( بَلَمَسَة شوق و طيب خاطر
حلاوة الريده في الآخر
تظلل بالسماحة الفيك
عيون الدنيا ياساحر
عشان حبك بهاجر ليك
و أردد كل يوم غنوة
أسافر في رحاب عينيك
و ادخل في المجال عُنوة
أقابلك بالمحنة أجيك
أفرِّح قلبي ده الحابيك
و أشوف الدنيا يا ساحر ) ..
لقد ساقني صديقي الساحر الراحل
( نادر خضر ) و هو يتغنى بهذه الكلمات الدافئة لشاعرها ( الفاتح حمدتو ) ، فطَفِقْتُ ألتمس أشعاره و اقتفي آثاره لأجدني أمام نبعٍ عذبٍ يُبْهِجُك
و يرويك ..
و ( الفاتح ) و ( نادر ) قصة تناغم
و انسجام ، و عطاء دفَّاق ، و مشوار
أخضر من سحر الكلم و النغم ..
كان لسان حال ( الفاتح ) يقول :
مابراي معاي ( نادر ) ..
و لسان حال ( نادر ) يقول :
ما براي معاي ( الفاتح ) ..
و معهما الأشواق ، و ما تحكيه أنفاس العُشاق ، و أماني كل مشتاق ليوم
التلاق ..
( اشتقت ليك باللهفة جاي
اللوعة تحرق في حشاي
أشواقي بتسابق خُطاي
قُبالي توصل يا مُناي
تجري و تشيل كل الفرح
ترقص تناغم في رؤاي
و تجيب بشاير قوس قزح
يابهجة الدنيا و هناي
و أنا ما براي ) ..
و كان ( نادر ) عندما يردد ..
( ما براي ، أنا مابراي ، أنا ما براااااي ) ،
تصحو مدن ، و تصطفق أمواج ،
و ترتَجِفُ أبدان ، و تشهق أرواح ،
و تتفجَّر كل المشاعر الحبيسة ..
لقد أودع ( الفاتح ) معزته ( لنادر )
في إهداء كتابه ( تجربتي مع الألحان
و الموسيقى ) ..
( و هل كان يمكن أن أهدي هذا
الكتاب لسواه ؟؟ …
معه بدأت تجربة التلحين ، و بإيعاز منه ، عندما تأكد له ، و ليس لي أن
ذلك ممكناً ..
جمعتنا الأواصر العميقة و قربتنا الصلات الوثيقة فأنا أعرفه مُذ كان
طالباً زميلاً لشقيقي الأصغر فريد ) ..
و يمضي ..
( رحل هو ..
و بقيت مثل السيف فرداً ، مواصلاً
ما اتفقنا عليه ..
لم أنتكس ، و لن أتراجع إكراماً
لذكراه العطرة ..
إلى روح صديقي الفنان نادر خضر
و هي ترفل بين النجوم ..
أهدي هذا البوح الصادق ) ..
نعم ..
أن تقول شعراً ، فهذا قمة الروعة ..
و أن تضع لما تقول لحناً ، فهذا منتهى
الروعة ..
و أن تؤلِّف موسيقى لقولِك و لَحْنِك ، فهذا غاية الروعة ..
و أن يصدر كل ذلك عن عشقٍ ، فهذا
هو عَينُ الروعة ..
و أن يأتي هذا المزيج من ( الفاتح حمدتو ) ، فهو كل الروعة ..
و ( الفاتح ) تأْنَسُ في شعره تلقائيةً
و بساطة ..
و أجمل الشعر بعد أعذبه ،
هو أبسطه و أبعده عن التكلُّف ..
و أبسطه أن تنفعل به دون حاجة إلى ( قاموس ) أو معرفةٍ بقواعد ( الخليل بن أحمد الفراهيدي ) ، و دون أن تكون قد جربت أو كابدت أو تلبستك حالات شبيهة تُسهِل عليك الفهم والإدراك
و المعايشة ..
عندما تطالع أشعار ( الفاتح ) ، تحس
أنه إلى جانبك ، يؤانسك ، و يشاركك
أوجاعه و مسراته بكلامِك و احسَاسِك
و أنفاسك ..
( يا لقلبي ماله ملَّ الرجاء
مالها الأقمارُ غابت
و انتهى عهد الضياء
أحزينٌ يا زماني أم
زمان الحزن جاء ) ..
