أعلنت الهيئة القومية للطرق والجسور انها بصدد زيادة تعرفة العبور بمحطات الطرق القومية بنسبة 600% بعد موافقة وزارة المالية والاقتصاد الوطني. وقال المدير العام للهيئة ان الزيادة المقترحة لتغطية تكاليف صيانة الطرق، وتسيير العمل، واستحقاقات العاملين، وأن الزيادة مواكبة لنسبة التضخم بالبلاد.
سبق هذه الزيادة زيادة تعرفة الكهرباء والمياه، والعديد من الخدمات الأخرى. من الواضح ان انخفاض قيمة العملة السودانية مقارنة بالعملات الأخرى، وما يؤدي اليه من ارتفاع تكلفة كل المستوردات التي تدخل في تكاليف هذه الخدمات مثل المحروقات والإسبيرات وقطع الغيار والكيماويات والأسفلت بالنسبة للطرق، تؤدي لزيادة تكلفة هذه الخدمات بصورة حادة. ويضاف لهذا مطالبات المقاولين بزيادة مدفوعات مقابل الخدمات التي يؤدونها، ومطالبة العاملين بزيادة استحقاقاتهم ومرتباتهم لمقابلة احتياجاتهم الأسرية.
المعضلة أن غالبية المواطنين المستخدمين لهذه الخدمات أو المستفيدين منها يعانون قلة الدخول وضعف المرتبات، وأي زيادة في تعريفات الخدمات تعد كارثة بالنسبة لهم. ففي حالة زيادة تعرفة عبور الطرق القومية سوف يحمِل أصحاب الشاحنات التكاليف الإضافية على الطن المنقول، ويقوم التاجر صاحب البضاعة بتحميل الزيادة التي فرضت على الطن المنقول على السلعة المقدمة للمواطن، ولا يجد المواطن بداً من شراء السلعة بالسعر المرتفع الذي آلت إليه.
بالمقابل إذا لم توافق وزارة المالية على الزيادة المقترحة سيزداد حال الطرق القومية سوءً، ولن تتمكن الهيئة القومية للطرق من تنفيذ أعمال الصيانة الاعتيادية والطارئة فتكثر الحوادث ونفقد الأرواح والمعدات.
إن دفع التكلفة الحقيقية للخدمة شر لا بد منه، لأن عدم الدفع يترتب عليه الضعف التدريجي في تقديم هذه الخدمة إلى أن تتوقف تماماً، لا أحد يرغب بالطبع في توقف وانهيار خدمات المياه أو الكهرباء أو الطرق أو التعليم أو الصحة. ولعل الناس يعانون الآن من انهيار خدمات صحة البيئة بتكدس الشوارع بأكوام النفايات، وتوقف عمليات الجمع والمعالجة.
قد يتساءل سائل وأين دور وزارة المالية هنا؟ وهي التي تجبي الضرائب. والرد أن الحكومة ممثلة في وزارة المالية تكون بحكم القانون الأساسي (الدستور) مسئولة عن إقامة وتأسيس البنيات التحتية كالطرق، والكباري، والخزانات، ومحطات توليد الكهرباء، وبناء المستشفيات، والمدارس. أما الخدمات اليومية التي تقدم من خلال هذه المرافق، وصيانتها، وتسييرها، فمن الصعب أو المستحيل أن تقوم به الحكومة، ولا بد أن يدفع المستفيد شركة، أو مؤسسة، أو سفارة، أو منظمة، أو مواطن عادي، تكلفة الخدمة. ويستثنى من ذلك خدمات التعليم الأساسي والصحة الأولية التي تستمر الدولة في رعايتهما بعد التأسيس.
ونظراً لتفاوت دخول المواطنين، تلجأ الحكومة لتقديم بعض الخدمات عن طريق شرائح مختلفة تساعد ذوي الدخل المحدود، أو تقوم أحياناً بتمييز بعض الفئات ببطاقات خاصة لركوب المواصلات بسعر مخفض، مثل الطلاب ومن تزيد أعمارهم عن الستين، على أن تسدد الحكومة للناقل فرق السعر حتى لا يتعرض للخسارة.
إذا كان الاختيار ما بين تقديم الخدمة بتكلفتها الحقيقية أو توقف هذه الخدمة نهائياً، فإن الاختيار الصواب يكون هو تحمل تكلفة الخدمة. شريطة أن تكون الخدمة جيدة وفقاً للمواصفات القياسية، وأن تكون التكلفة محسوبة بطريقة شفافة وعادلة. والله الموفق.