عادل الباز
1
أصدر مجلس حقوق الإنسان بجنيف الأربعاء 11/أكتوبر 2023 قراراً يقضي برصد الانتهاكات لحقوق الإنسان في السودان وتشكيل لجنة من ثلاثة خبراء ليس معلوماً هويتهم حتى الآن. وكانت بريطانيا وألمانيا والنرويج والولايات المتحدة الأميركية دعوا مجلس حقوق الإنسان لتشكيل بعثة لتقصّي الحقائق من ثلاثة أشخاص، وقال سفير بريطانيا لدى جنيف سيمون مانلي لوكالة أسوشيتد برس إنّ “التقارير تشير إلى الانتهاكات والتجاوزات الأكثر فظاعة من قبل طرفَي هذا الصراع غير الضروري على الإطلاق”. مضيفاً (سوف تهدف بعثة تقصّي الحقائق جزئياً إلى تحديد المسؤولين عن انتهاكات الحقوق والتجاوزات، على أمل محاسبة الجناة في يوم من الأيام.).
بعد صدور القرار بتشكيل تلك اللجنة رغم الضجة الكبرى التي أثارها، لاحظت أن الأسئلة المهمة حول هذا القرار قد تم تجاوزها وغابت عن ساحة الجدل. لماذا سعت هذه الدول الثلاث بالذات لحشد مجلس حقوق الإنسان لاتخاذ هذا القرار عن العدالة للضحايا مثلاً.؟
ثانياً: تم تجاوز ديباجة القرار وتركز النقاش حول القرار نفسه وهي تكشف بوضوح الأجندة المختبئة في ثنايا القرار وهي المؤشرات التي ستسير عليها لجنة التقصى لاحقا.
ثالثاً: ما هي الأهداف التي تسعى هذه اللجنة لتحقيقها
2
الموقف البريطاني معلوم تواطئه مع الجنجويد إذ قامت بريطانيا منذ أول أيام الحرب بدعوة مجلس الأمن لتبني قرار لوقف الحرب، وتجنبت فيه تماماً تسجيل أي إدانة للمتمردين، فكان أول من سعى لتدويل القضية السودانية عبر ثمانية محاولات وسعت لذلك الدول التي تكاد تشكل تحالفاً ثابتاً ضد السودان في كل المحافل الدولية. لم تكتفِ بريطانيا بتحريض دول مجلس الأمن ضد السودان، بل سعت أيضاً لحشد المنظمات الإقليمية لاتخاذ موقف لصالح الجنجويد بتبني ذات الأجندة البريطانية الداعية لوقف الحرب دون قيد أو شرط، وجاء موقف الإتحاد الأفريقي والإيجاد متناغماً ومطابقاً لذات الأجندة البريطانية أو أجندة الترويكا التي تتزعمها هذه الدول.
3
إذن الدبلوماسية البريطانية تواصل خطها الداعي لوقف الحرب لمصلحة الجنجويد منذ بداية الحرب حتى لحظة صدور قرار مجلس حقوق الإنسان. الموقف البريطاني يبدو غريباً لكن بقراءة المواقف البريطانية منذ كتابة عرفان صديق لخطاب استقدام البعثة الأممية للسودان ثم دعمها ل(قحت) طوال فترة حكمها القميء، وصولاً لموقفها من الانقلاب وحتى دعمها لورشة المحامين، وصولاً إلى تأييدها ودعمها لكارثة الاتفاق الإطاري.. يتضح ان خطها منسجماً مع تلك المواقف المتراكمة، وهي بهذا الخط المكشوف تسعى لترسيخ أقدامها في دوائر القرار السوداني واستعادة نفوذها القديم باختراق الساحة السياسية بعملاء جدد وجدتهم جاهزين لخدمة أهدافها.
4
الموقف الأمريكي من الحرب صنعته عصابة جنجويد الإمبراطورية (مولي في وفكتوريا لاند/ والسفير جودفري) وهي التي اتخذت مواقف عدائية ضد القوات المسلحة، رافضة إدانة التمرد عليها وهي التي سارعت بإدانة إنقلاب 25 أكتوبر 2021.
رغم أن جنجويد الإمبراطورية هم من صنعوا منبر جدة وفرضوه على الجيش السوداني ولكنهم عجزوا عن إلزام المتمردين بإنفاذ ما وقعت عليه المليشيا في اتفاق جدة في حين استمر جنجويد الإمبراطورية يضغطون على المنظمات الإقليمية لتتبني موقفاً داعماً للجنجويد وهو من كتب ما عُرف “بخطة وقف التصعيد” التي تطالب بوقف الحرب فوراً في ظل احتلال الجنجويد لمنازل المواطنين والمرافق العامة وفي ظل الإبادة التي جرت في دار المساليت.!!.
الملاحظ أنه حين عجزت هذه الترويكا المتآمرة عن الحصول على أي دعم لخططها في مجلس الأمن وأحبط السودان تحركاتها فى أفريقيا، سارعت للجوء إلى حشد الدول الداعمة لخطها في مجلس حقوق الإنسان وأغلب الدول التي دعمت القرار ليست بذات شأن وبعضها قد لايعرف أين يقع السودان في خارطة العالم، بينما وقفت أغلب الدول العربية والأفريقية والإسلامية إلى جانب السودان وكان غريباً موقف جنوب إفريقيا التي ظلت تسجل مواقف إيجابية تجاه القضايا السودانية منذ زمن طويل.