و ( يا الجيت مُتلَّفِح عِفَّة
الشوق في عيونك بان
طرّيتنا زمان الإلفة
يا حليل الإلفة زمان )
و ( و جيتك في زمن سرَّاق
سرق حتى اللي كان فكرة
تناغم جُوَّه في الأعماق ) ..
( شفت النديان جنَّ جنوني
كل الألوان ضوَّت كوني ) ..
و ( ليه نرضى بالزمن الكُتُر
السكة خوف و الحال جَبُر
لا دنيا تستاهل حُزن
لا زول بموت ناقص عمر ) ..
و ( أصغيرتي ..
أنا لم أعد ذاك الحبيب المُنتظر
لا تَنْشُدين مودتي فالحال عندي
لا يسُر ) ..
و ( لو نحنا جد بينّا الوِلِف
كيف المواقف تختلف
أكتب معاك عهد الهوى
تنسى العهود قُبَّال تَجِف ) ..
و ( يا الشلت من عيني الصباح
و فتحتِ عمق الليل جراح
ما تنتظر نرجع نعود
أصلو العشم فارقنا راح ) ..
كلام في منتهى البساطة و المُباشرة ..
و هذا ما عبَّر عنه في إهدائه لديوانه ،
( هل زمان الحزن جاء ؟ ) ..
( عُذراً لم آت بجديد ..
الكلمات هي نفس الكلمات التي كُتِبت
من قبل ، و الحروف هي أبجديتنا المعروفة . كل ما هناك أنني قمت
بتفكيكها و إعادة صياغتها و تركيبها
في قوالبي أنا ، جاعلاً من تجربتي المتواضعة و احساسي النافذة التي أطل من خلالها عليكم ) ..
( الفاتح ) يتسم بالنصَّاعة ..
رأيه ناصع
و مظهره ناصع
و شعره قاطعٌ و ناصع ..
( قُمْ من سُباتِك و انتفض
إفْرِد جناحيك و ثُر
فالنور يخترق الدُجى
و النار من بعض الشرر
إشْعِل فتيل هلاكِهم
فالحال أضحى لا يسُر
الليلُ غادر و انجلى
و الصبحُ آتٍ لا مفر
قُم من سُباتِك لا تخف
قُم من سُباتك أنت حُر ) ..
و ( الفاتح ) رغم الصرامة التي تُظلله ،
إلا أن جوانحه تزدحم بالرقة و الحنين
و المحَنَّة و الصبابة ، و هذا ما تُبْدِيهِ أشعارُه و أنت تقرأ له ..
( للعيون مشتاق ) ..
و ( زي الشمس ) ..
و ( يا قَدَري ) ..
و ( روح البيت ) ..
و ( سماح ) ..
و ( عهد الهوى ) ..
و ( معايا يوماتي ) ..
و ( بعيد أنا يا وطن ) ..
و ( حدود الروعة ) ..
و ( و يوم هَوَيتَك ) ..
و ( تعال فَرِحنا
أطلع يا صباح ريِّحنا ) ..
و ( الفاتح ) كما أشار صديقه البروف الفريق ( عمر قدور ) ، هو خير من كتب لبناته قصائد قام بتلحينها ، و قُدِمت في مناسباتهن السعيدة ، فرحةً
و ذكرى ..
( يالميس ياحروف نَدِيَّة
يوم زفافك أيه أقول
العَبْرَة خانقاني و بَقاوِم
في الدموع مايَشُوفَا زول ) ..
و ( تاجوج
يا منابع الريد الجوَّه مَحَكَّر
ريحة المطر المابِتْأخَّر
كل الورد الفتح و ازهر
و نحن معاك أحلامنا بتكبر ) ..
و ( الفاتح ) قويٌّ في ضعفه
متماسك في هزائمه
مُقبل بعد انصرافه
لا يستنكف أن يسترضي و يستميل ..
( و حزمت أمري و تاني جيت
لا قدرت أبعد لا نسيت
كيفن أفتش في السُقا
و أنا من عيون ريدك رِوِيت ) ..
و ( الفاتح ) قَرِينُ ( سُميَّة إسماعيل الأزهري ) ..
حيث ..
( سُمية) أتت و ( الفاتح ) أتى
و ( تلاقت قممٌ يامرحى ) ..
