بثت قناة سي ان ان الأمريكية ذائعة الصيت تقريراً حول انتاج الذهب بالسودان، عنونته (روسيا تسلب ذهب السودان لتمويل حرب بوتين على أوكرانيا). من الواضح ان التقرير يأتي في إطار الصراع الاستراتيجي بين الولايات المتحدة وروسيا، والذي اشتعل بقوة في اعقاب الحرب الروسية الأوكرانية، وأصبحت كل دول العالم تقريباً مسرحاً لهذا الصراع.
يتبدى انحياز التقرير وعدم موضوعيته من عنوان التقرير نفسه، ذلك لأن روسيا واحدة من أكثر من عشرة دول لديها مربعات امتياز للاستثمار في الذهب في السودان، علماً بأن الاستثمار في الذهب السوداني عملت فيه شركات أجنبية كثيرة قبل عقود، أهمها الشركة الفرنسية التي استخرجت المعدن النفيس من منطقة أرياب بجبال البحر الأحمر منذ ثمانينيات القرن الماضي، عندما كانت أوكرانيا مع روسيا دولة واحدة تحت مظلة الاتحاد السوفيتي حينذاك.
يبدو قفز التقرير على الحقائق واضحاً عندما يقرر أن روسيا تعتمد على الذهب السوداني في تمويل حربها ضد أوكرانيا! هذا لا ينطلي على أحد، حيث تعتبر روسيا ثالث أكبر منتج للذهب في العالم بإنتاج يفوق ال 300 طن سنويا من المناجم على أراضيها، ويبلغ احتياطي روسيا من الذهب في بنكها المركزي أكثر من 2300 طن تفوق قيمتها 130 مليار دولار تقريباً، وذلك يصنفها صاحبة خامس او سادس أكبر احتياطي للذهب الخالص في العالم. وبهذا يسقط الادعاء بأن ذهب السودان منقذ لروسيا من العقوبات الاقتصادية، أو إنها تعتمد عليه في حربها ضد أوكرانيا.
الثغرة الأساسية في تحقيق سي ان ان انها اعتمدت على أقوال عامة مبثوثة هنا وهناك، ولم تسع لأخذ المعلومات من المصدر الرئيسي وهي وزارة المعادن بالسودان، التي لها احاطة جيدة بالمعلومات عن المعادن في السودان وعلى رأسها الذهب، حيث تشرف وتتابع 77 سوقاً على مستوى ولايات السودان كلها، كما ترصد وتسجل وتتابع حوالي عشرة آلاف آلية ثقيلة تعمل في المجال فضلاً عن آلاف الطواحين والمعامل العاملة في الاستخلاص.
ننبه الى أن هذا التقرير يأتي في إطار حملة ممنهجة ومنظمة ضد الجيش السوداني والأجهزة النظامية السودانية، حيث أصدر مركز الدراسات الدفاعية المتقدمة C4ADS تقريراً بعنوان (حاميها حراميها) مع عنوان جانبي يقول (كيف تؤدي السيطرة العسكرية على الاقتصاد الى عرقلة الديمقراطية في السودان) في يونيو الماضي.
وفي الأسبوع الأول من شهر يوليو عقد نفس المركز ندوة حول التقرير المشار إليه. شارك فيها كاميرون هديسون الباحث والدبلوماسي السابق، وخلود محمد خير الناشطة السياسية، ومجدي أمين الاقتصادي مستشار وزير المالية السابق، وترأست الندوة ايفا كاهان مسئولة السودان بالمركز. وكان محور النقاش فرض عقوبات على الجيش السوداني ومؤسساته.
في نفس الأسبوع تقريباً نشر الناشط السياسي بكري الجاك مقالاً انتشر بالوسائط الالكترونية بعنوان (دولة الكارتيلات والعصابات العابرة للحدود) مضمون المقال لا يخرج عن محتوى تقرير (حاميها حراميها)، فهما يصدران عن فكر واحد ورؤية متحدة، تعتبر الجيش ومؤسساته المختلفة عصابات إجرامية هدفها نهب ثروات السودان. يتوقع استمرار هذه الحملة الممنهجة، الحذر واجب.