مكي المغربي
الهاتف يرن، والصديق القديم (ل ف) من أمريكا يسأل عن أمر غريب لا علم لي به، وهو أن مليشيا الدعم السريع كسرت السجون وحررت إرهابيين مطلوبين أو مرصودين دوليًا، ومعلوماتهم موثقة بين جهاز الأمن السوداني (جهاز المخابرات) والأجهزة العالمية. وتُثار حاليا التساؤلات حول حرب خفية في السودان لا يعلمها أحد، فالناس مشغولون بالحرب مع المليشيا بينما (قوات مكافحة الإرهاب) تنتقي بدقة أهدافًا وتجمعات ضمن مليشيا الدعم السريع تحت مسمى “المرتزقة الأجانب”، والصحيح أنهم إرهابيون أجانب جاؤوا من دول شتى والتقوا برفاقهم المحرَّرين على يد المليشيا، وهم يجهزون الآن للاستيطان في السودان واتخاذه مقرا للعمليات.
لمن لا يعلمون، هنالك الشق الأيديولوجي للإرهاب، وهنالك الشق اللوجستي. نحن الآن في مرحلة اللوجستي، وهو النوع الذي قد يبدو مجرد “حرامي أجنبي” في الظاهر، يعمل مرتزقا مع المليشيا، لكنه يجهز المسرح للشق الأيديولوجي القادم من شرق وغرب إفريقيا، فالتحدي الآن أمني لوجستي والحل في إحكام التنسيق الأمني والعسكري لضرب الإرهابيين مع الدعم السريع مرة واحدة، للأسف تشاد تنتحر بتعاونها مع المليشيا وسترون، وأتوقع أن اثيوبيا ستحمل رسائل السودان الأخيرة محمل الجد.
الفريق إبراهيم مفضل، مدير جهاز المخابرات، يعرف الكثير، ولديه من التبادل العالمي والإقليمي الكثير. اجتماعات الأجهزة الدولية ليست مجرد “طق حنك”، بل جهد مشرف للسودان جيشًا وشعبًا وقوات نظامية.
على الأرض، القائد الفريق اللبيب يعد للعمليات بذكاء ويعرف أهدافه بدقة ويضرب بقوة. لذلك، عندما يهرع بيرليو إلى الرئيس البرهان في (بورتسودان الآمنة) رغم أنفه، بعد مقدار من الشغب السياسي لصالح “قحت” الفاشلة، يفعل ذلك لأنه يعلم أنه يجلس مع أخطر رئيس وقائد عام. البرهان يحارب يومه كاملاً ويدير أخطر ملفات إفريقيا الأمنية بالنسبة لأمريكا وأوربا والعالم (بعد الضهر).
الحديث مع (ل) انتهى، ولم أستطع مساعدته لأنه يعلم أكثر مما أعلم. اجتهدت في ربطه بالشخص المناسب في المحطة المعنية، ولكن بوصفي متحدثًا تُلصق بي الميديا ألقابًا عديدة، مستشار وخبير، و Pro-Army، منحته خمسة تصريحات ليستعين بها كيفما يريد بعد أن ينال الإفادات الرسمية المطلوبة من المصادر الموثوقة:
- 1- الأوامر لقوات مكافحة الإرهاب: الذي أتوقعه أن جهاز المخابرات، وتحديدًا قوات مكافحة الإرهاب، لديها أوامر واضحة من القائد العام، المدير العام، نائب العمليات، بأنه إذا بقيت للجندي طلقة واحدة فهي للإرهابي الأجنبي المرتزق، وهو أولى بها من قائد في المليشيا. لأن قائد المليشيا سيسرق ويهرب، بينما الإرهابي المرتزق سيفتتح فرعًا لبوكو حرام في السودان، وسيأتي ومعه آخرون، كما افتتحوا فروعًا في تشاد والكاميرون والنيجر، حتى صار الجانب الغربي من حوض بحيرة تشاد هو “المزرعة الأفريقي للإرهاب الدولي”.
