فضل الله رابح
يبدو أن المجتمع السوداني اليوم بدأ يتفهم قليلا معني وقيمة الكلمة التي قالها رئيس مجلس السيادة والقائد العام للجيش الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان خلال يوميات الحرب الوجودية الحالية ، وكانت وقتها محل سخرية البعض بدوافع بعضها موضوعي وبعضها يبدو ثانويا في سياق الاستعجال والانتقادات دون وضع إعتبار إلي أن الجيش يتحرك وفق إستراتيجية مبنية في المقام الاول علي الاستثمار في المجتمع وتوظيف قدراته فضلا عن التموضع الصحيح والتمسك بفكرة البقاء في الثكنات وعد تشتيت الجهود والاحتفاظ بالمقار العسكرية ما أمكن والتعويل علي الذات أكثر من النظر إلي الروافع الدولية وتهويل البعض ورفع قيمة المليشيا عدة وعتادا ، مهما كان : ( مافي مليشيا بتحكم دولة) .. وليست مبالغة إذا قلت إن الجيش وفق تجاربه المتراكمة وعلمه التام بقدرات وطريقة قتال صنم العجوة (الدعم السريع) الذي صنعه بنفسه داخل ثكناته ثم تمرد عليه كان علي يقين بتحقيق الانتصار وهزيمة المليشيا ميدانيا .. الجيش اليوم أعطانا أول درس في التعويل علي الذات وأن سر القوة الذاتية الحقيقية هي أن تعمل وفق استراتيجية تكسب من خلالها رهان الجولة الأولي وتثبت من خلالها قدرة الجيش علي تأمين البلاد وسيادتها من هذا الغول اللعين وأشباهه عندها تكسب ثقة الشعب … الان استراتيجية النفس الطويل والحفر بالابرة أثبتت جدواها وأعطت القوات المسلحة فرص المناورة الداخلية والخارجية والبحث مع الجميع لإيجاد الحلول المناسبة للازمة ، وفي نفس الوقت الجيش متقدم ميدانيا بثبات دون تراخي وهو يمضي في تحقيق انتصارات محسوسة للجميع ، صحيح أن الخسائر المادية الناتجة عن سياسة التاني والبطئ العملياتي والحفر بالابرة كانت كبيرة وفادحة بل محبطة للبعض لكن ما كان للجيش أن ينتصر من دون خسائر مادية وبشرية وماكان للجيش أن يحقق انتصارات من دون تضحيات ، فالأمة الحية والناهضة جديرة بأن تعوض خسائرها المادية والاقتصادية وان تحول محنها الي منح وعثراتها الي نجاحات عظيمة ولكن لا قدر الله اذا كان قادة الجيش قد تهوروا وهاضوا هذه الحرب بردود الأفعال وافعالات البعض لانكسر عظم الجيش وكانت الخسارة حتكون مؤلمة بل موجعة للشعب قبل الجيش وربما لا تعوض في القريب العاجل ، ولا قدر اذا انهار الجيش الوطني أمام تهور المليشيا القبلية كان : (الرماد كال حماد)… وفي ذلك أننا شاهدنا سوء ممارسات المليشيا قبل أن يدين لها الحكم وقبل أن يجلس قائد التمرد علي كرسي الرئيس شاهدنا كيف هو وضع الأهالي والأسر وما حدث للأطفال والنساء والشيوخ في دارفور ، كيف يموتون تحت نيران المليشيا والمليشيات المتحالفة معها وأمام أنظار العالم والمليشيا وقيادتها وحواضنها السياسية والاجتماعية غير عابئة بكل هذه الممارسات اللانسانية والتنديدات ومواصلة عربدت وتهديدات عناصر المليشيا لبقية مدن السودان ومجتمعاته المسالمة ، بل وصل الامر بالمليشيا وعناصرها المدنية إلي أن تعلن أنها تتكفل بتوزيع المساعدات الإنسانية للاجيئين السودانيين ، تخيل عزيزي القارئ أن الذين يقتلون الاطفال والنساء في دارفور وأوجعوا الأسر بالعاصمة ومدني اسرا ونهبا وفي فلذات أكبادهم وقضوا علي مكون قبلي كامل في (الجنينة) بتصفية قبيلة المساليت هم انفسهم من يتكفلون بتوزيع المساعدات الإنسانية ..!!
إنه منتهي الإستفزاز لكل الدنيا ومنتهي الاستقواء .. كما رأينا خلال تجربة حرب ١٥ ابريل ٢٠٢٣م علي السودان كيف أن ما تسمي نفسها منظمات دولية أو إقليمية أو أممية إنها في ملف السودان وازمته الحالية غير محايدة ولا موضوعية بل تدعم الحليف والظهير السياسي للمليشيا (تقدم) تحت غطاء دعم الديمقراطية أي ديمقراطية تأتي محمولة ببندقية التمرد .. علي العموم الجيش وقائده أثبتوا لنا أن أستراتيجية وتخطيط الحفر بالأبرة هي الخطة الأذكي والسلاح الأمضي ، وبالتالي تحليل هذه الخطة طويلة النفس يفتح الباب أمام قضايا كثيرة مسكوت عنها ويقاسيها المواطن السوداني وهو يموت في اليوم ألف مرة بسببها .. وفي نفس الوقت التأمل فيها يفتح الأفق نحو مفاهيم ومؤسسات جديرة بالتعامل واهمها إذا اردت أن تنتصر في الحرب ومواجهة الصعاب ، عليك بالتموضع السليم والتعويل علي الذات وأمتلاك أسباب القوة حتي تعيد الموازين إلي نصابها ، واضح أن ما يحدث في السودان الي نهايات لكن اللهب ومخلفاته ستتأثر بها جهات عديدة من دول الجوار السوداني ناحية الغرب ، ستصمت البندقية في الخرطوم لكنها سوف تصيح في مناطق أخري من دول غرب أفريقيا ، دول ظلت تغذي الصراع في السودان بصورة سالبة .. شكرا البرهان .. يا دووب رسائلك وصلت .. أن لكل قطرة دم سودانية ألف حساب ..