سمية سيد
لو كان محمد حمدان دقلو يعلم ما تخبئه له الاقدار و سيناريو نهايته ، لاختار لنفسه البقاء في قريته النائية على تخوم الحدود مع تشاد ، راعيا للابل ياكل لحومها .. يشرب البانها .. يتعالج بابوابها .
ولرفض اسم الدلع ( حميدتي) التي اختارته له المدينة .
دخل التاريخ من اسوا ابوابه . صحيح سيطلع على سيرته الاجيال القادمة ضمن مناهج التدريس والصحيح ايضا انها ستكون مع من سبقوه من الاشرار في العالم كما هتلر في المانيا ومكسملين في فرنسا وبول بوت في كمبوديا.
طموحه الشخصي قاد الرجل من راع يطارد قطاع الطرق الذين ينهبون الابل ويهربون بها الى داخل حدود ليبيا الى متعاون مع حرس الحدود ثم الى ضابط برتبة عميد وهو الذي بالكاد يفك الخط بحسب ما تلقاه من تعليم في خلوة القرية دون ان يحصل على اي تعليم نظامي بعدها .
من 2003 تاريخ ظهوره عندما كون قوات الجنجويد بمعاونة حكومة البشير والى العام 2023 والذي انتهت فيه الاسطورة لمجرد صوت يختبئ وراء الذكاء الصناعي والغباء الاعلامي ، مرت السيرة الذاتية لحميدتي برحلة صعود بالزانة بطريقة مدهشة .
بدات قواته بنحو 4 الف مقاتل من الجنجويد لمعاونة حكومة البشير في القضاء على الحركات المسلحة في دارفور ، لكنه اذاق اهل دارفور العذاب من قتل وتهجير وحرق القرى حتى اصبحت سيرة قواته هي الافظع في تاريخ الجرائم ضد الانسانية .
اخذت قواته طابعا شرعيا في العام 2013 واصبحت تعمل كقوة عسكرية بالقانون رغم رفض المؤسسة العسكرية الرسمية بالدولة وعدم اعترافها بها.
ظل حميدتي يتمكن عسكريا بصورة اقوى منذ مشاركة جزءا كبيرا من قواته ضمن عاصفة الحزم ضد الحوثيين في اليمن حيث تلقى اموالا طائلة من السعودية والامارات . وقويت علاقاته سياسيا وعسكريا واقتصاديا بالقيادات العليا في الدولتين .
استفاد بذكاء من هذا الوضع في شراء السلاح وتدريب قواته على اعلى المستويات ، لتاته الفرصة الاكبر عقب الثورة .
استخدم ايضا دهائه في التخلص من القادة العسكريين بمثل ما غدر بموسى هلال ومن بعده البشير الذي صنعه .. قاد حملة ضد الفريق احمد ابنعوف واجبره على تقديم استقالته لياتي هو نائبا اول لرئيس المجلس العسكري بعد ان رقى نفسه الى رتبة الفريق اول دون عناء . وهي المرحلة التي هدف فيها الى تمكين قوات الدعم السريع لتصل الى اكثر من مائة الف مقاتل ، و تحركات الى العديد من الدول وابرام العديد من صفقات السلاح وتطوير البنية الاساسية للدعم السريع خاصة مع روسيا والامارات .
استطاع ان يبني مجدا لقوات الدعم السريع من العدم . خدع بها الجميع . وبدلا من ان تتجه لحماية البلاد من اي انفلاتات داخلية وتعديات خارجية ، اصبحت هي مخلب قط لتنفيذ اجندات الخارج للاستيلاء على ثروات السودان . استعانت بالاستخبارات الاجنبية والمرتزقة .. قتلت المواطنين وهجرت السكان واحتلت منازلهم واغتصبت النساء. دمرت البنية التحتية . حرقت المدن والقرى ومارست الابادة الجماعية وجرائم الحرب ضد الانسانية .
سياسيا .. غازل القوى السياسية ولجان المقاومة والادارات الاهلية .
بدهائه ايضا استطاع ان يحول شعار الجنجويد يتحل الى العكس تماما .حيث تمكن من ازاحة تفكير القوى السياسية من كونه متورطا في فض اعتصام القيادة العامة وما صاحبه من كوارث انسانية الى حامي حمى الانتقال الديمقراطي واهداف ثورة ديسمبر ، ونجح حميدتي في تكوين حاضنة سياسية من بعض الاحزاب الكبيرة ذات ثقل في الساحة وعلاقات خارجية هي التي تعينه الان وتقدم له السند الخارجي رغم ما ارتكبته قواته من فظائع في الخرطوم ودارفور.
اصبح من اهم الشخصيات التي يحتمي بها الساسيين من قوة العسكر .. يلجاون له لحماية الدستور والاتفاق الاطاري . ولتمكينهم في السلطة والحكم.
بنى علاقات خارجية مع الدول والشركات والمؤسسات لمصالحه الشخصية بصورة اقوى من ما تقوم به الدولة بكافة مؤسساتها .. يستقبله الرؤساء وممثلي الملوك والأمراء على سلم الطائرة ويستقبل رسميا .
اقتصاديا .. يعد الان من اغنياء العالم .. لم اتمكن من الرقم الحقيقي لثروته لكن تشير تقديرات غير موكدة انها ما بين 10 الى 16 مليار دولار .
استولى على جبل عامر الذي يعد اغنى مناطق انتاج الذهب بالسودان .. امتلك العديد من الشركات تعمل في كل مجالات الانتاج والاستيراد والتصدير .. زراعة .. صناعة .. خدمات ..ذهب ..ثروة حيوانية .
اجتماعيا استطاع شراء عدد من الاسماء في مجالات الرياضة والفن والاعلام وقيادات المجتمع ، واساتذة الجامعات
اعلاميا.. كون اكبر امبراطورية اعلامية في السودان ، صرف على بنائها ملايين الدولارات استعان بشركات اجنبية لتغيير صورته لدى الرئيس العام المحلي والخارجي ، جلب كوادر من الداخل ومن الخارج لادارة منظومته الاعلامية والتها الضخمة .
جاء من المجهول . لم يسمع بالمرغني ولا الصادق المهدي ولا نقد ولا الترابي لكنه اصبح لاعبا اساسيا في المعادلة السياسية. مثلما لم يسمع بكلية غردون ولا يغردون نفسه ولا بمدرسة نيالا الثانوية ولا خور طقت لكنه اصبح يتكلم الإنجليزية ولربما الفرنسية.
لم يسمع عن معارك الجندي السوداني في حرب 67 ولا في الحرب العالمية الثانية ولا في المكسيك ولا دحره للايطاليين لدخول كسلا من ارتيريا بل لم يسمع بوجود الكلية الحربية السودانية ولا كلية القادة والاركان لكنه استطاع ان يتحصل على عقيد كاول رتبة ويقفز بعدها الى فريق ثم فريق اول .
حميدتي الذي ظهر فجاة واختفى فجاة وبرغم كل ما قام به من عمليات اصلاح لصورته ومحاولة تنقية سيرته فشل في المصالحة مع الشعب وسقط في مستنقع الحرب التي اشعلها مع الشعب وليس مع البرهان ولا جيش الكيزان ولا من اجل جلب الديمقراطية كما ادعى.
عشرون عاما قضاها حميدتي في بناء مملكته ومملكة ال دقلو . . امتلك السلطة العسكرية والمالية والسياسية .. اراد ان يحكم السودان ودول الساحل الافريقي .
وصل قمة ايفرست لكنه سرعان ما قفز منها منتحرا