- 2- المستحيل الأمني والاقتصادي: السودان يفعل المستحيل. ما وصل إليكم من معلومات حول مكافحة الإرهاب وقنص العناصر الخطرة أثناء الزحف واستعادة المواقع العسكرية والأحياء السكنية هو “المستحيل الأمني”. ولكن المستحيل الاقتصادي هو ما يفعله محافظ بنك السودان برعي حفظه الله، حيث يقوم بأخطر وأغرب عملية استبدال عملة تجعل كل الأموال المسروقة والمزيفة والمطبوعة بإشراف (دولة الشر) مجرد قمامة ورقية. وهنا يظهر دور القوات النظامية: الجيش، الشرطة، المخابرات. والحقيقة أن مواقع الاستبدال تنتظر بفارغ الصبر وكلاء ومتعاوني المليشيا، ليس لمنعهم من الاستبدال إنما للتحقق الأمني من مسارات الشبكة والمتهمين باستلام المال المسروق، وإحالة الأسماء للنائب العام.
- 3- شكرا للراهبة البولندية: الملف الدولي الذي تصديت له لفترة، وأدليت فيه بتصريحات هنا وهناك، كان مصدري الأول فيه هو الراهبة البولندية التي تم إخلاؤها باحترافية مع مجموعة الراهبات الكاثوليك والامهات والأطفال من دار مريم (جنوب الشجرة). وقد تم نشر معلومات عن عملية الإخلاء في الميديا، ومنها ما نشرته الزميلة ابنة وادي النيل سمر إبراهيم تحت عنوان “عملية حجب ضوء القمر”. الجديد هذه المرة أن صديقًا من (آفركا إنتلجنس) يزعم أن هناك تعاونًا فرنسيًا سودانيًا في العملية. وأنا أقول له: لو كانت فرنسا متعاونة لما احتاج السودان إلى انتظار الربط بين “وادي سيدنا” و”المهندسين” لينفذ العملية عبر النهر ثم أم درمان، لكن صديقي مصر على أن الأقمار الصناعية الفرنسية ترسل بعض الهدايا للسودان من حين لآخر، إن لم يكن في هذه العملية ففي غيرها، أنا قلت له إفاداتي وانتظر ما يفعله.
- 4- امتحانات الشهادة السودانية: وهنا تخنقني العبرة قبل أن أكتب، لأن محمود الحوري، تلميذ والدي رحمه الله، قال: “امتحانات الشهادة السودانية قائمة إلا أن أموت”. بذل مجهوده وفاضت روحه وهو في ميدان العمل والتضحية. وأتمنى أن تكون هناك جائزة في الإنجاز الحكومي باسم الشهيد الحوري.
- 5- انتهاكات الدعم السريع ضد المسيحيين: على هامش النقاش مع (ل) لم يفتني أن أذكره أن القس بوب روبرتس زار السودان ووقف على انتهاكات الدعم السريع ضد المسيحيين، واجتمعت معه في القاهرة. أما صديق السودان الأب فرانكلين جراهام فقد برزت منظمته “سمارتين بيرس” مجددا، وكل العالم شاهد حوار ممثلة المنظمة مع الزميل شنيدي من تلفزيون السودان. من جانب آخر أصدقائي المحافظين، عادوا الآن مع ترمب وذكروني بالفيديو الذي رفعته في 2020، عندما اجتهد الديمقراطيون في تسخير حادثة فلويد انتخابيًا. قدمت تفنيدا لهم في عشر دقائق، وقلت حينها إنهم يستغلون دماء السود في حربهم ضد المحافظين وضد ترمب في أمريكا. وحينها لم أكن جزءًا من حكومة السودان، بل رأي شخصي يمثلني، وحكومة “قحت” كانت أقرب لخصومهم. أصدقائي يعتقدون أنه أصدق صوت سمعوه من السودان، ونقلوا رأيهم للرجل الكبير.
ما لم أقله للصديق (ل) أن الشعب السوداني يجب أن يعلم أن هناك من يفتح صدره بشجاعة للنار في الصفوف الأولى من الجيش السوداني الباسل، وقوات مكافحة الإرهاب، والمجاهدين والمستنفرين، وهناك من يرغب في طعنهم من الخلف ويستغل التناقضات المصنوعة داخل الصف الوطني.
على بلاطة، على الشعب السوداني أن يعلم أن هناك من يوسوس بخبث للرئيس ضد مفضل واللبيب، ليس كأشخاص ولا بشر، ولكنه يكره الانتصار السوداني الوطني الخالص، ويرغب في كسر جهاز المخابرات، وفتح الصندوق مجددا لصالح المليشيا، ويرغب في (خطة خفية) وهو لا يعلم أنه بذلك ينفذ اجندة العدو بأن يبقى السودانيون لاجئين بقية عمرهم في المنافي لتحكمهم حكومة منفى. هؤلاء أعداء السودان حقًا، والتاريخ يسجل.