5
الموقف الذي لم يكن مستغرباً هو موقف دولة النرويج التي تعمل كذيل دائم فى منظومة الترويكا، إذ تتبع باستمرار سياسات بريطانيا والولايات المتحدة وهي باستمرار داعمة لكل متمرد على الدولة السودانية من لدن قرنق، مروراً بحركات دارفور وصولاً إلى حميدتي. وهي دائماً الممولة الرئيسة لكل أنشطة المعارضة، وتبنت الشهر الماضي لقاءً لمجموعة مدنية مريبة تسعى لفرض أجندتها على السودان.
6
الاطلاع على ديباجات القرارات الأممية مهمة لكشف الأجندات المختبئة في القرارات. الديباجات طويلة ومملة ولكنها بالغة الخطر. كل فقرات ديباجة القرار تساوي بين الأطراف التي تسميها متنازعة، أي يعني ليس هناك متمردين على الدولة، ثم تشير الديباجة ابتداءً من الفقرة 9 إلى الفقرة 23 إلى الانتهاكات التي يتعرض لها المدنيون والبعثات الدبلوماسية والصحفيون… لكنها عجزت أن تُسمي الطرف الذي يرتكب كل هذه الجرائم تحديداً وهم مليشيا الجنجويد التي ادانتها كل المنظمات العالمية في ذات الانتهاكات.
يعلم مجلس حقوق الإنسان من هم المجرمون، ولكن آثر التغطية عليهم بمثل هذه العبارات المخادعة تهرباً من إدانة مليشيا الجنجويد التي تدعمها ذات الدول التي تقدمت بطلب البعثة لتقصي الحقائق وكأنها مجهولة
بالإشارة للعلاقة الملتبسة التي تربط المحكمة الجنائية الدولية بالدول الثلاثة التي تقدمت بطلب لجنة التقصى يتضح أن فكرة لجنة التقصي هي عبارة عن مصيدة كبيرة الغرض منها تهيئة المسرح لعملية تتدثر بدثار البحث عن الحقيقة ومن ثم إنجاز تقرير مفخخ واحالته بطرق ملتوية للمحكمة مستغلين قدرتهم على التحرك على طول البلاد وعرضها وهذا مالم يتوفر للمحكمة لا سابقا ولا حاليا ومن ثم إحالة التقرير إلى المحكمة الجنائية اما عن طريق مجلس الأمن أو عن طريق الأمم المتحدة
ولذا السبب وحده رحبت قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي بلجنة تقصي الحقائق حول الانتهاكات التي وقعت في الحرب من هذا الباب أيضا رحب المتحدثون باسم الجنجويد بقرار لجنة التقصي ولأن متعهدي اللجنة الداعمين لقحت وحلفائها من الجنجويد الممسكين بزمام أمرها وتشكيلها وأجندتها سيحاولون المستحيل لتحسين صورة الجنجويد أمام المجتمع الدولى بشراء ذمم أعضاء اللجنة، كما باعوا واشتروا في ذمم مسؤولي المنظمات الإقليمية
7
من ضمن الأهداف تعطيل تحركات المحكمة الجنائية الدولية الحالية بعد أن شرعت بالفعل في التحقيق فى الإبادة الجماعية التي قامت بها المليشيات ضد المساليت، كما تهدف للتغطية على جرائم الجنجويد كلها وتجنبها إدانة كبرى مستحقة لها، وهذه اللجنة مجهولة الهوية حتى الآن ستمشي على صراط الديباجة غير المستقيم، ومعلوم قصص الضغوط التي تتعرض لها اللجان والإغراءات والرشاوى التي تدفع، ودفاتر الأمم المتحدة تفيض بقصص البعثات الفاسدة من لدن العراق وأفغانستان وغيرهما.
8
موقف الحكومة السودانية التي صوتت ضد القرار، قد يتطور لاحقاً حسب مجريات الأمور لأن التآمر الدولي المستمر عليها يجعل نتائج هذه البعثة مشكوك في أمرها ويستوجب الحذر. فقد تتجرأ لجنة التقصي وتحاول تسجيل إدانة دولية لها أو او تسعى للمساواة بينها وبين المليشيا المجرمة، كما كشفت ديباجة القرار المذكورة أعلاه. بإمكان الجيش في مراحل لاحقة التلاعب بهذه اللجنة برفض عضوية أي شخصيات مشبوهة ضمن تشكيلها، وبامكانه رفض دخولها البلاد أصلاً.
9
قدر الله أن تنكشف تناقضات المتآمرين بعد طوفان الأقصى والرد الإجرامي المتوحش للصهاينة الساعي لإبادة مجاهدي غزة، إذ لم يسارع المتآمرون بالدعوة لوقف إطلاق النار، بل أرسلوا بوارجهم لصب مزيدٍ من النيران على رؤوس أهل غزة، ولم يعلن مجلس حقوق إنسان عن بعثة لتقصي الحقائق.!!. تُرى كم لجنة تقصي قامت بأمر مجلس الأمن سفهتها إسرائيل واحتقرت أعضاءها وطردتهم من الأراضي المحتلة.؟.