”ما أفسدته السياسة أصلحه منير في ساعتين فقط”، هكذا قال لي صديقي العزيز من دولة السودان، عقب انتهاء الحفل مباشرة.
في حقيقة الأمر، لم تدهشني كلمات الصديق، فما شاهدته وشعرت به يوم الجمعة الماضية 10 مارس في حفل الفنان الكبير محمد منير، تعدى حدود خيالي الصحفي والشخصي.
فقد تشرفت بحضور حفل منير الذي أحياه بالعاصمة السودانية “الخرطوم” بعد غياب ١٥ عاماً عن السودان، فتراقصت أمواج النيل على صوته.
قبيل بدء الحفل شاهدت طوابير الآلاف من جماهير الكينج ينتظرون الدخول على البوابة الجنوبية لقاعة الصداقة (أكبر وأفخم قاعات السودان) مع تنظيم رائع من المنظمين وتعاون من الأمن السوداني لتأمين الحفل والجماهير.
خلال الحفل الباهر لاحظت أن ٩٠ ٪ من الحضور من فئة “الشباب”… نعم، فجماهير منير من الشباب كثيرين بجانب أجيال الأباء والأمهات حتى الأطفال الصغار الذي لا يتعدى عمرهم ٥ سنوات كانوا يذهبون لأقرب نقطة يقف فيها منير على المسرح ويتبادلون معه القبلات.
تفاعل الحضور مع منير لن يستطيع قلمي وصفه، فلابد أن يُرى بعين القلب حتى يشعر حالة الامتزاج بين صوت منير وإحساس جماهيره من الأطفال والشباب وكبار السن ! فقد صنع الكينج في هذا اليوم “حاله” قائمة بذاتها امتزج فيها “الحب والعشق، التاريخ والحضارة، الثوره والحماس، والشعور بأن هذا الجيل من الشباب قلبه حي وأخضر ينبض بكل معنى عظيم، وبرئ”.
هذه الحالة وحدت الفرقاء من السودانيين، فمن فرقت قلوبهم السياسة وحدهم منير بصوته، فأصبح “مُتفق عليه” في حبه، وبرغم الحزن الكامن في شوارع الخرطوم العريقة أحيا صوت منير فيها الأمل والفرح من جديد، ففاضت أعين الحاضرين بدموع العشق لبلدهم الحبيبة ناظرين بأمل عميق أن “لسه أجمل يوم مجاشي” ولكن سيأتي حتماً سيأتي بوحده وسواعد وروح وطاقة جيل الشباب المتحمس المفعم بالثوره والعشق للسودان.
وعندما تحدث منير على المسرح إلى الجمهور، قائلاً: “أنا من ساعه ما جيت وأنا بسمع جمله آهلًا بيك في وطنك التاني، والحقيقي أنا معنديش وطن تاني، لأن مصر والسودان هما وطني”… تفاعل الحضور بتصفيق حار، عَبر عن عمق العلاقات الحقيقي بين بلدين مصيرهما مشترك، حال كلً منهما مرهون بمصير الآخر مهما فرقتهم السياسة، وحال بينهم أصحاب المصالح الخفية، فلا يُمكن أن يتخلى أخ عن توأمه، فبغض النظر عن “كليشيهات” التصريحات الإعلامية هذه هي الحقيقة وإذا كان هناك اختلافات في الروئ فالحوار الصريح هو السبيل الوحيد لبلوغ التوافق، فالأشقاء لا يمكن أن ينقطع بينهم جسور المحبة والمودة عن بعضهم البعض والدليل حفل الفنان الكبير محمد منير، الذي حضره المصري والسوداني والإثيوبي وكل أفريقي وعربي مُحب لصوت مصري أصيل ورمز فني وتاريخي مصري!
شكراً محمد منير فقد نفخت في روحنا الأمل من جديد، وأسعدتنا من قلوبنا، فالمؤكد أن “منير سؤال ولا زال مجاش عليه الرد”