حربها ضد المؤسسات والمواطنين ،بحسب ما يرى كثيرون كانوا يستدلون بأن الوجود والنفوذ العسكري الفرنسي في تشاد يعلم بالضرورة تفاصيل اكثر بكثير من التي وردت في تقرير لجنة خبراء الأمم المتحدة لمراقبة حظر السلاح لدارفور التي أكدت وجود رحلات تحمل اسلحة الى الدعم السريع .

لذا كان من المفهوم والمرغوب أن يحاول الوزير الفرنسي جان نويل بارو الذي جرى تعيينه الشهر الماضي خلفا لسلفه الوزير ستيفان سيجورنيه، (حبيب) ماكرون الذي تراجع نفوذ فرنسا في عهده بشكل غير مسبوق إن كان في بلاد الشام أو في دول الساحل او حتى دارفور التي اختارها الوزير الجديد جان بارو لتكون أولى محطاته هي مدينة أدري التشادية، التي زارها برفقة نظيره التشادي عبد الرحمن غلام الله، حيث مخيمات اللاجئين، كما حثّ جان نويل بارو طرفي النزاع في السودان على وقف الأعمال القتالية والدخول في مفاوضات. والأهم من ذلك أنه دعا «القوى الخارجية المتحالفة مع المتحاربين إلى التوقف عن صبّ الزيت على النار»، لكن من غير الدخول في لعبة الأسماء، واتهام دول بعينها بالتدخل في الحرب الأهلية الدموية الدائرة في السودان

واضح ان الوزير نويل بارو وهو يدلي بتصريحاته المتوازنة تجاه التدخلات الخارجية في حرب السودان كان كمن يسير في حقل ألغام وهو لايريد ان يخسر الإمارات وقبل ذلك لا يريد إحراج الحكومة التشادية ووزيرها غلام الله الذي كان يقف في جانبه وهو يخفي رصاصة الرحمة على الوجود الفرنسي في الأراضي التشادية .

كثير من المراقبين وانا منهم وتعليقات المهتمين والصحافيين السودانيين والأجانب كلها صبت في أن قرار تشاد انهاء العلاقة مع فرنسا بهذا الشكل الدرامي إنما من صنع روسيا التي سبق وأن دفعت النيجر لإلغاء القاعدة الأمريكية العسكرية في غدامس بعد ساعات مغادرة الوفد العسكري الأمريكي الذي صرح بأن الأمور تمضي للتجديد للقاعدة الأمريكية بعد استلام الجيش النيجري السلطة والغائه الوجود الفرنسي ، كما تشابه دراما إنهاء الوجود الفرنسي في تشاد ما حدث للمبعوث الأمريكي جورج فيلتمان الذي عندما كانت طائرته تغادر المجال الجوي السوداني تم تغيير في بنية السلطة في الخرطوم لما رأى كثيرون انه استجابة لمغازلات وطموحات روسيا ليست بعيدة.

وبعيدا عن التفسير والكيفية والمصالح التي تلاقت وشكلت واقع السودان والكيفية والمسؤولية عن إنهاء فترة الانتقال في السودان او تساقط الثمار الفرنسية في يسر وسرعة في يد موسكو فلادمير بوتين ، نجد أن واقعا غير معروف سياقاته سيشكل قادم الايام في تشاد خاصة وان باريس لن تصمت على انهاء نفوذها في وقت هي في أمس الحاجة له ، ما يجعل هناك ثلاث سيناريوهات تظلل المشهد في الجارة تشاد :

ان الأمور ستمضي مثل ما كانت وان فرنسا ستصدق ما قالته تشاد في بيان الوزير غلام الله الذي اكد ان انهاء اتفاقية الدفاع لا يعني انتهاء وقطع التواصل والتشاور مع فرنسا ، ما يعني أن الأمور ستمضي الى استمرار الوجود الفرنسي ولو بشكل معوي قوي .

الأمر الثاني الذي يكتنف تشاد أن تقوم باريس باستخدام كل علاقاتها لإنهاء حكم الجنرال كاكا الذي ثبتت اقدامه بالقوة بعد رحيل والده عن قصر الحكم في انجمينا بعد مقتله على يد معارضيه الذين كانت تربطهم علاقة ما مع المؤسسات الفرنسية لعيش المعارض مهدي حكيم لعقود في باريس ، ومع ذلك دعمت فرنسا حليفها التاريخي محمد كاكا الذي بدا التوتر بينه والمؤسسات الفرنسية خافتا بعد اعلانه إحباط محاولة انقلابية يقودها عمه الجنرال اديبي الذي تربطه علاقة وثيقة مع الجيش الفرنسي ، وهو ما يفسر اتجاه الرئيس محمد كاكا لمكون _العربفون – الذين عين وزير الامن الحالي الجنرال اغيش خلفا لادريس بوي المنتمي الفرانكفون ، وهي الوصفة التي يرجح كثي قصر الحكم في نجامينا لقطع الطريق على محاولة ابعادها عن اخر مستعمراتها جنوب الصحراء

الامر الثالث ان تتحول تشاد الى ساحة معركة بالوكالة او حرب باردة او ساخنة لا احد يعلم شكلها ولكن الجميع يعلم خطورة تحول الاراضي التشادية الى ميدان رماية يكون طرفيه روسيا في مواجهة فرنسا والولايات المتحدة ، في ظل تفكك المجتمع التشادي ونخبته العسكرية نحو الموقف من حرب السودان ، وفي ظلعودة الهجمات الارهابية التي قامت بها مؤخرا جماعة بوكو حرام شهر نوفمبر الجاري قرب بحيرة تشاد وخروج الرئيس كاكا بجنوده الى الصحراء .

ويتخوف كثيرين ومنهم الكاتب ان يشكل عودة المقاتلين التشاديين والماليين والنيجريين محملين بالاسلحة من حرب السودان الى تشاد او حركتهم العكسية نحو السودان ومعارك دارفور الحامية ـ لكن المؤكد بكل تاكيد ان خروب رسم واعادة رسم خطوط النفوذ الدولي في افريقيا الساحل والصحراء والقرن الافريقي وبالضرورة بلادنا السودان ، ستكون معارك غير مسبوقة وانه من غير المعروف ماذا ستكون ردة فعل الولايات المتحدة بقيادة ترامب تجاه تنامي النفوذ الروسي في افريقيا وماهو تاثير ذلك على السودان وهو ما سنحاول الاجابة عليه قريبا ، ان اسعفتنا الاحداث في منطقتنا وابطات خطاها المتسارعة نحو؟!.

عمار عوض: كاتب صحافي تفرغ لمتابعة الانتقال والحرب في السودان ومهتم بالجيوبلتك المحيط بارضه

اترك رد

error: Content is protected !!