لاصوتَ يَعلوا هذه الأيام فوق صَوتَ العُرس الكروى العالمى ، فقد أخَذَتْ الدولة المُضِيفة زُخْرُفَها وازَّيَّنَتْ وأعدَّتْ له مفتخر الملاعب ونصبت سرادقات الفرح باذِلَةً وسعها لعكس تأريخنا وثقافتنا العربية والإسلامية بكل ماتحملانهما من ثراءٍ إنسانى وثقافى ومعرفى لجميع شعوب العالم الذين تداعوا من جميع أقطار الأرض ليشهدوا هذا الإبداع والإبهار المُنْسَال الذى لم تشهد المنافسة فى تأريخها الطويل مثله ، وأزعم أنها لن تشهد ذلك بعده ، وهى إذ تفعل تُرِى العالم مكارم أخلاقنا وريادتنا وسبقنا والحُسن المأمول منَّا .
وبإنتهاء فعاليات هذا العُرس الكروى يكون السودان قد أكمل ستةٌ وستون عاماً منذ إعلان إستقلاله من داخل البرلمان ولايزال هو هو فى مكانه ، ولايزال أهله هموا هموا يعيشون عنَتَاً ومكابدة فى دنيا الإضطراب المعيشى والتنموي بدلاً عن إستشراف المستقبل وتحقيق التطور والنماء .. فما الذى أصابنا وأصاب بلادنا لنكون فى ذيل الأمم ونحن الذين لا تنقصنا الإمكانيات ولا الموارد ولا ينقصنا طموح الرؤى ..!!؟ وماذا دهانا وقد وقَرَ فى وجدان الشعوب العربية والإفريقية بل وجميع شعوب العالم أن بضاعتنا التى لاتكسد ولا تبور هى مكارم أخلاقنا التى عُرِفنا بها .. !!؟ .
ليتنا نعمل على تخليد ذكرى الإستقلال بصورة أكثر عُمقاً ووعياً ، وأن نَعُضُّ بالنواجذ على الوحدة المجتمعية والوطنية بعيداً عن الإثنيات والقبليات القبيحة بإن لاندع فرصةً لعابث يريد أن يثقب سفينتنا ويُخرِّبْ بيوتنا ومدينتنا ويتمرد على أخلاقنا وقيمنا ، ولنأخذ العِبرة من أشقائنا فى محيطنا الإقليمى عرباً وأفارقة وقد ربحوا وكسبوا معركة التنمية لإيمانهم التام بأنَّ الدول التى لا تُعمِّقْ إستقلالها بفيضٍ من المنجزات الضخمة فى شتى المجالات تُعرِّضْ إستقلالها للخطر ، وتغامر بالعودة للعيش تحت ذُلَّ الإحتياج فى كُلُّ شئ مع كُلِّ ما يعنيه ذلك من إحتمالات سلب قيم إستقلالها وهويتها ووحدتها ، ونحن لانزال فى العتبة الأولى من سُلَّمْ جدلية مشروعية الحُكم والسلطة لم نتجاوزها منذ أكثر من ستون عاماً ، ولئن كانت الشعوب تسعد بأوطانها وبلدانها عندما تراها ( عَلَمَاً بين الأمم ) ومهوىً للأفئدة لإقامتها للصروح العلمية والثقافية وتنظيمها للمهرجانات والكرنفالات والمنتديات ، ولتعزيزها كرامة مواطنيها وتعميق الإنتماء لتراب الوطن .. فإن الأوطان أيضاً تشقى ببنيها عندما ترسم لهم آفاقاً رحبة من الطموح لمستقبلها ومستقبلهم الزاهر يحدوها الأمل العريض للبناء والتنمية ولا تجد منهم سوى العقوق والجحود ، فتندب حظها وآمالها وتغنى مع المُغنِّى وهى ترى حال البلاد من حولها فى غير حالها ( سَكِرَ السُّمّار والخُمّارُ فى حانْ الغرام وأنا الصاحى أرى فى النور أشباح الظلام وتموتُ كأسى على راحى بقايا من حُطام ) .. فإن كُنَّا نحلم بسودانٍ قوىٍّ إقتصادياً وإجتماعياً وإنمائياً فعلينا جميعاً حكاماً ومحكومين بإحترام القوانين والنظم وثوابت الدولة ، فإن قوتها تأتى من قوة المجتمع ، وضعفها لايكون إلاَّ بضعف مؤسساتها وإنحدار الوعى الإجتماعى فيها .. فإن إستعذب غيرنا أرضه التى لاماء فيها ولا إخضرار ولكنها لهم وطنٌ فعمل على إستصلاحها وعلى صلاح أهلها ، فكيف لانعمل على تنمية سوداننا مثلما هم يعملون وبلادنا تجرى من تحتها الأنهار وتسعى على أديمها ملايين القطعان وفى باطنها كُنوزٌ من المعادن ، وفى قلوب أهلها ( كنوز محبة ) ..
وإن كُنَّا نَحلُم بوطنٍ آمنٍ مزدهر يمكنه تنظيم مثل هذا العُرس الكروى الإستثنائى فى المستقبل فإن سوداننا يحلم مثلما نحلم ..!!
- يَحلُمُ بأن يُرفرِف علم السودان فى قلوب بنيه قبل أن يُرفرف على السوارى .
- يَحلُمُ بأن تترسخ مفاهيم المحافظة على المصالح الوطنية العُليا فى نفوس أبنائه وتغليبها على المصالح الشخصية والقبلية والحزبية .
- يَحلُمُ بأن يُحافظ عليه أبناؤه من مخاطر التبعثر التشظى ، ومن عبث العابثين من أهله ومن التجاذبات الإقليمية والدولية .
- يَحلُمُ بأن تُضبط بوصلته على طريق التقدم ، وأن ينطلق قطار ( الشوق ) والتنمية الحقَّة .
- يَحلِمُ بأن تعود طيوره المهاجرة إلى أعشاشها وأوكارها لتُسهِمْ فى نهضته وتنميته كما أسهمت فى بناء دول الغير .
- يَحلُمُ بأن تتحقق فيه العدالة كاملة وأن تُصان الحقوق وكرامة أهله ، والاّ يستجدى أحدٌ من أبنائه حقوقه والتوسل من أجل نيل مطالبه المشروعة ، وأن يكون المال العام مُحصنَّاً بقوة القانون لا نهباً مُشاعاً .
- يَحلُمُ بأبناءَ مخلصين يؤثرونه على أنفسهم فى السرّاء والضراء لا تأخذهم فى خدمته لومة لائم .
- يَحلُمُ بأن يتحلى أبناؤه بالمسئولية الوطنية كُلٌّ حسب موقعه لإحداث التغيير الإيجابى بما يخدم مصالحه ويُنقِذه من وحل الضياع .
- يَحلُمُ بتنظيم المونديال كغيره من الدول المحترمة .
كُلَّ تلك الأحلام والأمنيات التى يتمناها سوداننا عارٌ علينا جميعاً وغُصَّةٌ فى حلق كل غيور على وطنه .
اللهم أبرم لنا ولبلادنا أمرًا رشداً وكل عام وسوداننا ينعم بالرخاءوالأمن والأمان .