اسامة عبدالماجد
¤ مثل كثيرين تابعت احتجاج اقلام على قرار نقل نائب رئيس بعثة السودان الدائمة لدى الامم المتحدة السفير معاوية التوم الى الهند.. وفي خضم الدفاع عنه، هاجموا بضراوة وزير الخارجية علي الصادق واراهم محقين في ذلك.. العبد لله من المتابعين عن كثب وبشكل دقيق لنشاط الخارجية.. وقد سبقت الزملاء بنحو عام ان الصادق غير جدير بالاستمرار في المنصب وان الوزارة في عهده تراجعت وبشكل مريع، ولذلك طالبنا باقالته.
¤ لكن لاحظت تصعيد غير مبرر.. ومحاولة البعض إلباس الموضوع اقنعة السياسة.. وانتاشت السهام رئيس البعثة السفير الحارث ادريس.. وشخصنوا الموضوع بنسب كل ايجابيات البعثة لمعاوية.. وفي ذلك تجني وانتقاص صريح لدور الحارث الكبير والفاعل في النجاح الباهر الذي حققته البعثة التي قادها باقتدار ومسؤولية.
¤ نشهد للحارث انه يمارس عمله بأجندة وطنية لا مساحة فيها لانتماء سياسي أو غيره.. رغم انه ابن حزب الامة.. الذي لم يستفد من انتسابه له حيث تم نقله إلى الكونغو زائير (كنشاسا) كأول محطة ولو كان من الذين يستندون إلى رافعة حزبية – وكان الامة وقتها حاكماً – لتم نقله إلى نيويورك .. وهو دبلوماسي مهنى دخل الخارجية بكفاءته فى عهد الرئيس جعفر نميري عليه المغفرة..
¤ اقول ذلك في حق الرجل لأن امانة الكلمة تقتضي ذلك قطعاً للمظان.. رغم انني دونت في هذة المساحة منتقداً ،وبشدة تعيينه.. وكان من المفصولين الذين عادوا إلى أعمالهم في 2020 بعد سنوات طويلة من الغياب عن الوزارة.. استناداً الى تقلبات طقس العلاقات الدولية وتقاطعاتها ومتغيراتها مع ضخامة المهمة.. وختمت الزاوية بالمطالبة بسحبه، وإعادته بهدوء قبل ان يتم بلع السودان لا خنقه.
¤ تلقيت بعدها العشرات من المكالمات والرسائل على (واتس آب) من سفراء ومسؤولين.. غالبيتهم اختلفوا معي حول ماكتبت، وامتدحوا الحارث.. وعدت مرة ثانية بعد اربعة اشهر وكتبت تحت عنوان (البرهان الى امريكا.. كيف ولماذا ؟) واقترحت اهمية مشاركته في اجتماعات الجمعية العامة للامم المتحدة في دورتها ال (77).. وذكرت القارئ مرة اخرى بقلة تجربة الحارث
¤ لكن انبرى لي السفير بواشنطن محمد عبد الله ادريس مدافعاً عن الحارث.. واحترمته جدا، في دفاعه عن زميله، سيما وانه لم نعتاد من السفراء إبداء أراءهم بصوت مسموع.. كما انه لم يتردد عندما ابلغته نيتي نشر تعقيبه.. وذلك إيماناً منا بأهمية الرأي والرأي الآخر.. والتزاما بالمهنية وقبلها القيم الاخلاقية.. ونستاذن القاري في اعادة نشر تعقيبه.
¤( لا اشارككم التقييم فيما ذكرتم بشأن الأخ الزميل الدفعة السفير الحارث إدريس رئيس بعثة السودان الدائمة لدى الأمم المتحدة.. فعلى الرغم من ابتعاده عن وزارة الخارجية لسنوات، لم ينقطع عن العمل الدبلوماسى، حيث عمل مستشاراً قانونياً فى الشركة الكويتية للاستثمار بالمملكة المتحدة وهى شركة ذات طبيعة دبلوماسية وعلى صلة مباشرة بوزارة الخارجية البريطانية.
¤ على صعيد القضايا الدولية تواصل عطاء السفير الحارث وتواصلت مشاركاته في المؤتمرات الدولية وواصل عطاءه الفكرى فى الكتابة فى الشأن الدولى وفى الدبلوماسية متعددة الأطراف بكفاءة وكثافة ومهنية.. وقد اطلعتُ على شهادة التقدير التى نالها من الأمين العام للأمم المتحدة السابق بان كي مون فى هذا الخصوص. وعلى المستوى الوطنى لم ينقطع عن متابعة تطورات الشأن السودانى طوال سنوات المهجر.
¤ حيث شارك وكتب بصحيفة وطنية نظيفة، ما باع وما ساوم في سيادة الوطن او أمنه او كرامة شعبه. اما على مستوى الأداء فى قيادة بعثة السودان الدائمة بالأمم المتحدة فى نيويورك فعلى الرغم من تسلم مهام عمله فى ظروف غاية فى التعقيد والتوتر.. فقد عمل بمهنية عالية وبذل جهودا مضنية وتمكنت البعثة بقيادته، وفى زمن قياسي يقل عن الأربعة أشهر، من إحداث اختراقات وتحقيق إنجازات تشهد بها القيادة السيادية والتنفيذية في الدولة.
¤ وتشهد بها وزارة الخارجية ويشهد بها زملاؤه فى المهنة ولو اتيحت لكم فرصة الاطلاع على ما انجزه السفير الحارث منذ تسلمه مهام عمله بنيويورك لتغيرت النقاط السلبية لموجبه ولأنزلتم السفير الحارث المنزلة التى يستحق بين الكبار الذين قادوا البعثة الدائمة بنيويورك وعن جدارة.
¤ ربما قلتم أن شهادتى فى السفير الحارث مجروحة بحكم الزمالة والصداقة ولكن إسألوا، إن شئتم، زملاء من شباب وزارة الخارجية ممن لم يُجايلوه او يُعاصروه ولم يلتقوا به أبداً، ولكنهم قرأوا له وسمعوا عنه ممن يعرفونه..ثقتي في موضوعيتكم ومهنيتكم الصحفية تقول لي انكم ستفعلون. لك تقديرى وشكرى استاذ أسامة ونتواصل). انتهي
¤ من يومها ظللت اتابع اداء الحارث وبعد فترة قصيرة ودون ادنى حرج – كما اعتدنا من الصديق الحبيب عبد الماجد عبد الحميد اعتذرت له كتابة واشدت بنجاحاته التي ظلت تتوالي قبل وبعد وصول معاوية الى نيويورك.. اما عزيزنا معاوية فهو صديق عزيز منذ سنوات طويلة و(ود حلتنا).. وقبيل مغادرته الى نيويورك ترافقنا سويا ومعنا السفير محمد عبد الله عبد الحميد الى منزل الزميلة مشاعر عثمان التي اقامت له حفل وداع راقي وجميل يليق بهما.. يقيني ان معاوية الذي لا نشك في اخلاصه ووطنيته سيحزم حقائبه بهدوء.. ويشد الرحال الى سد ثغرة الهند وهي محطة مهمة ودولة من العشرين الكبار في العالم.
¤ ومهما يكن من امر.. اختم بذات افتتاحية المقال الذي انتقدت فيه تعيين الحارث.. عندما استدعيت مقولة الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت (لا يكفي أن يكون لنا عقل جيد، الشيء المهم هو استخدامه بشكل جيد).