تنشقت في هذا الصباح عبيرآ أتاني من هناك …سنوات خلت وايامآ مضت وتمثل لي بيتنا بكل مكوناته (الحميمة )امي ابي …حبوبة…ونحن بكل براءة الطفولة وعنفوان الشباب…مقسمين صف اول …وصف تاني …اخواني الزكور (بكل وسامتهم )وتفوقهم الدراسي الجاذب جعل منزلنا محط آمال حسان الحي قريب وبعيد…صف اول… يابت جيبي لاخوك الشاي …قومو سوو لاخوانكم العشاء…فرشتو حوش الاولاد…نمتثل نحن ناس (الصف التاني)ونؤدي التزاماتنا المنزلية ونزاكر ونتفوق كمان …كل يوم حصة ليلة في شكل قصة تفتح افقك للحياة وتعلمك قيم ومبادئ ..وتضع امامك خطوط حمراء وصفراء ومحازير….كنا اسرة كبيرة تحت رعاية اب مثقف نستيقظ علي تلاوتة للقرآن ..يسمع الحقيبة ويتابع الاخبار ويسافر بلاد الدنيا…وام هميمة رحيمة …حازمة ورقيقة تقش دموعنا وتهمس في اذنك (يابتي انا خايفة عليك ودايرة نجاتك في الدنيا والأخرة ابكي واتعلمي وميزي الصاح من الغلط)…ام تدرس في الزاوية القرآن وتقرأ لاحسان عبد القدوس ونجيب محفوظ وتواصل الارحام والجيران…كنا نسكن حلفاية الملوك بالايجار…وبعد ان اغترب (الاخوان الكبار)انتقلنا الي مدينة الرياض…ومنزلنا لم يكتمل بعد …الشبابيك كانت مغطاه (بالشوالات)…ولاتوجد ابواب..ولاكهرباء ولابلاط.بكينا حين رأينا المنزل ..انتهرنا ابي …ده حقنا ملكنا نتمو ان شاء الله بعد ميه سنه حسب قدرتنا ..اياكم ان تقارنوا وتعاينوا لي فوق …قولوا الحمد لله ..واياكم تشوفوا روحكم اقل من الناس ..مال الدنيا عارية…وقيمتك في اخلاقك ودينك وتميزك….كلمات قليلات سكنت ارواحنا وقلوبنا الصغيرة…وكونت نسيجنا …ظننا بعد الجيران في الحي الراقي (اولاد خفراء)…ومافي حد جا زارنا ..في اليوم التالي خرجت امي ..وزارت كل الحي وحين منعناها قالت عبارة لن انساها…يابنات …يوم القيامة بجي براي وكل زول بيسال براهو…بعد اقل من سنه اصبح منزلنا (المحطة الوسطي )كل شباب وشابات ونساء ورجال الحي لايفارقون منزلنا ..كل منهم وجد رفيق وصديق…عشنا معآ نبكي بالحي وووب ونحضر اعراسهم في عرض الشارع بأغنيات حسين شندي…(جاي تسأل عني ليه ..ماخلاص ريد وانتهي وطول عمري مابندم عليه…)…وقطار الشوق متين ترحل….جارتنا مدام (نينا الايطالية وزوجها مستر انجلو)وبناتها جولي وآني…وكلابها المتوحشة وعطرها وكرمها وهداياها …اسباجتي والواح ثلج وشيكولاتة..ونصيحة لطيفة وابتسامة ودودة…كنا سعداء …نتذوق طعم اي لحظة ..تسعدنا شتلة زهور جديدة…ولوح بلاط في الممر..وطقم شاي…لاشي يملأنا نفوسنا سوي الرضا…ننام ملء جفوننا ونصحو بالأمل ودعوات امي وابي…رحل الاعزاء ..في صباحات ومساءات اسيفة …ذبلت الازهار…ضجت الالواح ونبت عن الارض…تكسر طقم الشاي…اغنيات حسين صارت مناحة رحبة ومساحة شاسعة من الحزن…ماعادت كلاب مدام نينا متوحشة…كل الحي كالح باهت…العمارات السوامق اغتالت احلامنا…صوت البمبان …صفير ابواق الشرطة ..هتاف الثوار…وعملية بالغة التعقيد لوطن جريح …ماالسبب في انهزامنا ؟ولماذا لم نعد نقتات سوي الدموع المالحة…؟رحمتك يارب بنا وبأوطاننا….زاوية اخيرة..ستنتهي الحرب..ويتصافح القادة…وتبقي تلك العجوز تنتظر ولدها الشهيد..وتلك الفتاة تنتظر زوجها الحبيبواولئك الاطفال ينتظرون والدهم البطل..لا اعلم من باع الوطن!ولكنني رأيت من دفع الثمن..