و هو تلاقي الشامخ بالباذخ
و تلاقي الساطع بالذائع
و تلاقي الوطنية بالحِنِيِّة ..
و بينهما ( أم درمان ) ..
و ( الفاتح ) ود ( أم درمان ) ..
و مكتول هوى ( أم درمان ) ..
و سبق أن قلت ..
أمدرماني قُح ..
عندما تستمع إليه تخال أن ( أمدرمان ) ، هي من تتحدث إليك لشدة حبه لها ، و تعلقه بها ، فيكتسي قولُه قوةً و عمقاً ، و حلاوةً أمدرمانية ممزوجةً بفيوض معارِفية و مَعْرفِيَّة
و عِرفانية ..
( بَوقِع ليكي إسمي هنا
و اختِم لو طلبتي بيان
و احلف بالكلام القلتو
لازوراً و لا بُهتان
بحبك و افنى في حبك
حدود القدرة و الإمكان
و تسلمي يا صباحي أنا
و اسلم ليكي يا امدرمان ) ..
و أم درمان حبيبتي ..
( سيظل عشقك في الجوانح مترعاً
و على المدى أوليهِ كل عنايتي ) ..
و لم يحبس نفسه في معشوقته
( أم درمان ) ، و لكنه اتخذ من حبها
نوراً يضيء طريقَه إلى سائر أرجاء
موطنه الحبيب ( السودان ) ..
و من خلال قصائده رسم لوحات
زاهية لكل ربوع بلادي ، صَوَّر فيها
جمالها و محاسن أهلها و مناقبهم ..
لم يترك مدينة إلا و أشبعها عِناقاً ،
و سكب فيها من صادق مِدادِهِ
و رحيق مَدَدِهِ ..
( كريمة حبابِك و فيك نتدَّلى
نبارك الخير الشرَّف و هلَّ
نَخِيلِك شايل زاد ما قلَّ
و نيلك راكع كبَّر و صلى
و فيك كتب و د حدالزين
للسودان الغالي و زين ) ..
له حضور مُشَرِّفٍ في المحافلِ
و المَلَمَاتِ و النوادي و مراتع التلاقي ..
و لا تفتقده حيث تتوقع أن تجده ،
فهو حاضر و مشارك و موصول
بأحبابه ، يتفقدهم و يفتقدهم إذا
غابوا أو رحلوا ..
لقد كان قريباً من ( السر قدور ) ،
و وثق لمسيرته في سلسة حلقات
قاربت العشرين ..
( من ناس كرومة و ناس سرور
أحكيلنا قول يا السر قدور ) ..
و بكى ( كمال شرحبيل ) ..
( بعدك ”كِملي” كِمل المَغْنى
راحت كلمة و ضاع المعنى
عُودْنا الكنت بِتَوزِنو لينا
قطع أوتارو و بعدك صنَّ ) ..
و ها هو يضع بين يدي رحيل ( نعمات
حمود ) لحناً موجعاً لكلمات ( عبدالوهاب هلاوي ) الموجِعة ،
و التي أنشدها ( سيف الجامعة ) ..
( هي نعمة الله
و شن نقول غير ما يرضي الله
بت كما مر النسيم
رقة و لطافة
بت كما موية الوضو
طهر و نضافة
واقفة بين خلق الله
في ذات المسافة
و كمان قيافة ) ..
و قد شهدته و هو يُعَدِد مع الذاكرين ،
في ليلة تأبينه ، مآثر ابن ( أمدرمان )
و ( الهلال ) الخِل الوفي ( محمد حمزه الكوارتي ) ..
و هو ..
و هو ..
و هو في كل ذلك يُقْبِل باحساس ..
و من أوتي الإحساس فقد انعقد له
الصدق ..
و الفاتح يصدر عن إحساس صادق ..
صادق و هو يُعبِّر عن مواجعه
صادق و هو يُعبِّر عن مَسَرَاته
صادق و هو يُعبِّر عن أشواقه ..
و هذا ما تُسْفِرُ عنه أشعارُه المخبوءة ،
و المنثورة ، و التي و جدت طريقها
إلى أفواه المغنيين ، وهُم كثر ..
منهم ( حمدالريح ) و ( خليل إسماعيل ) و ( شرحبيل ) و ( عثمان
مصطفى ) و ( عبدالقادر سالم )
و ( عمر أحساس ) و ( محمود تاور )
و ( سمية حسن ) و ( معتز صباحي )
و ( مجذوب أونسة ) و ( محمود
عبد العزيز ) ..
