ليمانيات / د. إدريس ليمان

خُطبة الهلاك وخطاب الهزيمة ..!!

من الذى أوحى لليد التى عبثت ببلادنا وبأمنها وأهلها وبنيتها التحتية وأرَادَتَها أن تكون سراباً ورماداً تعصف بها الريح فى شتات أننا سَنُقَبِّلُها ولا نقطعها ..!!؟ الا يظن أولئك أنهم مكشوفون للتاريخ الذى يملك قوة المنطق والإقناع ويَذكُر للناس مخازى صُنَّاع الحرب وأُمرائها وأقوالهم وأفعالهم البائسة ويُذَكِّر بها .. فالتأريخ عميق الإيمان لا يَكذِبْ ولا يُنافِق ، والتأريخ كامل الطهارة لا يُجامِل من دخل إليه برجله اليسرى محملاً بأدران النجاسة وبضائع الخُذلان ، وسجلاته لا تُماطل فى كشف الحسابات ولا تُجامل فى تسجيل الوقائع ..!!
فهذا الشعب الذى تآكل قلبه وإحترق لحريق عاصمته والعديد من مدنه وقراه بفعل آل دقلو وإلههم الهالك تماماً كما فعل نيرون بروما قد سجل بدماء أبنائه وتضحياتهم ملاحم عظيمة فى سجلات البطولة ولوحات الشرف وكتب تأريخاً مجيداً للدولة السودانية التى كانت فى مفترق طرق وكادت أن تضيع من أهلها ، وها هى الآن تسير فى طريقٍ مُقمر بعد أن كانت تسيرُ فى طريقٍ مظلمٍ .
ورغم كل الألم الذى تسببت فيه المليشيا الغادرة إلاَّ أن قانون الحياة يؤكد لنا أنّ الأمل ينبعث من البلاء ، وأنّ الحياة ستستأنف وجودها ومسيرتها رغم كل الأسى والندوب التى أحدثتها الجراحات الغائرة فى المجتمع السودانى بصنيع آل دقلو وأنصارهم التقدميون .. فبلادنا أحوج ماتكون فى المرحلة القادمة إلى فنيين يُصلحون قاطرتها ويضعونها على الطريق الصحيح .. رجالاً أفذاذاً أَكفَاء لديهم حِسَّاً مُرهفاً بحركة التأريخ وإستشراف المستقبل .. كما أنها تحتاج بصورة إلحاحاً إلى صياغة دستور دائم لبناء مؤسسات الدولة على أُسس مُغايرة لما كان عليه الحال قبل الحرب .. فعلى حُكامنا وكل النُخب المُستنيرة أن يكون لديهم تَصَّوراً لمآلات الأمور خلال السنوات القادمة فالحرب قد إنتهت بخطبة الهلاك التى ألقاها الهالك مساء الأمس ونعى فيها مشروعه البائس ..!! فالسير على غير هُدى لن يصل بنا إلى بر الأمان ، وأنّ الإجراءات التجميلية والترقيعية التى كانت تُتَّبع من قبل لم تَعُد ذات جدوى ، وقد تشهد بلادنا عطفاً على ما أحدثته الحرب التى كانت فى بعض أوجهها مكسباً يجب أن يُغتَنَمْ ، وفى ظل ظروفٍ وطنية وإقليمية ودولية غير مستقرة أحداثاً أو إضطرابات أو قلاقل لايمكن التنبوء بعواقبها .. فهذا الإنسان السودانى البسيط الذى بدأ يفهم أنه يفهم المعادلات والتقاطعات السياسة بعد أن عاش عقوداً طويلة من الإحباط والوعود العرقوبية .. أصبح لا يطمح إلاَّ بنيل الحد الأدنى من الكرامة الإنسانية والعيش بأمان بعد أن أضحت الرفاهية بعيدة المنال .. !! فهل يا تُرى سيجد حُكامنا ومن ولاَّهم الله أمرنا خريطة الكنز المخبوء فى أديم بلادنا وفى دِلائها ..!!؟ وهل يا تُرى سيقتحمون العقبة وينتشلون شعبهم من ذُّلِّ العَوَز والإحتياج ، ومن اللجوء والنزوح وقهر الرجال ..!!؟ يقينى أنهم سيفعلون .. فبلادنا تستحق وأهلها يستحقون .. فالإنسان السودانى كنزٌ مكنون من الخُلق الرفيع وينبوع يفيض بالمشاعر الصادقة رغم كل ما علق به من نفايات بعض دول الجوار .
حفظ الله بلادنا وأهلها من كل سوء .

الخميس ١٠ أكتوبر ٢٠٢٤م

اترك رد

error: Content is protected !!