رهانات البرهان: هل تكتفي القوى الوطنية بردود الافعال دون تقديم مشروع وطني..
(1)
فجأة تبدلت مواقف قادة الجيش ، دون مقدمات تذكر ، فمنذ اكتوبر الماضي (أى ما قبل) حوارات جنيف ، فإن الموقف الموحد لقادة مجلس السيادة الانتقالي من العسكريين هو (انتهاء العملية العسكرية أولاً ) ثم بدء المسار السياسي ، وحتى اختيارات التعديل الوزارى الاخير جرت تحت هذا الشعار..
لماذا فجأة احتشدت الخرطوم بالسياسيين وعادوا من مهاجرهم إلى فنادق بورتسودان ، وحظوا بخطاب من رئيس مجلس السيادة الانتقالي والقائد العام للقوات المسلحة ، وطرح فيه خطة سياسية ، وهاجم فيه آخرين من داعميه فى معركته الاساسية وفتح الباب لآخرين ظل بعضهم محل عداوته وسخروا منه ومن المؤسسة العسكرية.. هل يبحث البرهان عن مشروعية سياسية ؟ ولماذا يريد استبدال مشروعية شعبية واصطفاف وطني بدعم مجموعة سياسية مهما علا شأنها فهى جزء من كل ؟ ولماذا استبدل الالتفاف حول قضايا الوطن الكبرى وكليات وارتضى النزول إلى نتائج ورشة عمل فى فندق بعيداً عن الأضواء؟ .. وهل أنتهت معركة الوطن الوجودية الكبرى ؟.. من الصعب تقديم اجابات حاسمة لهذه الاسئلة ، ولكن بعض الاشارات والوقائع قد تعطي تفسيرات..
(2)
بعد حديث البرهان صباح الأحد 9 فبراير 2025م ، اصدرت وزارة الخارجية بياناً استعرضت فيه نتائج ورشة القوى السياسية وملخص اقوال البرهان وطالبت المجتمع الدولي والاتحاد الافريقي بإعتماد ذلك المقترح واخذه فى الاعتبار..
لم تطرح نتائج ورشة القوى السياسية إلى النقاش العام أو حتى القوى الاخرى أو القطاعات المجتمعية والاهلية ، ولم يطلب منهم إبداء آراءهم حولها ، فهل اتضحت الصورة ؟..
أنفق البرهان 25% من خطابه لتقديم الشكر للقوى الوطنية والشعبية وقطاعات المجتمع والطرق الصوفية والقيادات الاهلية لدورهم فى معركة الكرامة ، فقد قدموا الأنفس والمال والدماء والجراح ، وصبروا على مرارة الحرب ورابطوا وصابروا ، ولكنه فى ذات المنبر وذات المكان تجاهل الاستماع اليهم وطفق عائداً إلى (وثيقة الدستورية).. فما بال الرجل ؟
(3)
ثلاث ترجيحات فى تفسير هذا الموقف:
- مناورة مع المجتمع الدولي والاقليمي لسحب البساط من دعوة لاجتماع على هامش القمة الافريقية ، بمشاركة قوى سياسية ونشطاء من مجموعة (فندق كورال) ومجموعة فك الارتباط مع (تقدم) نسخة حاضنة مليشيا الدعم السريع طيلة 21 شهراً من الحرب ، وهذه افتراض راجح لسببين اولهما: ضعف السلطة القائمة أمام وعيد المجتمع الدولي وضغوطه ، ومحاولة كسب الرضا بأكبر قدر من التنازلات ، وحتى عندما اصدر نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي السيد مالك عقار هذه الورشة واصدر بياناً تفصيلياً ، فقد ركز هجومه على دولة الإمارات العربية المتحدة دون الاتحاد الافريقي الذى وافق على الورشة ورعاها ودعا لها الأمين العام للامم المتحدة ولم تقدم الحكومة احتجاجاً للمنظمة الاممية ؟ والثاني هو توفير حاضنة سياسية فى مواجهة تنامى فاعلية التيار الوطنى والاسلامي ، وهذه قضية تثير حفيظة شريحة واسعة محيطة بالقائد العام للجيش..
- اما الإفتراض الثاني هو تخطيط الانفراد بالسلطة لمرحلة جديدة استناداً إلى الالتفاف الشعبي ، حول معركة الكرامة ، واستغلال بعض القوى السياسية والمجتمعية لتوفير ضامن للانتقال ، ولهذا ورد مقترح فترة تأسيسية لإستكمال العمليات العسكرية ، وتشكيل حكومة تكنوقراط ، مما يتيح له البقاء فى السلطة لأطول فترة لا تقل عن ثلاث سنوات ثم فترة انتقالية بفترة اخرى ، ويمكن خلال ذلك اعادة ترتيب اولوياته وتعزيز سلطاته وتشكيل قاعدة رهان جديد بقوى سياسية خليط من النشطاء والقطاعات الاجتماعية..
- اما الافتراض الثالث هو تأجيل مناقشة قضية التفريط فى (الأمن الوطنى) والسماح بتمدد مليشيا آل دقلو الارهابية وتقوية نفوذها ومع التسليح وتمكينها من السيطرة كلياً على المواقع الاستراتيجية فى العاصمة وتمددها فى الولايات المختلفة ، والوصول إلى تسوية فى منتصف الطريق تسمح بطى هذه الصفحة..
وربما كل هذه الافتراضات مع مستويات اهتمام مختلف..
(4)
وفى كل الأحوال ، فإن الخلاصة أن هناك تياراً له أجندة ، ولا يمكن إلقاء اليوم عليهم ، فمن تهيأت له الظروف يغتنم الفرص..
فلماذا لا تتشكل تيارات أخرى وطنية للتعبير عن منظورها ورؤيتها ومخاطبة الرأى العام السوداني بوضوح وتقديم مشروع وطني إن لم يكن متوافق عليه ليكن معلوماً وواضحاً .. - ما هو مشروع (المؤتمر الوطني) السياسي والاجتماعي والاقتصادي اليوم ورؤيته حول تحديات الراهن والمستقبل ؟، وفى رأي أن ما تم نشره البعض حول تباين الآراء حول قضية رئاسة الحزب أكثر كثيراً من الحديث للراى العام وللشباب وللمجتمع الدولي والاقليمي ، ولا تتوفر مرجعية محددة..
- ما هو موقف حزب المؤتمر الشعبي ، ولديه قدرة أكبر على الحركة والتواصل مع الآخرين ؟ وبناء شراكة سياسية واجتماعية ؟
- ما هو موقف التيار الاسلامي بشكل عام ، من انصار السنة المحمدية وهم تيار اجتماعي له حضوره ووزنه وفاعليته وانتشار والطرق الصوفية والقيادات الاهلية وقد اصبح دورهم مؤثراً؟
- كيف يمكن توظيف فاعلية قادة الرأى العام والمؤثرين لصالح قضايا الوطن المصيرية ؟
اعتقد كلها اسئلة ملحة ، وبدلاًً عن تعالى الضوضاء وردود الافعال ، ليكن لكم فعل ، والفعل (مشروع وطني متكامل)..