لماذا هاتفت الولايات المتحدة الفريق البرهان عبر وزير خارجيتها أنتوني بلينكن، ولماذا رفعت سقف مستوى التواصل مع السودان، وكان التواصل سابقا يتم عبر المبعوث الخاص للسودان ـ أو مساعدو وزير الخارجية، أو مبعوثي الولايات المتحدة للقرن الافريقي – وفي أحيان كثيرة لا تتجاوز أطر الاتصال القائم بالاعمال.
كانت امريكا تتعامل مع السودان بدونية، ولن ننسى أنها رفعت تمثيلها لدرجة سفير في وقت قريب.
اذا ما الجديد الآن لتغير امريكا من هذه الاستراتيجية، وطريقتها في التعاطي مع السودان، لابد أن الأمر جلل والخطب كبير.
واحد من مؤشرات الاحابة، هو الخوف الأمريكي المتصاعد من علاقة السودان مع الدب الروسي، التي بدأت تنشط خاصة خلال سنة الحرب الاولى. شعرت الحكومة السودانية بضرورة الحاجة لحليف دولي قوي، يقارع ويصارع معها التكتل الداعم لمليشيا التمرد.. لم تجد بورتسودان أمامها في هذا المنعطف إلا الدب الروسي، الذي تهمه بالضرورة مصالحه في افريقيا والبحر الاحمر، ومن هذه النقطة يمكن تبادل المنافع وحصول اي طرف لما يحتاجه.
وفي العلاقات الدولية أن الحليف غير الصديق ـ حيث يستطيع الحليف أن يدفع معك الشر بكل ما يملك ويساندك في النماء، في وقت يكتفي فيه الصديق بكلمات الشجب أو الشكر التي تتطلبها دبلوماسية المواقف.
قدرت امريكا تغيير طريقة تعاطيها مع السودان لتتمكن من إغلاق الباب السوداني أمام التقدم الروسي، لكنها بمجرد أن تنتهي من هذه الخطوة ستكشر عن أنياب صدئة وترفع في كروتا حمراء عديدة في وجه بورتسودان.. لان أمريكا لن تغير من طبيعتها وطريقتها ويمكن الرجوع إلى محطات في التاريخ القريب يؤيد هذه الفرضية.
لكل ذلك نتساءل ما المطلوب من الحكومة السودانية؟ لتتخطى هذه العقبة، و لا تقع من جديد فريسة سائغة لوعود أمريكية كاذبة، وعليها أن تجتهد في الإبقاء على أبواب الوصل مع روسيا مشرعة، لتعود إليها متى ما تبين الخيط الابيض من الأسود في الفجر الأمريكي الكاذب.
أمريكا لم تنشط من قبل ليكون لها اهتمام مستقل بالسودان وكانت تترك هذا الشان للحليف أو الوكيل الذي أراد أن يبتلع السودان بمن فيه وما فيه لصالح مشروع استيطاني استلابي، يصنع التغيير ليس على المستوى السياسي فحسب، ولكن يتجاوز ذلك لتغيير ديموغرافي شامل.
المطلوب إصرار وعزم من السودان التعامل مع أمريكا دون وسيط أو حليف أو وكيل ماكر.. ثم يضع شروطه الواضحة للذهاب إلى منصة جنيف، وأولها إلزام المليشيا بما تم في جدة، وخروجها من منازل المواطنين، وارغام رعاة الحرب على تعويض متضرريها، ولابد من إيصال راي الشعب السوداني في المليشيا وظهيرها السياسي، بأن ليس له مكان في ارض السودان وسمائه بعد اليوم
أن شعبا كون رأيه في حواضن المليشيا الاجتماعية، قطعا لن يقبل بالميليشيا ومساندوها المدنيين.. المطلوب من وفد السودان إلى جدة أن يكون جريئا وواضحا ويضع التقاط على الحروف، فأما القبول والخضوع لإرادة الشعب، أو فالعودة لميادين القتال واستمرار البل.