( ياريت رجوعك كان زمان ) ..
يحمل ( قلماً ) و ( ريشةً )
و ( مِزماراً ) ..
فيكتب و يلَوِّن و يمَوسِق ..
و هذا مايعكسه مُؤَلَفُهُ ( تجربتي مع
الموسيقى و الألحان ) ..
و اللحن يرَطِّب القول ، و يليِّن حواشِيَّه
و يجعله يلامس الوجدان ، و ( الفاتح ) يفعل ذلك ..
و هو يروي أن نقطة البداية و الشرارة التي أشعلت نار التلحين في دواخله
كانت في العام ( ٢٠٠٠ ) ، و في حديث عابر دار بينه و صديقه الموسيقار الدكتور ( الماحي سليمان ) ، قال له :
( تفتكر نحن يا ((فاتح)) بنجيب الألحان
دي من وين ؟ ، اللحن يأتي من داخل
كلماتكم يا شعراء ) ، و حيثما كان
الجمال تجد ( الماحي سليمان ) ..
و ما أشار إليه الدكتور ( الماحي ) يُعضِّد ما ذهب إليه الفنان ( نادر خضر ) من أن ( الفاتح ) يمتلك مقومات الملحن ، لما كان يُبديه من
التفاتات في تبديل جملة موسيقية
أو تعديل جملة كاملة ، و هما يوَّقِعان عملاً جديداً..
و هو قبل أن ينخرط في التلحين بشغفٍ
و حب ، نجد أن أشعاره قد وجدت طريقها إلى دهاقنة الملحنين و أعلاهم
كعباً ، الدكتور ( الماحي سليمان ) ،
و ( عبداللطيف خضر ) و ( الفاتح كسلاوي ) ، و ( محمد سراج الدين ) ،
و البروف ( أنس العاقب ) ، و ( أحمد المك ) ، و ( أسماء حمزة ) ،
و ( سليمان أبو داؤود ) ، و آخرين ..
و لما كان ( الشاعر ) الذي أوتي ملكة التلحين ، هو الأقدر على إيصال مشاعره بكل ألَقِها و عنفوانها إلي المتلقي ، فقد
أقبل شاعرنا على التلحين و التلوين
و التزيين ..
و هو في ذلك لم يوقف ( ألحانه ) على
أشعاره ، و لكنه عمد إلى عيون الشعر
و أنضره ، مما تظنن أنه مُسْتَعصِم
على أي معالجة بما انطوى عليه من
من قوة و غرابة و عمق و تأبي على
التطويع ..
فغازل بألحانه البروف ( عبدالله الطيب ) ..
( إلى الخرطوم من بعد اغتراب
و بعد أن بلَى الشهيّ من الشباب ) ..
و ( محمد المهدي المجذوب ) ..
( البُنَيَّات في ضرام الدلاليك
تستَّرن فتنة و انبهارا ) ..
و ( محمد محمد علي ) ..
( تاه في دنياك تغريدي و لحني
و انطوى في كونك المسحور كوني ) ..
و ( صالح عبد القادر ) ..
أدرك مُحباً انتهى أو كادا
أعيا الطبيب و أيأس العُوّادا ) ..
و ( محمد سعيد دياب ) ..
( يا قلبُ لا تبك الذي باع الهوى
لملم جراحك لا تقل ما أضيعك ) ..
و ( محمد نجيب محمد علي ) ..
( و يا سلام لما المسَالْمَة
تبقى غيمة و ضحكة سالمة
و تصحى أجراس المدينة
تدي للناس المباهِج
و المناديل الحنينة
و ياسلام .. ياسلام ) ..
و ( المحجوب ) و ( فراج الطيب )
و ( الصادق الياس ) و ( كَرَف )
و ( مصطفى طيب الأسماء ) و ( إمام علي الشيخ ) و ( حسن الزبير )
و ( حِمَيد ) و ( سميره مصطفى )
و دكتور( عبدالقادر أحمد سعد )
و ( الكتيابي ) و ( أكول ) و ( محمد
عبدالحي ) و ( التيجاني حاج موسى) ..
و لم يتهيب الاقتراب من ( تائِيَّة )
شيخ شعراء السودان ( عبدالله
الشيخ البشير ) ، و عنوانها ( البحث
عن بيت شعر ) ، و هي القصيدة التي تستعصي حتى على القراءة ، ناهيك
عن الفهم و التلحين ، و التي عندما قرأها مرةً في ( مصر ) ..
( على حَدِّ السنا أمْهيتُ سيفي
فرَّفت شفرتاه كما ابتغيت ) ..
لم يتمالك أحد الشيوخ الأزهريين نفسه فصاح من شدة الاعجاب ..
(يااااااه!! اسمعوه يقول إنه سنّ
سيفَه على حدِّ الضوءِ !!
أعِد أعِد يا شيخ ) ..
وضجت القاعة بالتصفيق وعبارات الاعجاب ، و عندما أتى على النهاية ..
وشَيْتُ لها و أعماقي صِحاحٌ
بأسقام الصبابة إذ وشَيْتُ
فلمَّا أمَّلتْ نَقَرتْ ربابي
فهازَجَها من الأوتار بيتُ )
عندها نهض رئيس وزراء مصر يومها ( دكتور فؤاد محيي الدين ) وصعد
إلى المسرح مأخوذاً و قال :
(لقد أثْبَتّ لنا أنك المُبْصِر الوحيد بيننا ) ..
إذن أنت أمام عطاءٍ يتسع و يتكاثف ..
عطاءٌ كلما أخذت منه ( غَرْفَةً ) ، أيقنت
أن مبعثه نفسٌ أدمنت الغوص عميقاً ،
و التحليق عالياً في فنون القول الحَسَن ، و الفعل الحَسَن و المرأى
الحَسَن ، بذائقةٍ تنتقي أحسن الحَسَن ..
هذا هو قليلٌ من كثيرِ الدكتور ( الفاتح حمدتو ) ..
الكاتب ..
و الشاعر ..
و الملحن ..
و نائب رئيس إتحاد الكُتَّاب الأفارقة ..
و الأمين العام للمنظمة القومية للأدباء
و الكتاب السودانيين ..
و هو إذ يُقبل بكل هذا الزخم على
قرض الشعر و تطريز الألحان ، فإنه
يأتي بما يأتي عن موهِبة مُتَّقِدة ،
يسندها جهدٌ لا يفتر ، في مُداومة الإطلاع و الاستماع ، و الركض خلف
كل بارقة معنى و مغنى ..
و هو بهذا السمو
لا ينتج للسوق ..
و لا يفعل ما يفعله و هو إلى إرضاءِ النفوسِ مَسُوق ..
لكنه مُحِبٌ للمعاني الجميلة و القيم
النبيلة ..
هذا ( هو ) ..
في كل تَجَليِّاتِه و رشَفَاتِه ..
هو راشِفٌ لكل معنى جميل في الحياة ،
إذ أنه يتخذ من الجمال مَراشِف لا يترك مُتَرَشفاً إلا و رشَفه ، و هو يحاكي حال الظمآن الذي يُقبل على الماء يرشُفه رشفاً أي يمتصه بكل شهِيَّةٍ و لَهْفَةٍ ..
( لمان أجيك
و اتملى في طلعة و شيك
ألقى الفرح أصبح وشيك
ترتاح عيوني في وجنتيك
و ابدا الصباح و الدنيا بيك ) ..
و أُحييك يا ( فاتح ) و أنت تستقبل كل يومٍ الصباحَ لتغَني للحياة و للصِباح بقولٍ ناضجٍ صَراحٍ و مُباح ..
و أختم بقولك عنك في خاتمة كتابك
( تجربتي مع الموسيقى و الألحان ) ،
و الذي أعتبره أول تجربة لتوثيق
و ( تَنْوِيت ) الألحان ..
( أؤمن أن لا علاقة للزمن بالنُضج ،
و إنما نحن نكبر من خلال تجاربنا ،
و قد علمتني التجارب أن جزءاً كبيراً
من سعادتنا يعتمد على خياراتنا في
الحياة و ليس على ظروفنا ) ..
نعم ..
إن جزءً كبيراً من سعادتنا يعتمد
على ما نختار ، فَهلَّا أحْسَنا الاختيار !!
أتمنى ذلك ، لي ، و لكم ، و لكُنَّ ..
و السلام ..
أم درمان ٢٦ فبراير ٢٠٢٣